حتمية التركيز الآن على نتائج رؤية عمان 2040
الحاجة الوطنية تدعو الآن إلى انتقال المؤسسات الحكومية من الحديث عن رؤية عمان 2040، وأهدافها، وماذا سيتحقق للدولة والمجتمع عام 2040، إلى الحديث عن نتائج تطبيق الرؤية أولا بأول، فرسالة الرؤية وطموحاتها قد أصبحت معلومة، والتركيز الآن ينبغي أن ينصب على النتائج، وكذلك على الإجراءات التي تنتجها -أي النتائج- بشفافية كاملة، وبوسائل مضمونة لإيصال الرسائل الإيجابية للمجتمع، وهذا الانتقال يدخل ضمن السياقات الطبيعية، ورغم ذلك، لم يأخذ حقه حتى الآن، والسبب يرجع إلى الخطابات الرسمية التي تركز على نتائج نهاية الرؤية، والإغفال عن النتائج الدورية، مما تكرس الاعتقادات الاجتماعية بأن منافع الرؤية للجيل المقبل وليس الجيل الحاضر.
كانت القضية التي تطرحها هذه المقدمة تشغلنا كثيرا، وقد زادتنا شغفا عندما كنا نفكر في خبر توقيع مكتب محافظة ظفار في التاسع من مارس الماضي مذكرة تفاهم مشتركة مع البرنامج الوطني للتشغيل لإيجاد فرص عمل للباحثين لأبناء المحافظة عن طريق التأهيل والتدريب، ومثل هذه الخطوة تستوقف التفكير من حيث الشكل كونها تجمع طرفين من أطراف حكومية، وبالتالي كيف تعملان بمنهجية المذكرات والاتفاقيات عوضا عن التلقائية؟ ومن حيث المضمون، فإن غرض المذكرة تتعلق بتوفير فرص عمل حصرية لأبناء المحافظة، ومثل هذه المسارات لا يمكن للفكر أن يمررها دون الغوص في عمقها؛ لأنها ليست اعتيادية.
لذلك أجرينا عملية بحث واستقصاء من ذلك التاريخ وحتى يوم 30 من مارس نفسه، لن نتوقف عند هذه المدة الزمنية الطويلة، وننتقل إلى ما خرجنا به من معلومات تشرعن مطالبتنا بالانتقال للحديث عن النتائج، والتركيز عليها، وجعلها هي الحدث الذي تنتجه الرؤية، فالمذكرة هي منهجية عمل وطنية لكل محافظة عمانية، يشترك في مسؤولية تنفيذها المحافظون والبرنامج الوطني للتشغيل، ونقدم محافظة ظفار هنا كنموذج يشمل كل المحافظات، ونتناولها في سياق الحدث نفسه، وهو توقيع المذكرة سالفة الذكر، التي تنص على تدريب وتأهيل الباحثين عن عمل لأبناء المحافظة، ومن ثم توفير وظائف دائمة لهم مخطط لها مسبقا، وقد تحدد مجالات التدريب والتأهيل في المجالات التكنولوجية وتقنية المعلومات، والأمن الغذائي والاقتصادية والسياحية والثروة السمكية.. الخ، ويتم استهداف «4» آلاف باحث وباحثة، وسيتم اختيار كمرحلة أولى «1000» منهم منذ الأول من أبريل الحالي على أن يتم برمجة البقية مع رفع الأعداد حسب زيادة عدد الباحثين السنوية.
وقد أبرم البرنامج الوطني للتشغيل اتفاقيات مع شركات كبرى في المحافظة لإحلالهم بعد التدريب والتأهيل مباشرة، وسيتم اختيارهم وفق ما أفادنا به مصدر رسمي من قائمة الباحثين عن العمل لأبناء المحافظة وفق معيار التخصص المستهدف بناء على الاتفاقية، ولم نتمكن من الحصول على تفاصيل التأهيل والتدريب، ولا عن المدة الزمنية لاستيعاب كل الباحثين، ولا عن العدد الكلي للباحثين في محافظة ظفار، وهذه قضايا تتطلب الشفافية، وتمنح المذكرة مكتب محافظ ظفار المسؤولية التنفيذية من حيث متابعة عملية التأهيل والتدريب، وكذلك الرقابة على تنفيذ اتفاق التشغيل المبرم بين البرنامج الوطني والشركات لتوظيف الباحثين، وهذه ضمانة تنفيذية للامركزية، وفي الوقت نفسه مسؤولية كبيرة تقع على عاتق اللامركزية، وتجعل من قضية الباحثين عن عمل شراكة حقيقية بين المركزية واللامركزية، والبرنامج الوطني للتشغيل من أهم البرامج الوطنية المنبثقة من أهداف رؤية عمان 2040.
وقد سبق توقيع المذكرة دراسة محافظة ظفار بصورة شاملة من حيث الديموغرافيا /السكان، والشركات وفرص العمل.. الخ، وبالتالي هناك خريطة طريق واضحة الآن لحل قضية الباحثين عن عمل بعد ما كان السير فيها كمن توغل في صحراء الربع الخالي، وستكون الرؤية واضحة كذلك حول الأعداد التي تخرج سنويا من قائمة الباحثين عن عمل، وتلكم التي ستدخلها، وتظل قضية التطبيق هي التي ينبغي أن تحدث الفارق الآن، وهي التي تتوقف عليها الرهانات الوطنية في حل قضية الباحثين المتراكمة، والمتصاعدة، ولا يمكن الحديث عن نجاح التطبيق اللامركزي، ومن ثم حل قضية الباحثين عن عمل، أو على الأقل جعلها في المستويات الطبيعية، إلا بوجود ثلاثة عوامل أساسية، هي:
-تفعيل مكاتب الرؤية لدى المحافظين، لأنها أدوات نجاح التطبيق، فحتى الآن لم يحدث، فلا يزال واقعها متواضعا جدا، وينبغي أن تمكن من صلاحية الاطلاع على النتائج أسوة بالمحافظين التي هي حصريا عليهم الآن، فانشغالات المحافظين قد تجعلهم يتأخرون في المتابعة، كما أن ذلك ينبغي أن يكون جزءا أصيلا لمكاتب الرؤية التابعة للمحافظين.
- إقامة مطبخ تفكيري داعم لمكاتب المحافظين من خبرات وتخصصات متعددة من أبناء المحافظات، لأن من صلاحيات المحافظ كذلك التعيين، واستثمار موارد المحافظة.
- عدم حصر التأهيل والتدريب على الباحثين عن عمل، وإنما كذلك على أولئك الذين قد يتخرجون خلال المدى المتوسط -أي خمس سنوات- لكن كيف؟ هذه الكيفية تحتم أن يشمل البحث عن اكتشاف فرص العمل ليس على المشاريع والشركات القائمة، وإنما على تلكم التي قيد التأسيس سواء كانت عمانية خالصة أو بالشراكة مع الأشقاء أو الأصدقاء، فينبغي مسبقا تحديد فرص العمل المستقبلية، ومن ثم العمل على تأهيلهم الكوادر والأطر العمانية لهذه الفرص.
فمثلا، لدينا شراكات في الطاقة المتجددة، وشراكات في صناعة الطائرات المسيرة، والاستثمار في الفضاء، والاستثمار في تقنيات المياه، وإقامة سكك حديدية مع الرياض وأبوظبي.. والقائمة طويلة، فلا بد أن يعطى للبرنامج الوطني للتشغيل صلاحية تحديد حصة الوظائف العمانية فيها، ومن ثم العمل على صناعة الكوادر في الآجال الزمنية المستحقة، وهذه المسألة ينبغي التشديد عليها، لأهميتها الوطنية كما تتجلى من مضامينها، بحيث لا يتم الاقتصار في عملية البحث على الواقع وفرصه فحسب، بل الواقع المستقبلي الممكن تحقيقه، ولو فعلنا ذلك، فهل ستشكل قضية الباحثين في آنيتها أو مستقبلها قضية سياسية؟
وهناك تجربة خليجية قد ذكرناها في مقال سابق، تشكل نموذجا لقضية صناعة الخبرات التقنية والتكنولوجية لمستقبلها الجديد، فمن أكثر من ألف خبرة مختلفة في قطاع فضائها الخارجي، هناك أكثر من النصف من شبابها من الجنسين، وتشغل الآن 14 قمرا صناعيا، ما يجعلها الثانية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهذا لم يأت إلا وفق استراتيجية محكمة في التخطيط والتنفيذ، لذلك لا بد من برامج وطنية عمانية لصناعة كوادر وأطر مستقبل القطاعات والمشاريع الجديدة التي تؤسس مستقبل السلطنة الجديد، وقد أشرنا إلى معظمها لاحقا، وهذه القضية ينبغي أن تتزامن مع مراحل التأسيس حتى تكون الانطلاقة متزامنة، والمسيرة مستدامة، عندها لن تثار قضية الباحثين كهاجس سياسي، وإنما طبيعية ومن دواعي صناعة مستقبل السلطنة المعاصر.
وسنحاول في مقالات مقبلة متابعة مسار تأهيل وتدريب ألف من الباحثين عن عمل من أصل خمسة آلاف في محافظة ظفار شملتهم اتفاقية مذكره التفاهم بين مكتب محافظ ظفار والبرنامج الوطني للتشغيل حتى نضع الرأي العام والشباب خاصة في قلب هذه المسارات الرائعة، والغائبة عنهم، وسننطلق في بحثنا من الآن الإجابة على التساؤلات التالية: هل تم الالتزام بالأول من أبريل لبدء اختيار الدفعة الأولى من الباحثين لتأهيلهم وتدريبهم ؟ وما هي معايير الاختيار؟ وأين تتم عمليتي التأهيل والتدريب؟ وما هي الشركات التي سيتم توظيفهم فيها لاحقا؟ فالإجابة على مثل هذه التساؤلات ستعكس جدية التنفيذ، وهو الأهم الآن، وستصنع التفاؤل الاجتماعي بقضية الوطن الأولى، وستبرز منافع الشراكة بين المركزية واللامركزية في التنمية الإقليمية وحل قضاياها العاجلة.