تحولات فكرية في المنطقة الخليجية غير بريئة

01 ديسمبر 2021
01 ديسمبر 2021

تجتاح الدول الخليجية الست، مع التفاوت الكبير، ما يمكن تسميتها بحروب فكرية وثقافية، منها متجددة – أي قديمة/ جديدة، ومنها حديثة، وهذه الأخيرة هي الأخطر تاريخيا، وقد أصبح للمتجدد والحديث دول وجهات أجنبية – حسب متابعاتي - تضخ الأموال لدعم نجاحاتها في التأسيس والترسيخ والعبور، بعد ما ضمنت الغطاء السياسي لها، ولها أهداف بعيدة المدى، وذات طابع سياسي استراتيجي، غير منكورة – أي الأهداف - لأنها لم تعد سرية، ومعلنة من قبل فاعلين كبار ينتمون لها، ويبدو أنها قد وصلت إلى غرور القوة، أو القوة المغرورة، وإلا، فكيف نفسر الكشف عن أهدافها الاستراتيجية في المنطقة الخليجية في وضح النهار، وهذا يعني أنها قد تجاوزت مرحلة الظلامية، وتخرج الآن الى النور ليس في الأقوال فقط، وإنما الأفعال كذلك.

نبرز أهم هذه التحولات الفكرية، وانتقالها الى مرحلة التطبيق لتأسيس بنيات تحتية دائمة في النقاط التالية:

موجة التشكيك في الثوابت الفكرية الخليجية.

النيوليبرالية السياسية التي تستهدف انعتاق الدولة – بالمفهوم المجرد – من بعدها الاجتماعي.

إقامة رابطة المجتمعات اليهودية في منطقة الخليج العربي، وفي إحدى دولها في فبراير2021.

إطلاق مؤخرا موقع العازبين اليهود في منطقة الخليج.

سنحلل هذه الأفكار وتلكم البنيات التحتية، وكيف يهدف منها الى صناعة استدامة وجودية فكرية ومؤسساتية دخيلة على المجتمعات الخليجية في مقال مقبل، فقد ارتأيت التركيز في هذا المقال على الإشكالية المزدوجة التي تعاني منها الدول الست على المستويين الفردي والجماعي، وهي تتجلي في الاتي:

الإشكالية الأولى: عدم وجود كيانات رسمية متخصصة تراقب وترصد ما يطرأ من تحولات فوق المشهد الخليجي الفكري والثقافي، وتحليل حركات فاعليه القدامى والجدد، ووسائلهم وأدواتهم، وإنتاجات أفعالهم المثيرة للجدل، ومن ثم تعمل على مواجهتها بالحلول السياسية والاقتصادية والتشريعية في وقتها المناسب.

الإشكالية الثانية، نجاح التحولات الفكرية حتى الآن في تأسيس بنيات دائمة لديمومة أجندتها الوجودية في الخليج، وهنا تظهر لنا العلاقة السببية بين الفراغ المؤسسي – الفردي والجماعي – بين النتيجة المترتبة عليه.

ووفق ما هو حاصل الآن داخل بعض هذه المجتمعات من تحولات فكرية كبرى، فإن مؤشراتها تشير الى أن الحروب الفكرية والثقافية ستعم كامل المنطقة الخليجية، وهنا لا أبالغ أو أضخم الأمور، بل هي نتيجة طبيعية للتطورات الراهنة في الخليج اذا ما تركت دون إدارتها، والتحكم في تأثيراتها، وبالذات الآن، ولماذا هذه الآنية؟ لأن منطقة الخليج العربية تمر بمرحلة استثنائية أبوابها الأربعة مفتوحة على مصاريعها الآن، وما سيحدث في أجزاء منها، سينتقل الى كل الأجزاء أما بالتبعية التلقائية، أو بالاستهداف المباشر.

من هنا، فإن هنا مجموعة تساؤلات افتراضية ينبغي أن تطرح محليا الآن، أهمها:

هل لدى مؤسسات الدولة المختصة تصورات بنائية أو تعزيزية لقوة المجتمع في عصر الضرائب والرسوم ورفع الدعم الاجتماعي التقليدي؟ إذا كانت الإجابة سلبية، فإننا ينبغي أن ننتقل الى التساؤل التالي:

الى أي مدى لدينا الاطمئنان بقدرة المجتمع في عصر الضرائب والرسوم على مواجهة مرحلة عبور الحروب الفكرية والثقافية لضمانة عدم تأثر داخلنا بها، أو جعله – أي التأثير عابرا أو محدودا؟

هل تشريعاتنا الراهنة كافية لتحصين المنظومة الفكرية والثقافية العمانية من الحروب الفكرية العابرة للحدود، أم ينبغي الاستعجال في تحديثها؟ وهذا التساؤل يفرض تساؤلا آخر، وهو:

هل بالتشريعات لوحدها كافية لبقاء مجتمعنا متحدا في فكره، ومتعايشا في تنوعه وتعدده.. كما كان طوال العقود السابقة رغم الحروب الفكرية التي شهدتها المنطقة؟ لا أنكر تأثيرها، لكنها كانت محدودة، وانتهت تنظيميا بانتهاء أسباب نشأتها، وما ترسخ منها، وهو محدود، ومن حقبة حروب الأفكار العالمية في الستينيات، وقد تم إدارته في السبعينيات بصورة ذكية، أي عدم تركه يتشكل، ويشكل ذاتية في أية آجال زمنية.

وتلكم تساؤلات نطرحها لدواعي تحريك الذهنية السياسية بالمخاطر المتعددة الناجمة عن الحروب الفكرية في المنطقة، ولابد من طرحها الآن، لعامل الوقت، وحتميات الإدارة السياسية لها قبل أن تصل لداخل الحدود، كما تكمن أهمية تلكم التساؤلات في إسقاطها على واقعنا الراهن، لكي تكون لدينا رؤية واضحة بما هو واقع، وما ينبغي أن يكون عليه هذا الواقع، وذلك بعد معرفة مختلف التحديات الكبرى التي ستواجه بلادنا عامة، ومجتمعنا خاصة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وهذا الأخير ببعديه الإقليمي والدولي.

ولا يمكن التقليل مما يحدث في بعض وسائل التواصل الاجتماعي والمنتديات الالكترونية من أفكار غريبة، كالإلحاد مثلا، فقد تتسع، وقد تتقاطع مع القادم الأخطر، ويشكل غياب الإدارة الوطنية للمرحلة الراهنة بإكراهاتها، قضية في حد ذاتها، فلا يعقل أن تنصب الاهتمامات على قضايا مالية واقتصادية رغم أهميتها، وتشكيل لها مؤسسات ولجان، وتترك القضايا الاجتماعية بمحتوياتها الفكرية والثقافية تتشكل بمعزل عن السيطرة والأجندات الوطنية.

لذلك، ندعو الى تشكيل إدارة متخصصة تضم كل الحقوق السياسية والأيديولوجية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والدبلوماسية، بأية مستويات هيكلية، وتكون مرتبطة بالمؤسسة السلطانية مباشرة، فهي مهمة وعاجلة لا تقل شأنا عن الإدارة المالية والاقتصادية لمواجهة الأزمة المالية، ومعضلة المديونية بل، ومن موقع انشغالاتي الجغرافية، ومتابعاتي للشأنين الداخلي والخارجي المعاصر، أرى حتمياتها تعلو عن غيرها الآن بالذات، للأسباب التالية:

الانفتاح اللامحدود للدولة والمجتمع على محيطنا الخليجي، محطمين كل القيود السابقة المبررة وغير المبررة، المعلنة وغير المعلنة، ممن يسهل عبور الحروب الفكرية للجغرافيا والديموغرافيا العمانية، سواء من ناحية السياسة أو الاقتصاد.. الخ.

مستقبل تحول الجغرافيا الخليجية في مفاصل أساسية فيها حتى الآن على الأقل، الى مراكز تصديرية لهذه الحروب – سنثبت ذلك بالتحليل في المقال المقبل دون ذكر الأسماء.

إضعاف المقدرة المالية للمجتمع بسبب السياسات المالية، وانفتاح بلادنا على الاستثمارات الخليجية لحاجة البلاد الاستراتيجية لها، لنجاح رؤية عمان 2040.

تغلغل الكيان الإسرائيلي في المنطقة الخليجية بأجندات سياسية وايديولوجية من أجل الاستدامة.

الدور الهندي الجديد الموازي للدور الإسرائيلي في الخليج، وآفاقه السياسية المقبلة.

ستكون هذه الإدارة المتخصصة المقترحة، والقريبة من صانع القرار، مسؤولة عن الملف الاجتماعي بكل تحدياته الداخلية والخارجية، وبالتالي، فهي ستتولى على الإجابة على التساؤلات السالفة الذكر، وستكون مسؤوليتها تاريخية، لأنها ستدير القوة الناعمة العمانية، وبما أنها قوة ناعمة، توازي القوة الخشنة، لا ينبغي أن تترك للنتائج التلقائية غير المنضبطة، أو حتى للنتائج الإيجابية غير المخطط لها، فكيف اذا ما علمنا أن هناك تداعيات اجتماعية بنيوية من جراء السياسات المالية الجديدة؟ والعلم كذلك، أن هذه التداعيات قد تشكل بيئات للاختراقات القديمة /الجديدة، والحديثة، وكيف اذا ما علمنا أن الفاعلين الأجانب الجدد في الخليج قد بدأوا يؤسسون بنية تحتية مستدامة في بعض الدول الخليجية للإقامة الدائمة لتحقيق أجنداتهم بعيدة المدى.. المقال المقبل سنضع الكثير من النقاط على هذه الحروف رغم وضوحها دون تنقيط.