توقعات التركيبة السكانية العُمانية حتى 2040
أغلب الدول أصبحت تعاني من التغيير في التركيبة السكانية لأفراد مجتمعاتها الذي أدى بدوره إلى التباين في المستوى الاقتصادي والاجتماعي وفي نمط الحياة وأسلوب العيش، أيضا تتأثر التركيبة السكانية نتيجة هجرات الأفراد سواء الداخلية في حدود الدولة أو الهجرات الخارجية من دولة إلى أخرى، لهذا فإن التركيبة السكانية من حيث معدلات المواليد والوفيات على المستوى الخليجي تأثرت بالثورة النفطية والانفتاح الاقتصادي في حركة التنقل للعمل أو للإقامة، وبالتالي، عملت على إحداث خلل في الشكل الديموغرافي للسكان في دول الخليج العربية. على المستوى الوطني، تكمن الحاجة إلى معرفة نمط التركيبة الديموغرافية للنمو السكاني لمساعدة متخذي القرار في توجيه بوصلة السياسات السكانية وأيضا في معرفة خصائص السكان وجنسياته وتأثير ذلك على ثقافة المجتمع وهويته الوطنية. التركيبة السكانية هي الشكل الذي يكون عليه المجتمع من حيث التنوع الذي يحدث في خصائصه الديموغرافية خلال مدة زمنية معينة، وبالتالي، تلك الخصائص السكانية قد تتوافق أو تختلف بين الدول نظرًا للتغيير المستمر في ثقافة الأجيال الحالية ونظرتها لتكوين -الأسرة ذات العدد الصغير- مما قد يؤدي إلى انخفاض معدل الإنجاب وزيادة متوسط العمر مع ارتفاع سن الشيخوخة الذي تعاني منه دول كثيرة، ومنها، المملكة المتحدة واليابان والصين.قيام المركز الوطني للإحصاء والمعلومات بعمل تنبؤات أو تقديرات للحالة السكانية أو الديموغرافية التي تعرف بالإسقاطات السكانية حتى عام (2040) خطوة تستشرف المستقبل لمعرفة مسارات النمو السكاني، كما أن هذه الإسقاطات السكانية مهمة في تحليل خصائص التوجهات السكانية وهل هي متقاربة خلال الفترات الزمنية. لتنفيذ ذلك قام المركز الوطني بتصميم ثلاثة سيناريوهات هي: زيادة مرتفعة، زيادة متوسطة، زيادة منخفضة لنمو التركيبة السكانية، وسوف نأخذ سيناريو الزيادة السكانية المنخفضة نظرا لتوافقها مع الانخفاض التدريجي في عدد المواليد من الأطفال خلال المدة من (2023) مقارنة بالعام السابق. حيث تشير التوقعات إلى أن سكان سلطنة عمان سيبلغون ثمانية ملايين نسمة بحلول العام (2040) مبنيا أيضا على الارتفاع السنوي المتوقع في أعداد الوافدين.التوقعات المستقبلية تشير إلى زيادة منخفضة في عدد السكان من العمانيين بنسبة 8% على أساس أن (معدل الإنجاب 2.8 طفل لكل امرأة) في الفئة العمرية (من 0 إلى 14 سنة) وقد يكون من أسباب انخفاض معدل الخصوبة لدى أفراد المجتمع هو استمرار زيادة أعداد غير المتزوجين من العُمانيين مع التأخير في سن الزواج. ولعل التوجهات السامية بإنشاء صناديق للزواج في المحافظات سوف تساعد تلك الصناديق في زيادة معدل الإنجاب بين أفراد المجتمع، كما أن هناك ارتفاعا بنسبة (5%) في عدد العُمانيين في الفئة العمرية (من 15 إلى 59 سنة)، هذا الارتفاع يحتاج على سياسات اقتصادية رصينة تعمل على امتصاص الأعداد المتزايدة من خريجي مؤسسات التعليم بأنواعها المختلفة والتي سوف تعمل ضغطا على أعداد الباحثين عن العمل. بالنسبة للفئة العمرية (60 سنة فأكثر) يتوقع أن يكون هناك ارتفاع بنسبة 3%، وهذا الارتفاع يحتاج إلى التخطيط المستقبلي نحو توفير الخدمات التي يحتاجها كبار السن ومنها دور الرعاية الصحية في جميع المحافظات.بالنسبة للسكان الوافدين، فالتوقعات تشير إلى أنهم سوف يشكلون نسبة (50%) من إجمالي عدد السكان بحلول عام (2040) ليصل عددهم إلى أربعة ملايين نسمة يمثل الذكور منهم نسبة (78%) مقارنة بالإناث، هذه النسبة غير المتوافقة بين الجنسين تعطي دلالات كثيرة، منها بأن الهجرة لسلطنة عُمان ليست للاستقرار العائلي أو الإقامة الدائمة وإنما أغلبها للعمل وبالتالي، طالما أن غالبيتهم من الذكور فمعطيات مساهمتها في القوة الشرائية والاستثمار قد تكون محدودة، كما أن هناك خللًا في عدم التوازن السكاني في ثلاث محافظات هي: مسقط وظفار ومسندم، بحيث يتوقع زيادة أعدد الوافدين عن العُمانيين على سبيل المثال، في محافظة مسقط تصل النسبة إلى (69%)، كما يتضح أن غالبية الوافدين هم من قارة آسيا وبالتالي، لا يوجد تنوع ثقافي متباين بينهم، وبالتالي، هذا السيناريو لزيادة أعداد الوافدين عن العُمانيين وتمركزهم في تلك المحافظات الثلاث يمثل تحديا في نمط الحياة والعيش وأيضا تأثير ذلك على الهوية الوطنية، في المقابل فإن التوقعات للزيادة السكانية للوافدين في بقية المحافظات قد تكون متوازنة هيكليا بين العُمانيين والوافدين مع زيادة أعداد العُمانيين الذين يمثلون الشريحة للأعلى لنمو عدد السكان بتلك المحافظات.
لا يلقى اللوم كله على السياسات الحكومية التي تهدف لتسريع النمو في القطاعات الاقتصادية المتمثلة في منح الموافقات للحصول على القوى العاملة غير العُمانية، ولكن أيضا ثقافة المجتمع لها الدور الأكبر من حيث إن تلك الموافقات التي تعطى لاستقدام القوى العاملة غير العُمانية يجب أن تكون أهدافها اقتصادية تلتزم بالعمل المرخص لها ولا تُترَك تتجول في المناطق والأحياء السكنية. الملاحظ أن كثيرا منها قوى عاملة سائبة تؤثر في زيادة الأعباء على الجهات المختصة في تتبع تلك القوى العاملة للتأكد من تقيدها بأنظمة العمل وبأن وجودها في البلد ذو صبغة قانونية، حيث إن تلك القوى العاملة السائبة بالإضافة إلى ما تمثله من الآثار السلبية على النسيج الاجتماعي، فإنها لا تؤثر في القوة الشرائية لأنه ليس لها وظيفة ثابتة تعمل بها، ولعل نظام حماية الأجور الذي تم تحديثه من الممكن أن يُسهم في الحد من التجارة المستترة التي أصبحت تؤرق الجميع.بيان مجلس الوزراء الأخير حول تحديات التركيبة السكانية ينبغي أن تبنى عليها سيناريوهات تعمل على إعادة التوازن في أعداد السكان بين العُمانيين والوافدين، حيث إن الوصول إلى ثمانية ملايين نسمة أساسه الزيادة المتوقعة لأعداد الوافدين بنسبة (50%) من إجمالي عدد سكان سلطنة عُمان بحلول عام (2040) وليس زيادة مطردة في أعداد العُمانيين، وبالتالي، الخطط الخمسية القادمة بداية من الخطة الخمسية الحادية عشرة ينبغي أن يتم من خلالها عمل مختبرات للخروج بحلول جذرية لتخفيض تلك النسبة تدريجيا، أيضًا العمل على إيجاد استراتيجيات تخطيطية -قصيرة، متوسطة، بعيدة المدى- لكل الجهات الحكومية للحد من هجرة القوى العاملة الوافدة إلى الدولة، نظرًا لتأثير ذلك على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وأيضًا المحافظة على الهوية والثقافة العُمانية لتكون هي السائدة في جميع محافظات سلطنة عُمان.