بايدن يحرز انتصارا دبلوماسيا مُهِمَّا مع الصين

23 نوفمبر 2022
23 نوفمبر 2022
Loading the Elevenlabs Text to Speech AudioNative Player...

ترجمة : قاسم مكي -

بعد لقائه الرئيس الصيني شي جين بينج الأسبوع الماضي في قمة مجموعة العشرين في بالي بإندونيسيا قال الرئيس بايدن «أنا مؤمن تماما بعدم الحاجة إلى حرب باردة جديدة».

أخشى أن الأوان قد فات. الحرب الباردة عمليا موجودة. فالولايات المتحدة والصين، وهما أكبر قوتين عسكريتين واقتصاديتين في العالم، تعتبر كل منهما الأخرى المهدد الرئيسي لأمنها. والتوترات بينهما تتصاعد في بؤر الاشتعال مثل بحر الصين الجنوبي. والنزاعات حول الممارسات التجارية غير المنصفة من جانب الصين وانتهاكاتها لحقوق الإنسان وتعاملها مع الجائحة فاقمت العداوات.

قبل عقد فقط كان عدد الأمريكيين الذين لديهم نظرة إيجابية تجاه الصين أكبر قليلا من أولئك الذين لا يرونها كذلك. واليوم حسب مركز «بيو» للأبحاث لدى 82% منهم نظرة سلبية للصين مقابل 16% فقط يخالفونهم في ذلك. في الأثناء 60% من الصينيين الذين شاركوا في استطلاع أجراه المعهد الأوروبي للدراسات الصينية عبروا عن نظرة سلبية تجاه الولايات المتحدة.

لقد اختفت منذ أمد مديد الآمال التي صاحبت انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001. كان ذلك حدثا رحب به الرئيس الأمريكي بيل كلينتون معتبرا إياه « أهم فرصة لنا لإيجاد تحول إيجابي في الصين منذ أعوام السبعينات»، واليوم بعد أن عزز الرئيس شي نفوذه بقدر أكبر قياسا بأي حاكم صيني آخر منذ «ماو» يبدو مثل هذا الحديث بالغ السذاجة. فبايدن يتحدث الآن عن «التنافس المفرط» مع الصين. والمخاوف تتصاعد من نشوب حرب أمريكية صينية.

ربما الحرب الباردة بدأت سلفا. لكن ليس بالضرورة أن تقود إلى حرب ساخنة. وليس قدرا مقدورا أن نسقط في «مصيدة ثوسيديديز».

هذا المصطلح (مصيدة ثوسيديديز) أشاعه جراهام آليسون الأستاذ بجامعة هارفارد ويعود في أصله إلى الملاحظة الشهيرة للكاتب الإغريقي ثوسيديدز بأن «صعود أثينا والخوف الذي غرسه هذا الصعود في إسبرطة هو ما جعل الحرب بينهما حتمية».

رصد آليسون خلال آخر خمسة قرون «16 حالة قوَّض فيها صعودُ دولة كبرى وضعَ دولة مهيمنة» ووجد أن «التنافس بين الدولتين في 12 حالة قاد إلى الحرب». لكن من المهم أن أربعة من هذه الحالات لم ينته بها المطاف إلى الحرب بما في ذلك تلك التي حدثت في العصر النووي، أي التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.

هدفنا اليوم يجب أن يكون إدارة الحرب الباردة الجديدة على النحو الذي أدرنا به الحرب الباردة القديمة وذلك ببذل الجهد من أجل الوفاق والسعي لتجنب المواجهات البالغة الخطورة من شاكلة أزمة الصواريخ الكوبية (في عام 1961).

استراتيجية بايدن للأمن القومي واضحة بشأن وجوب منافسة الصين وأيضا التعاون معها في مجالات الاهتمام المشترك مثل احترار الكوكب و«كوفيد-19».

لكن قول ذلك أسهل من الفعل عندما تحتدم مشاعر العداء للصين في الولايات المتحدة ويتنافس الحزبان (الديمقراطي والجمهوري) حول أيهما سيكون الأكثر تشددا تجاهها.

ففي أوساط الجمهوريين أصحابِ شعار «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» كثيرا ما يتحول تقريع الصين إلى موقف عنصري. في الأسبوع الماضي على سبيل المثال أشار دانييل مكارثي وهو مرشح جمهوري سابق لمجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية آريزونا إلى حقيقة أن كيمبرلي لي مسؤولة الخزانة في الولاية وهي أمريكية من أصول صينية كانت الفائز الوحيد من بين مرشحي الحزب الجمهوري في ذلك المنصب الولائي كدليل على أن «الصين تسيطر على انتخاباتنا».

ولسوء الحظ أن الرئيس السابق دونالد ترامب الذي أطلق على «كوفيد-19» اسم «إنفلونزا كونغ» وسخر من إيلين تشاو وزيرة النقل في حكومته نفسها هو الذي يشيع هذه النزعات العنصرية غير المقبولة. وسيغذَّي التحقيق المنتظر من مجلس النواب في قضية هنتر بايدن (ابن الرئيس جو بايدن) مثل هذه الميول بمحاولة تصوير آل بايدن كعملاء لبيجينج وذلك تماما على نحو ما حدث في أربعينات وخمسينات القرن الماضي عندما حاول جمهوريون عديدون تصوير مسؤولين ديمقراطيين في الحكومة كعملاء للكرملين (وَصَفَ ريتشارد نيكسون وزير الخارجية وقتها «دين آتشيسون بـ«العميد» الأحمر لكلية سياسة الاحتواء الجبان). وأدى خوف الرئيسين جون كيندي وليندون جونسون من مهاجمتهما على خسارة فيتنام الجنوبية على نحو «خسارة» الرئيس هاري ترومان المفترضة للصين إلى تعزيز التدخل الأمريكي الفاشل في فيتنام. ويجب أن يشكل ذلك تحذيرا من انفلات مشاعر الخوف المرضي من الشيوعية.

لدينا أسباب مشروعة لِكُرْه النظامِ في الصين والخشية من طموحاته في الهيمنة على شرق آسيا. لكن يمكننا أيضا العمل معه.

وما كان له دلالة في بالي أن بايدن وشي «أكدا على معارضتهما استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا». أيضا وافقت الصين على بيان قمة العشرين الذي نوَّه إلى أن «معظم الأعضاء يدينون بشدة الحرب في أوكرانيا». تلك انتصارات دبلوماسية كبرى تزيد من عزلة روسيا. بالطبع بايدن وشي لا يتفقان حول معظم القضايا الأخرى. لكن ذلك مدعاة إلى المزيد من الدبلوماسية الواضحة والحصيفة وليس إلى تقليلها.

في حديث لي معه قال رايان هاس الخبير في شؤون الصيني بمعهد بروكنجز «من قِصَر النظر اليوم افتراض أن السياسة الأكثر تشددا تجاه الصين ستدفعها إلى وضعِ اعتبار لتفضيلاتنا مثلما كان الافتراض في الماضي بأن المزيد من التجارة مع الصين سيعجل بتحولها إلى الديمقراطية». وأضاف «إذا لم تستطع الولايات المتحدة إخضاع كوبا لإرادتها فيجب ألا تتوقع أن يكون بمقدورها فرض إرادتها على الصين. لا يوجد بديل للدبلوماسية في إدارة العلاقة بين البلدين». ذلك ما كان بايدن يفعله في بالي. إنه يستحق الثناء لسعيه إلى الحد من خطر تصاعد المواجهة الأمريكية الصينية بدلا من انتقاده على ما أسماه توم كوتون عضو مجلس الشيوخ الجمهوري عن ولاية اركنساس «سياسة الترضية».

ماكس بوت - زميل أول دراسات الأمن القومي بمجلس الشؤون الخارجية وكاتب رأي في صحيفة واشنطن بوست.

ترجمة خاصة لـ«$»