حان الوقت لقبول امتلاك كوريا الشمالية أسلحة نووية
ترجمة: أحمد شافعي -
استندت جهود الولايات المتحدة على مدار ثلاثين عاما من أجل إكراه كوريا الشمالية على التخلي عن صواريخها البالستية وقدراتها من الأسلحة النووية على عرض بسيط مقدم لكوريا الشمالية: علاقة مع الولايات المتحدة أم أسلحة وعزلة.
ولقد حدد كيم يونج أون رئيس كوريا الشمالية اختياره. فقد أصدرت حكومته قانونا في شهر سبتمبر يعلن بلده دولة ذات أسلحة نووية. ووصف الرئيس كيم ذلك الإعلان بأنه "لا يمكن التراجع عنه" واستبعد إجراء مزيد من المحادثات من أجل نزع السلاح النووي. ولقد أطلقت كوريا الشمالية دزينة من الصواريخ البالستية خلال الشهرين الماضيين، وتتباهى بقدرتها على نشر أسلحة نووية ميدانية تكتيكية ومن المتوقع أن تجري اختبارا نوويا آخر ـ هو السابع عشر بالنسبة لها ـ ربما في مطلع الأسبوع القادم.
ولقد حان الوقت لأن تواجه الولايات المتحدة الواقع. فالجهود المبذولة لإقناع الرئيس كيم بالتخلي عن أسلحته لم تفشل وحسب، بل إنه بات واضحا إزاء استعمالها لحماية بلده وضوحا غير معهود من قبل.
ولذلك فواشنطن بحاجة إلى التفكير في ما هو غير قابل للتفكير: أي قبول كوريا الشمالية بوصفها دولة نووية.
لقد رفضت إدارات أمريكية متعاقبة ذلك رفضا شديدا. وستكون انتكاسة لمنع الانتشار العالمي، ورسالة مفادها أن بالإمكان تحدي المجتمع الدولي ـ إذ أصدرت الأمم المتحدة سلسلة قرارات تدين كوريا الشمالية وتفرض عقوبات على مدار السنين ـ والإفلات بذلك.
ولكن المفارقة أن تلك هي الطريقة المثلى لتقليص الخطر الدائم المتنامي المتمثل في صراع غير مقصود على شبه الجزيرة الكورية من خلال إزالة عقبة كبيرة تمنع كوريا الشمالية والولايات المتحدة من الالتقاء للعمل على ما بينهما من اختلافات.
لقد تصاعد خطر الحرب على مدار العام الماضي إذ انخرطت الكوريتان في سباق تسلح خطابي وفعلي. ويبدو أن قرار كوريا الشمالية بإعلان نفسها دولة نووية يظهر قلق الرئيس كيم من ضربة استباقية تستهدف اغتياله وقطع رأس نظامه، وقلقه هذا له سبب وجيه، فقد أكدت إدارة الرئيس الكوري الجنوبي يون سوم يول من جديد استراتيجية لردع أي هجوم نووي من كوريا الشمالية بالتهيؤ لضربات استباقية قد تشمل استهداف القيادة العليا في بيونج يانج.
تعهدت كوريا الشمالية الشهر الماضي بأن أي محاولة لإبعاد الرئيس عن السلطة سوف تؤدي إلى هجوم نووي مضاد. ولكن لكي يفلح ذلك، فإنه قد يعني تخويل شخصيات أخرى في نظامه سلطة إطلاق ضربة مضادة نووية في غيابه. وهذا أمر مقلق للغاية. فازدياد عدد أصحاب هذه السلطة يعني ازدياد نطاق سوء التقدير المميت. أضف إلى ذلك حقيقة أن أفعال كوريا الشمالية أدت إلى دعوات في كوريا الجنوبية، التي لا تمتلك أسلحة نووية، إلى امتلاكها، وأدت إلى دعوات في اليابان إلى زيادة الإنفاق العسكري وإنشاء قدرة هجومية أقوى.
لا بد من عمل شيء لإيقاف تصعيد الموقف، لكن الولايات المتحدة لديها أوراق للعب أقل من ذي قبل بسبب تغيرات في المشهد السياسي الأوسع.
فلقد تسببت حرب أوكرانيا في صدع عميق بين الولايات المتحدة وروسيا، وبدرجة أقل بينها وبين الصين حليفة روسيا. ولقد كانت القوى الثلاث الكبيرة مشاركين أساسسين في مفاوضات سابقة متعددة الأطراف لنزع سلاح كوريا الشمالية، برغم فشلها في نهاية المطاف. لكن روسيا والصين اليوم أقل احتمالا لأن تساندا ضغطا أمريكيا على كوريا الشمالية بعد أن استأنفت اختبار صواريخها البالستية العابرة للقارات هذا العام، واستعملت بكين وموسكو حق الفيتو لمنع ضغط أمريكي من أجل عقوبات أشد على كوريا الشمالية. يبدو أن الرئيس كيم استشعر تغير الدينامية وزاد من قوة علاقته مع الصين وروسيا.
لو أن السنوات الثلاثين الماضية لم تكن مقنعة بالقدر الكافي، فالأزمة الراهنة تبين أن الحاجة ماسة إلى نهج جديد.
في أثناء الحرب الباردة، أظهرت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي القدرة على الجلوس معا ومناقشة سبل تقليص خطر الحرب النووية. لكن تكاد تكون أي طريقة لتحسين علاقات أمريكا بكوريا الشمالية ـ من قبيل التعاون الاقتصادي أو المساعدات التنموية ـ مرهونة بإصرار واشنطن على نزع بيونجيانج سلاحها أولا.
ولقد تعثرت محاولة الرئيس دونالد ترامب لاستعمال الدبلوماسية مع الرئيس كيم بسبب هذه المياه الضحلة بالذات: فبحسب وزير الخارجية الكوري الشمالي ري يونج هو، كان الرئيس كيم قد طلب رفع بعض العقوبات في مقابل موافقته على تفكيك أهم منشآت كوريا الشمالية النووية (وإن قال الرئيس ترامب إن كيم طلب رفع جميع العقوبات في مقابل إغلاق تلك المنشأة). وقيل للرئيس كيم إن ذلك لن يحدث دونما نزع سلاح كامل. وانهارت المحادثات في 2019 دونما اتفاق، واستغل الرئيس كيم السنوات التالية في زيادة ترسانته.
غير أن ثمة سابقة لذلك من الولايات المتحدة. فإسرائيل والهند وباكستان لديها أسلحة نووية، ولكن واشنطن قبلت أن تتعايش مع ذلك ما دامت هذه البلاد لم تلوح بأسلحتها.
وبرغم أن إسرائيل لم تعترف قط بقدرتها النووية، فإن ذلك هو السر الأسوأ كتمانا في العالم. وهي مع ذلك لا تتباهى علنا بقدرتها، وهو ما سهل على جيرانها من البلاد العربية مثل مصر ألا تسعى وراء برامجها النووية الخاصة ردا على ذلك. كما أغمضت الولايات المتحدة عينها عن الهند إلى أن أجرت جولة اختبارات في عام 1998. ونحّت واشنطن مخاوفها من هذه الاختبارات بشكل برجماتي لتمكين التعاون في مجالات أخرى.
لو كانت إدارة ترامب قد تبنت هذا النهج قبل ثلاث سنوات، فلعلنا اليوم كنا لنجد أنفسنا في مكان مختلف تماما. لا أقول إن كوريا الشمالية كانت لتصبح منزوعة السلاح تماما اليوم. ولكن كان يمكن أن نستكشف خطوات أخرى لتقليص التوتر، وربما كنا ضمنا بعض الالتزامات بسلوك طيب من بيونجيانج بل وربما كنا حصلنا على بعض الإشارات لنزع السلاح في مقابل تخفيف العقوبات والدعم الاقتصادي. ومع أن هذا بعيد عن المثالي، لكنه أفضل كثيرا من مراكمة بيونجيانج للأسلحة.
وقد يرى أيضا الرئيس كيم فرصا في موقف أمريكي أكثر تراخيا. إنه يريد الأسلحة النووية حماية لكن لديه من الذكاء ما يعرف به أنها أيضا تجعل منه هدفا. ولقد كان عازما على العمل مع الرئيس ترامب وربما هو عازم في نهاية المطاف على مثل ذلك مع الرئيس بايدن.
إن غض الطرف عن دخول كوريا الشمالية النادي النووي أمر مؤلم، ولكن هذا ما نفعله جوهريا، إذ لا يفعل المسؤولون الأمريكيون ما يزيد على الكلام عن برنامج الرئيس كيم النووي غير المقبول، فيما يقوم هو بصنع القنبلة إثر القنبلة. لقد حان الوقت لتقليل خسائرنا، ومواجهة الواقع، واتخاذ خطى لتقليص خطر الحرب على شبه الجزيرة الكورية.
• جيفري لويس خبير في منع انتشار الأسلحة النووية بمعهد ميدلبري للدراسات الدولية في مونتيري. وهو أيضا مؤلف رواية تتخيل نشوب حرب نووية مع كوريا الشمالية.
** "خدمة نيويورك تايمز" ترجمة خاصة بجريدة "عمان".