تطبيع وشرعنة الاغتيالات السياسية

14 أكتوبر 2024
14 أكتوبر 2024

ترجمة: أحمد بن عبدالله الكلباني -

حينما اغتالت القوات الإسرائيلية زعيم حزب الله، حسن نصر الله، بينما كان في مخبئٍ تحت الأرض في العاصمة اللبنانية بيروت، وذلك في 27 سبتمبر 2024، تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بكل تباهٍ عن مسؤولية قواته عن عملية القتل تلك، وقال: "نصر الله لم يكن إرهابيًا، بل هو الإرهاب بعينه".

وفي نبرة تحدٍّ من البيت الأبيض، تحدث جو بايدن في رسالة رسمية، ووصف عملية الاغتيال بأنها أتت ضمن "إجراءات تحقيق العدالة، فقد كان الكثيرون ضحايا لحسن نصر الله"، وفي بيان صدر في ذات الفترة عن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية جاء أن مقتل حسن نصر الله "خير ختام".

نفذت إسرائيل تلك العملية متباهية، وافتخرت أمريكا، متناسيتين أن من مات مع حسن نصر الله حوالي 300 من المدنيين الذين لم تأسف عليهم لا إسرائيل ولا الولايات المتحدة الأمريكية، وربما اعتبر الاثنان أن عدد الضحايا ليسوا إلا "أضرارًا جانبية"، ما يعتبرونه أمرًا مقبولًا.

وفي الوقت الذي أدانت فيه الكثير من دول العالم تصاعد العنف، لم تكن هناك إدانة لاغتيال حسن نصر الله، ولم يُثَرْ حول ذلك الكثير من ردود الفعل، باستثناء أنصار حزب الله، بينما التزمت كثير من الدول الصمت، أو أعربت عن تقبلها لمقتل حسن نصر الله، ووصفت بعض الدول مقتله بأنه عادل.

واقعيًا، من الواضح أن اغتيال حسن نصر الله قد جعل الكثير من دول العالم الغربي تشعر بالارتياح من عمليات الاستهداف المباشرة التي تقوم بها إسرائيل، حتى أن عملية الاغتيال "الوقحة" لم تُثِرْ إدانات ذات مغزى.

إن عملية الاغتيال المستهدفة، أو ما يسمى "عملية القتل المستهدفة"، تُعتبر لدى إسرائيل منهجًا رسميًا، انتهجته في بداية القرن الحادي والعشرين، على اعتبار أن ذلك جزء من جهودها في مواجهة "انتفاضة الأقصى". وحتى يوليو من عام 2001، لم تكن أمريكا تعتبر استهداف المسلحين الفلسطينيين يرتقي لأن يسمى "اغتيالًا"، واتفق مع ذلك القيادات الإسرائيلية، إذ اعتبروا تلك العمليات ليست سوى "عمليات قتل خارج نطاق القضاء".

ورغم ذلك، لم تتراجع إسرائيل عن موقفها، بل إن الحكومة الإسرائيلية سجلت اعترافًا بأنها تنوي شرعنة عمليات القتل، إذ أطلقت حملة تريد من خلالها إعادة صياغة القانون الدولي ليكون في صالحها، وقال أحد المسؤولين الكبار حول هذه الحملة: "إذا نجحت إسرائيل في تغيير القانون الدولي، فسوف تكون عمليات الاغتيال التي تقوم بها مقبولة على المستوى العالمي".

بالعودة إلى عام 1976، نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية قد حظرت الاغتيالات السياسية، وذلك بعد تحقيق قام به الكونجرس الأمريكي. ولكن بعد ذلك، وفي بداية الثمانينيات من القرن العشرين، بدت تظهر بعض الحجج القانونية التي تسمح باستهداف ما تسميه أمريكا بـ"الإرهابيين"، بغض النظر عن حظرها لعمليات الاغتيال. وفي أحداث 11 سبتمبر، تغير موقفها مرة أخرى، حيث اعتبرت إدارة بوش أن القتل المستهدف عنصر مهم في استراتيجياتها العسكرية ضد الإرهاب.

وفي عام 2002، نجحت أمريكا في تنفيذ أول ضربة بطائرة بدون طيار استهدفت موقعًا في اليمن تُعتبر منطقة عداء، اغتالت فيه أحد قادة الهجوم على المدمرة البحرية الأمريكية "يو إس إس كول" وهو سليم سنان الحارثي، وقتل معه مرافقه الأمريكي الذي كان يسافر معه.

وحينها لم تنشر الولايات المتحدة أنها عملية اغتيال، بل أشارت إلى العملية بطريقة غير مباشرة، كما رفض الخبراء الأمريكيون اتهام بلادهم وانتقادها حول عملية الاغتيال، لتتوسع بعد ذلك في العمليات المشابهة، أي عمليات القتل المستهدف. وازدادت العمليات مع إدارة أوباما في فترته الأولى، مستعملة في غالب الأحيان الطائرات بدون طيار، ومن الأمور الأكثر أهمية في تلك الفترة أن حكومة أمريكا في عهد أوباما اتخذت نهجًا صريحًا في محاولة تبرير ضرباتها بالطائرات بدون طيار بموجب القانون الدولي.

وعلى الصعيد السياسي والصعيد الاستراتيجي، فقد وصف أعضاء الإدارة الأمريكية عمليات القتل المستهدف بأنها "عمليات جراحية"، معتبرين أنها أفضل شكل من أشكال الحروب مقارنة بالحروب التقليدية.

وفي محاولة لشرعنة تلك العمليات قانونيًا، طورت الحكومات المتعاقبة للولايات المتحدة مفهومها الواسع حول الدفاع عن النفس، وحماية نفسها من المخاطر المحدقة، حتى أنها زعمت -ولو بشكل جزئي- بقدرتها على ضرب الإرهابيين ولو لم يشكلوا لها تهديدًا مباشرًا. وفي كثير من الأحيان، كانت الولايات المتحدة قد قاست الأمر على ما تفعله إسرائيل من ناحية حججها التي تزعم أنها قانونية.

وفعلاً، قامت الولايات المتحدة باستخدام تلك الحجج المشكوك في أمرها أساسًا، إضافة إلى استخدام قوانين النزاع المسلح وقانون حقوق الإنسان، لمنح نفسها الضوء الأخضر، ولمنح حلفائها كذلك لاستهداف من تصفهم بالإرهابيين في كل دول العالم.

ومما يُذكر هنا استخدام ترامب لتلك الحجج عندما تم اغتيال القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في يناير من عام 2020، وذلك لتبرير اغتياله، وأنه، أي سليماني، كان بمثابة تهديد لأمن المنطقة، وفق ما قالته ادعاءات تتعلق بالدفاع، ولكن سرعان ما تم إسقاط تلك الادعاءات، حيث كانت العملية بمثابة انتقام وليس دفاعًا عن النفس.

وعلى غرار حسن نصر الله، لم تُثِرْ عملية اغتيال سليماني في تلك الفترة سوى قليل من الإدانات الدولية، والغريب أن بيانًا مشتركًا صدر بعد اغتيال سليماني من حكومات بريطانيا وفرنسا وألمانيا أدان دور إيران في تصعيد العنف بالمنطقة، ولم يُشِر البيان إلى مقتل سليماني.

وهذه النظرة استمرت إلى عام 2021، حيث برر جو بايدن بشكل جزئي انسحابه من أفغانستان، مؤكدًا أن الولايات المتحدة ستتدخل إذا ما استدعى الأمر، وهذا ما يبرر إشادة استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة بمقتل زعيم التنظيم أيمن الظواهري في كابول في يوليو 2022، واعتبروا ذلك دليلاً على صحة استراتيجية الولايات المتحدة.

في هذه المرحلة، توقفت الحكومة الأمريكية عن تقديم مبررات قانونية "معقدة"، واكتفت بالقول إن "العدالة قد تحققت". هذا هو نفس الخطاب الذي استخدمه باراك أوباما في خطابه الذي أعلن فيه عن مقتل العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر، أسامة بن لادن، حيث صرّح بأن "العدالة تحققت".

ورغم أن اغتيالي بن لادن والظواهري كانا مثيرين للجدل من الناحية القانونية، إلا أن الولايات المتحدة لم تشعر بالحاجة إلى تقديم تبريرات قانونية بموجب القانون الدولي لأي منهما.

كما يظهر في اغتيال حسن نصر الله، فإن جهود الشرعنة التي بذلتها كل من إسرائيل والولايات المتحدة قد أثمرت في جعل الاغتيالات أمراً طبيعياً إلى درجة أن الاعتراف بها لم يعد يتطلب مبررات قانونية كما في السابق. عوضاً عن ذلك، أصبح الحديث يقتصر على "تحقيق العدالة".

من الجيد الإشارة إلى أن هناك ديناميكيتان رئيسيتان ساهمتا في "تطبيع" الاغتيالات وعمليات القتل المستهدف، أولاً، تزايد عدد هذه العمليات، ففي سياق سياساتها الخارجية "السرية"، باتت بعض الدول تلجأ بشكل منتظم إلى الاغتيالات والقتل المستهدف، وتقدمها على أنها عمليات "جراحية" وخيارات استراتيجية أفضل مقارنةً بالهجمات البرية والقصف الجوي الواسع (مع أن تلك العمليات ما زالت تحدث إلى جانب "الاغتيالات المستهدفة").

أما ثانياً، فقد تصدرت عدة دول – وعلى رأسها إسرائيل والولايات المتحدة – الجهود التي تسعى إلى تبرير سلوكها باعتباره متوافقاً مع القانون الدولي، والنتيجة المدمرة لهذه العملية هي أن الضربة يمكن الآن أن تُعلن بشكل صريح على أنها "اغتيال"، دون الحاجة لتقديمها كـ "عملية جراحية" أو بديل للحرب البرية، مع القليل من الخوف من التبعات الدولية.

• لوكا ترينتا أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سوانسي

• إيميل أرشامبولت من كلية الحكومة والشؤون الدولية بجامعة دورهام

• صوفي دوروي محاضرة القانون بجامعة أسيكس

** عن آسيا تايمز