جرائم إسرائيل في القدس ... هل ستتوقف؟!

25 أبريل 2022
25 أبريل 2022

في هذه الأيام المباركة، ومع اقتراب شهر رمضان من نهايته، ومع ما تمثله لياليه وخاصة العشر الأواخر منها من أهمية ومكانة دينية رفيعة لدى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، يتعرض المسجد الأقصى المبارك والحرم القدسي الشريف لهجمات واقتحامات متوالية من جانب قطعان المستوطنين والمتطرفين الصهاينة، في حراسة الشرطة الإسرائيلية، وهو ما أدى إلى صدامات مع المصلين والشبان الفلسطينيين والمعتكفين في المسجد الأقصى، على مدى أكثر من عشرة أيام مضت، والتي صادفت احتفالات اليهود بعيد الفصح، ورغبة المستوطنين والمتطرفين الإسرائيليين في ذبح قربان الفصح داخل المسجد الأقصى وتدنيسه بالدماء، وهو ما أدى إلى استنفار الفلسطينيين في القدس والأراضي المحتلة، ومن ورائهم المسلمين على امتداد العالم الإسلامي لرفض هذه الممارسات والدعوة لوقفها وتحميل الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عنها وعما يترتب عليها من نتائج.

ومن أجل فهم هذا التصعيد ودلالاته، فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب، لعل من أهمها ما يلي: أولا، انه مع الوضع في الاعتبار أن الحكومة الإسرائيلية بوجه عام وقطعان المستوطنين والمتطرفين الإسرائيليين بوجه خاص يسعون منذ سنوات عدة إلى جعل انتهاكات المسجد الأقصى والدخول المتعمد والمتكرر إلى ساحاته، ومضايقة المصلين والمعتكفين المسلمين فيه بكل السبل الممكنة، والاستعانة في ذلك بقوات الأمن الإسرائيلية المدججة بالسلاح، بمثابة ممارسة متكررة ومتزايدة من جانب المستوطنين، إلا أن الأمر هذا العام وخلال الأيام القليلة الماضية، يحمل دلالة على جانب كبير من الأهمية، وهي أن هذه الأيام تتزامن مع الذكرى التاسعة والأربعين لحرب العاشر من رمضان (السادس من أكتوبر عام 1973) من ناحية، وتسبق الذكرى الرابعة والسبعين لإنشاء دولة إسرائيل في الثاني من مايو عام 1948 بعدة أيام من ناحية ثانية.

وبقدر حرص حكومة نفتالي بينيت رئيس وزراء إسرائيل على استثمار ذكرى إعلان إنشاء إسرائيل والاحتفال بها، خاصة وأنها حكومة ضعيفة لا تستطيع السير على طريق السلام، بقدر حرصها أيضا على طمس ذكرى انتصار القوات المصرية والعرب عموما على إسرائيل عام 1973، وذلك بالعمل على إشعال التوتر والدفع نحو التصعيد في القدس والمسجد الأقصى لدغدغة مشاعر وتطلعات قطعان المستوطنين وإشغال الفلسطينيين والعرب والمسلمين جميعا بما قد ينسيهم ذكرى الانتصار على إسرائيل في عام 1973.

غير انه من سوء حظ حكومة «بينيت» أنها نسيت فيما يبدو أن شهر رمضان المبارك طالما اقترن عند العرب والمسلمين بالجهاد والاستعداد للشهادة والتضحية لحماية الأوطان والدفاع عن المقدسات الإسلامية ضد أية محاولات للاعتداء عليها أو المساس بها. ولذا كان الصدام قويا وواضحا، وكانت الاستجابة للدعوة للنفير في القدس والأقصى المبارك للتصدي لقطعان المستوطنين قوية وملموسة، رغم انشغال المسلمين بالصوم والاعتكاف والتفرغ لأداء الشعائر الرمضانية.

وبرغم كل إجراءات الحماية للمستوطنين المقتحمين لساحات المسجد الأقصى المبارك من جانب قوات الشرطة الإسرائيلية، وتصديها العنيف للفلسطينيين المدافعين عن الأقصى، ومنعها للشباب الفلسطيني من الوصول إلى المسجد وإغلاقها للشوارع المحيطة به خاصة أيام الجمعة، فإن دعوات المستوطنين ومحاولتهم ذبح القرابين داخل الأقصى بمناسبة عيد الفصح اليهودي لم تتحقق على النحو الذي كانوا يريدون، ومما له دلالة في هذا المجال أن ما يسمى بـ«جماعات الهيكل» ومن أبرزها «حركة العودة إلى جبل الهيكل» حاولت إدخال قرابين إلى ساحة المسجد الأقصى، بل ورصدت مكافأة مالية لمن يستطيع أن يذبح قربانا داخله. ورغم نجاح بعض المنتسبين إلى مسيرة حملة الأعلام الإسرائيلية في الوصول إلى ساحات المسجد الأقصى تحت حراب قوات الاحتلال، وتنفيذ اقتحامات على مدى عدة أيام متتالية، إلا أن الصدامات الشديدة والعدد الكبير من الجرحى الفلسطينيين، والهبة الكبيرة من العرب والمسلمين أكدت لإسرائيل وللعالم مرة أخرى أن من الخطر والخطورة اللجوء إلى التصعيد في القدس والمسجد الأقصى لأن الكلفة ستكون باهظة للإسرائيليين وللسلام والاستقرار ولحاضر ومستقبل المنطقة.

ثانيا: أنه إذا كانت حكومة بينيت ضعيفة بحكم تكوينها منذ بداية توليها الحكم، وأنها لا تستطيع سوى «اللعب في المكان» لعدم قدرتها على اتخاذ خطوات جادة أو حقيقية تفتح الطريق أمام مسيرة السلام مع الفلسطينيين، المتوقفة منذ ثماني سنوات تقريبا، فإن الطريق أمام بينيت، سواء لتجاوز المشكلات الداخلية، أو لزيادة تأييده بين قطعان المستوطنين، هو استهداف الفلسطينيين والمزايدة في إنكار حقوقهم الوطنية المشروعة، وذلك بإنكاره «أن الأراضي الفلسطينية أراض محتلة» وبإنكاره أن حكومته تقدم «تسهيلات للفلسطينيين» رغم أن ذلك كان أحد شروط تشكيل الائتلاف الحاكم، وكذلك حديثه عن سياسة «العصا والجزرة» مع الفلسطينيين، وهي كلها مواقف وسياسات مدانة على كل المستويات، وتعكس إفلاسا سياسيا بائسا، فإن هذه السياسات تغلق ليس فقط أفق السلام أمام الفلسطينيين، ولكنها تغلق أيضا الأمل بالنسبة لقطاع يتزايد من المثقفين الإسرائيليين في مستقبل آمن ومستقر وحياة هادئة لهم ولأبنائهم، حسبما تم خداعهم على مدى سنوات طويلة، وهو ما يدفعهم بالفعل إلى التفكير في مغادرة إسرائيل، والتحذير من مغبة السياسات التي تتبعها حكومات إسرائيل ضد الفلسطينيين. وأحدث مثال على ذلك هو ما كتبه « آري شبيت» في صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية قبل أيام حول مخاطر السياسات الحالية لإسرائيل، وهو نموذج لكتابات ودعوات متزايدة وأخذت تظهر علنا في وسائل الإعلام وبعض مراكز الأبحاث الإسرائيلية. والأكثر من ذلك انه أصبح هناك إدراك دولي متزايد للعنصرية الإسرائيلية ولمخاطر قتل فرص السلام مع الفلسطينيين في إطار حل الدولتين، والأمثلة في هذا المجال عديدة، ولا يقلل من أهميتها أن عودها لم يشتد بعد، ولكنه حتما سيشتد طالما استمرت سياسات إسرائيل وهمجيتها وانتهاكاتها للقوانين والشرعية الدولية ليس فقط في القدس والمسجد الأقصى، ولكن في الأراضي العربية المحتلة بوجه عام.

ثالثا : أنه مع التأكيد على أن جرائم وانتهاكات إسرائيل في فلسطين لا تقتصر على محاولات انتهاك ساحات المسجد الأقصى ومن ثم محاولات فرض واقع تقسيم زماني ومكاني في المسجد يريده المستوطنون والمتطرفون الإسرائيليون، وتريده الحكومة كسبا لتأييدهم، فإنه من المؤسف حقا أن ينشغل العالم بالحرب في أوكرانيا، ومن قبلها بأحداث وتطورات في المنطقة وخارجها كل هذا دفع بالقضية الفلسطينية إلى الانزواء قليلا ولأسباب معروفة وهو ما تحاول إسرائيل استثماره على مختلف المستويات.

وإذا كانت الحرب في أوكرانيا، أيا كانت نتائجها، لن تؤدي إلى تحرير فلسطين، فإن ما سيؤدي إلى تحرير فلسطين واستعادة الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني هو نضال الفلسطينيين انفسهم وبالدرجة الأولى، وبدعم الشعوب العربية والشعوب المحبة للسلام في العالم بقدر إمكانياتها وحسب ظروف كل منها، لأن الحكومات كثيرا ما تكون لها حسابات أخرى.

وعلى ذلك فإنه لم يكن غريبا أن تنحصر ردود الفعل العربية والإسلامية وبعض ردود الفعل الدولية في التنديد والشجب والإدانة للممارسات الإسرائيلية، وهو أمر لم تعد إسرائيل تعيره اهتماما. ومع التقدير لكل الاجتماعات العربية الوزارية والبرلمانية ولمناقشات مجلس الأمن وغيره من الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية، فإن الدعوة إلى «التهدئة الشاملة في فلسطين بوجه عام وفي القدس والأقصى الشريف بوجه خاص» لن تستمع إليها إسرائيل خاصة في ظل ظروف سيطرة اليمين الإسرائيلي المتشدد على حكوماتها على مدى السنوات الأخيرة، كما أن مناشدة المجتمع الدولي للتدخل وفرض حماية دولية للفلسطينيين في القدس لن تتحقق للأسف لاعتبارات عديدة ومعروفة بحكم طبيعة العلاقات بين إسرائيل ومختلف القوى الدولية الفاعلة في عالم اليوم.

ولكن ذلك لا ينبغي أن يسلمنا إلى الإحباط ولا إلى التسليم بمطامع إسرائيل وغض النظر عن انتهاكاتها وجرائمها المستمرة في فلسطين، والبديل أو السبيل الأكثر جدوى وفاعلية لوقف الجرائم الإسرائيلية وإنهاء الاحتلال هو في يد الفلسطينيين انفسهم في المقام الأول، وكانت مقالة « آري شبيت» في « هاآرتس» السابق الإشارة إليها بالغة الدلالة عندما قال: « إننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ» ولكن هذا الشعب الشقيق يحتاج إلى استجماع كل قواه واستعادة وحدته الوطنية وحشد طاقاته على طريق إنهاء الاحتلال، وهذه مسؤولية القيادات الفلسطينية في غزة والضفة الغربية في المقام الأول، فلا العرب ولا المجتمع الدولي سيحارب نيابة عن الفلسطينيين ولكن الدعم العربي والدولي يمكن أن يبرز ويتصاعد كمساندة للجهود الفلسطينية أولا، فهل يمكن أن تتحرك القيادات الفلسطينية في هذا الاتجاه وبشكل حقيقي وفعّال، صحيح انه لا يمكنهم الاستغناء عن مساعدات ودعم الأشقاء العرب ولكن الصحيح أيضا هو أن عليهم ألا يقدموا للأشقاء مبررات التقاعس عن مساعدتهم، بغض النظر عن النوايا. وبدون ذلك ستواصل إسرائيل غيّها وانتهاكاتها برغم كل الإدانات عربية وإقليمية ودولية.

د. عبدالحميد الموافي كاتب وصحفي مصري