المسؤوليات الوطنية «الجديدة» للمحافظين
منحت مؤخرا صلاحيات جديدة للمحافظين تعزز الرهانات الوطنية لنظام المحافظات في ظرفية تلح بممارسة كامل الصلاحيات، والآنية منها على وجه الخصوص، بهدف ملامسة نتائجها على صعيد الواقع، حتى يحس المجتمع بقيمة الإصلاحات والتحولات الجديدة في البلاد، والتوجيه السامي الأخير للمحافظين بشأن الحوار المنتظم مع الشباب، يعطي لقضية الشباب بعدًا إقليميًا متلازمًا لبعدها الوطني، وهذا التوجيه السامي، يتقاطع مع منح كل محافظة صلاحية استثمار موارد المحافظة لتنميتها من جهة ولصناعة فرص عمل للمواطنين من جهة ثانية، وهذه أهم الرهانات الوطنية على نظام المحافظات، وهي لا تتطلب التأجيل أو التأخير، وإنما الآنية في التطبيق.
وتشكل «الآنية التطبيقية» شغلي الشاغل، وهي كذلك تشكل هاجسًا وطنيًا بامتياز، ومن مركزيتها في اهتماماتي، يذهب بي الفكر إلى اقتراح تأسيس لجنة خاصة مستقلة لمتابعة التطبيق، ومساعدة وحث المحافظات على تقدير الآجال الزمنية للإصلاحات، وقد لمست نقصا في الفاعلية التطبيقية على الصعيدين المركزي واللامركزي، وهذه الفاعلية هي التي ستحدث الفارق في الإنجاز النوعي والكمي، لذلك نستهدفها الآن في مقالي عن الإصلاحات الجديدة/ والسابقة لنظام المحافظات والشؤون البلدية، وأدواره الإقليمية الوطنية.
نذّكر أولا بالغايات السياسات الكبرى المرجوة من تبني نظام المحافظات بصلاحياته الواعدة التي تنطلق من خلاله البلاد إلى تطوير إدارتها المحلية نحو اللامركزية -كما سيأتي بيانه لاحقا- فمن كبرى هذه الغايات:
- تحقيق التنمية الاقتصادية المحلية.
- صناعة الرضا الاجتماعي المحلي.
- إشراك الفاعلين المحليين في التنمية المحلية.
وهي رؤية لمستقبل التنمية في بلادنا في ضوء التجربة التنموية السابقة، وقصورها في جوانب محددة في استيعاب استحقاقات كامل الجغرافيا العمانية، ونرجح المستقبل كخيار أكثر من الماضي، وذلك لمواجهة تحديات الانتقال في دور الدولة من الريعي إلى الرهان على القطاع الخاص المحلي والأجنبي، والاعتماد على الضرائب كمصدر دخل مستدام لخزينة الدولة، لذلك، فقد صدر نظام المحافظات والشؤون البلدية في أغسطس عام 2020، بصورة مثالية، وواعدا في ملامحه المستقبلية، والمدهش فيه، أنه يؤسس لنظام اللامركزية بكل أنواعها «الإدارية، والمالية، والمرفقية» بصورة آنية، واللامركزية «اقتصادية» كمرحلة آتية لا محالة، لكن مرتبطة بالتطبيق، وبطبيعة التحديات المقبلة.
وهذا ما نستنتجه من نظام المحافظات والشؤون البلدية، فهذا النظام يمنح كل محافظة الشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، والأهلية في تملك الأموال الثابتة والمنقولة وإدارتها، والتصرف فيها، وكذلك إنشاء وإدارة المرافق البلدية وتنمية واستثمار موارد المحافظة، والترويج لها، من أجل تحقيق التنمية المحلية المستدامة، وإيجاد فرص عمل للمواطنين، والمتأمل في هذه الصلاحيات، ويقارنها مع الطرح السابق، سيلاحظ منطوق اللامركزية بأشكالها المختلفة، وهذا جوهر الإصلاح التحولي التاريخي غير المسبوق الذي ينبغي أن يصاحبه الفاعلية في التطبيق.
ويخطي من يعتقد أن القضية التي تحول دون سرعة التطبيق وشموليته المأمولة، مالية خالصة، وحتى لو كانت كذلك في ظاهرها، فتلكم الصلاحيات تمكن كل محافظة من إنتاج المال من خلال إدارة المرافق البلدية واستثمار مواردها، بل أن يكون لها اقتصادها المحلي المرتبط بالاقتصاد الوطني، فلماذا لم نشهد تفعيل هذه الصلاحية حتى الآن؟ لا تزال الاعتيادية القديمة سائدة على الفكر والعمل اللامركزي، وكأننا لا نزال في مرحلة ما قبل أغسطس 2020.
فماذا تنتظر المحافظات والبلديات حتى تفعل أدوارها في ممارسة صلاحياتها اللامركزية الجديدة؟ وهنا سنلجأ إلى أسلوب الفرضيات في البحث عن الأسباب دون حسمها، وأبرز هذه الفرضيات:
- إلى أي مدى تأثرت المحافظات بالتقاعد الإجباري؟
- هل سيكولوجية ما تبقى من كفاءات وخبرات محبطة بسبب مآلات مصائرها القريبة، أو عدم استحقاقاتها المالية والمعنوية كالترقيات، مثلا.
- هل المركزية تلح على التطبيق أم لا؟
وفي مقابل هذه التساؤلات، هناك تساؤل مركب تطرحه سياقات التحليل الموضوعية، ولا يمكن إغفاله لدواعي المهنية والتوازن في التحليل، وهو عن دور القيادات السياسية اللامركزية في تطبيق الإصلاحات حتى لو سلمنا بتلك الفرضيات كلها؟ فهل تعاني بدورها من الإشكاليات نفسها أم ليست مطالبة الآن بتفعيل الصلاحيات؟ ينبغي أن أطرح كل الفرضيات أمام صانع القرار في ظل ضغوطات المرحلة زمنيا، وترقب المجتمع لرؤية نتائج الإصلاحات سريعا بصرف النظر عن الأسباب التي ألوح بها من تلك تلكم الفرضيات.
والآن أمام المحافظين أكبر الاستحقاقات الآنية بعد أن خصهم عاهل البلاد - حفظه الله -، بتوجيه استثنائي في قضية الحوار مع الشباب، وهذه مسؤولية إقليمية تناط على عاتق المحافظين، مما تطرح بدورها تساؤلات نختصرها في هذا التساؤل المركب: متى، وكيف سيبلور كل محافظ هذا التوجيه السامي العاجل؟ إذ أن المطلوب من كل محافظ الآن عقد لقاءات دورية مع الشباب للاستماع إلى آرائهم ومطالبهم وتوضيح جهود الدولة المختلفة لهم، ويفترض أن كل محافظة تكون الآن في حالة عصف ذهني في إيجاد آليات للحوار مع الشباب وبرنامجه، فهل هي كذلك؟
هنا، أقدم مقترحات بتصورات محددة لبلورة التوجيه السامية للمحافظين بصورة مثالية:
- إقامة لجنة من عقول كل محافظة ومفكريها تتبع المحافظ مباشرة، ويكون من شأنها تقديم الأفكار للمحافظ لضمان نجاعة تطبيق تلكم الصلاحيات اللامركزية خاصة في مجال استثمار موارد المحافظة، وإدارة ونجاح الحوارات مع الشباب.
- إقامة لجنة للشباب في كل محافظة عوضا عن اللجنة المركزية للشباب.
- إقامة إعلام حكومي محلي مهني وفعال في كل محافظة يخاطب مجتمعها المحلي، ويناقش قضاياها، ويبرز الإنجازات فيها، وفق رؤية وطنية حاكمة للأعلام المحلي، واستخدامه مع إقامة منصات إلكترونية في حوار الشباب.
وهذه المقترحات تنسجم مع التوجه نحو اللامركزية الإدارية والمالية والمرفقية، ومستقبلا الاقتصادية، وبالتالي، فإن مقترح الإعلام الحكومي المحلي في كل محافظة مثلا، تأتي ضرورته ضمن هذا السياق، وعلى اعتبار أن كل محافظة قد أصبحت مطالبة بإدارة ترابها بكل مكوناته الديموغرافية والمرفقية والموارد بصورة مستقلة وتكاملية من خلال مجلس المحافظين، وتجربة البلاد في الإعلام المحلي الحكومي شاهد عيان على نجاحها في محافظة ظفار في أحداث ما قبل السبعين، وما بعده.
والحاجة نفسها الآن إلى تعميم تجربة الإعلام المحلي في المحافظات، وكذلك تطويره، فكيف سيتم الترويج لموارد كل محافظة لدواعي الاستثمار كما تنص عليه صلاحيات المحافظات دون إعلام محلي؟ وكيف سيتم تفعيل ونقل حوار المحافظ مع شباب المحافظة دون إعلام محلي؟ كان لدى الهيئة العامة للإذاعة والتلفاز قبل دمجها في وزارة الإعلام، تصور لمكاتب الإعلام في الولايات، وقد كنت ضمن وفد قام بجولة في الولايات لهذا الغرض، أتمنى إحياء هذا المسار وتطويره، وربطه بنظام اللامركزية، قد أقوم مستقبلا برسم خارطة لتطبيق تلكم المقترحات كحالة نموذجية لمحافظات البلاد.