المرأة العمانية في قطاع الأعمال
تعد مشاركة المرأة في التنمية أحد أهم منطلقات الاستدامة والنمو المتوازن والشامل، الذي تدعو إليه الدول الحديثة وتتأسَّس عليه، ولهذا كانت سياسات تحفيز إدماجها إلى القطاعات التنموية المختلفة التي يمكن أن تقدِّم خلالها المعرفة والخبرة والمشاركة في الإنتاج والتنمية، فتمكين المرأة خاصة في القطاعات الإنتاجية له أثر بارز في النمو الاقتصادي المستدام والتنمية الاجتماعية التي تُحسِّن المستوى المعيشي للأُسر، وتُحقِّق أهداف الرفاه الاجتماعي.
ولقد كانت عُمان من أوائل الدول التي طبَّقت أنظمة المساواة بين الجنسين وتكافؤ الفرص باعتبارهما أحد أهم الأُسس التي تقوم عليها الدولة؛ فحظيت المرأة بفُرص متساوية للتعليم والتدريب والعمل، وعزَّزت حضورها ومشاركتها في القطاعات التنموية كلها، كما حظيت بالدعم الدائم من لدن الحكومة، ولهذا فهي اليوم تتقلَّد العديد من المناصب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والدبلوماسية والعسكرية وغيرها، فبرز بذلك دورها التنموي في المجتمع والفرص الكثيرة التي يمكنها المنافسة عليها.
ولأن عُمان تؤمن بقدرات المرأة وأهمية إدماجها وتمكينها، فقد اعتنت بها عناية فائقة؛ إذ كفلت لها الحماية وضمان الحصول على الحقوق الكاملة التي تحفظ لها مكانتها في المجتمع، وتُسهم في فتح الفرص أمامها من أجل الانخراط في التعليم والتدريب والالتحاق بسوق الأعمال؛ فمنذ بداية النهضة الحديثة والمرأة العمانية تشارك بفاعلية في كافة القطاعات، ويأتي القطاع الاقتصادي باعتباره أساس التمكين الاقتصادي للمرأة ضمن أهم تلك القطاعات التي اهتمت بها الدولة.
ولقد أسهمت الرؤية الوطنية 2024، في توجيه الاهتمام إلى أهمية التمكين الاقتصادي للمرأة أيا كان وضعها الاجتماعي، الأمر الذي انعكس على تلك التشريعات الحديثة خاصة قانون (الحماية الاجتماعية)، وما منحه للمرأة من حقوق وفرص لذلك التمكين، إضافة إلى اللوائح والسياسات التي تشجِّع ريادة الأعمال وتيسِّر إجراءاتها، وتلك المبادرات والخدمات الاستشارية والتمويلية التي تعزِّز التنافسية مثل حاضنات الأعمال، وبرنامج (الجاهزية) وغيرها، الأمر الذي نجده بشكل واضح في تزايد أعداد مشروعات ريادة الأعمال التي تقودها المرأة العمانية، إضافة إلى انخراطها في سوق العمل في مؤسسات هذا القطاع خاصة في الشركات.
إن المرأة العمانية اليوم تحظى بالرعاية والتمكين والقدرة على المنافسة في القطاع الاقتصادي والمالي؛ وليس أدَّل ذلك من تلك الشركات الكبرى باختصاصاتها المختلفة التي تديرها المرأة العمانية بكل اقتدار، إضافة إلى رئاستها وعضوياتها لمجالس إدارة القطاع المصرفي والمالي، فالمرأة العمانية نجدها حاضرة في هذا القطاع باعتبارها أحد أركان هذا المجتمع الفتي؛ إذ تسهم مع الرجل في التنمية الاقتصادية وتقدِّم خبرتها ومعرفتها من أجل تعزيزه ورفده.
يخبرنا تقرير (المرأة وأنشطة الأعمال والقانون) للعام 2024، الصادر عن البنك الدولي أن (النساء يتمتعن بالقدرة على زيادة الاقتصاد العالمي)، على الرغم من أن بعض القوانين في الأنظمة العالمية ما زالت تميل إلى إبقائهن على الهامش، عن طريق العديد من الممارسات الخاصة بالأجور، والحوافز وغيرها، إضافة إلى تلك التعقيدات التي تواجه المرأة في ريادة الأعمال، مما يؤدي إلى زيادة الفجوة بين الجنسين في مجالات الأعمال والاقتصاد، الأمر الذي دفع التقرير إلى التوصية بالمساهمة في سد هذه الفجوة أو تضيقها من خلال التوظيف وريادة الأعمال، والاهتمام بتيسير مشاركة المرأة في القطاعات الصناعية والتجارية، مما سيُسهم في (مضاعفة معدل النمو العالمي الحالي).
وعلى الرغم من أن بلدان العالم تحرز تقدما في سن القوانين الداعمة للحقوق الاقتصادية للمرأة، إلاَّ أن (3.9 مليار امرأة في جميع أنحاء العالم تواجه صعوبات قانونية تؤثر على مشاركتهن الاقتصادية)- حسب التقرير-، الأمر الذي ينعكس على انخراطها في سوق الأعمال الاقتصادية، وإمكانات الاستفادة من قدراتها ومشاركتها الفاعلة في هذا القطاع الحيوي المهم، الذي يمس المستوى المعيشي للأسرة بشكل مباشر، الأمر الذي يؤكده أيضا تقرير الفجوة العالمية بين الجنسين 2024، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي يجعل من الأبعاد الاقتصادية والسياسية أكثر الركائز التي تعاني من اتساع الفجوة بين الجنسين.
ولهذا فإن الدول التي تهدف إلى تضييق هذه الفجوة عليها أن تتخذ الوسائل والتدابير اللازمة لضمان حصول المرأة (دون قيد على الموارد والفرص ومناصب صنع القرار)، إضافة إلى أهمية تعزيز الظروف المواتية للأعمال التجارية والمجتمع المدني وإيجاد الشراكة الفاعلة التي تدعم انخراط المرأة في ريادة الأعمال بكافة أنواعها، لتشكيل اقتصادات قائمة على أولويات المجتمع وحاجاته لتأسيس مجتمع مزدهر ومرن ومنصف.
إن التمكين الاقتصادي للمرأة يؤثِّر على التنمية الاجتماعية، وتحقيق أهداف الرفاه، لذا فإن الاهتمام بتوفير السياسات والبرامج الوطنية الداعمة لهذا التمكين، وحصر التحديات ومحاولة إيجاد الحلول، سيوفِّر بيئة محفزة للمرأة لولوج عالم الأعمال، والأمر هنا لا يتعلَّق بالمشروعات التي تديرها المرأة، بل أيضا بأنواع تلك المشروعات وآفاق استدامتها بوصفها مشروعات تؤسِّس لأعمال ذات مساهمة وطنية مستدامة؛ فالتمكين الاقتصادي وفتح الفرص للأعمال التي تقوم بها المرأة بدءا من المشروعات المنزلية ومشروعات المرأة الريفية وليس انتهاء بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، كلها أنماط عليها أن تتبنى خططا إنمائية قادرة على النمو والاستدامة.
إن هذا التمكين يأتي وفق مقتضيات تنموية قادرة على تحقيق الأهداف الوطنية، التي يأتي على رأسها تحقيق المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص، وهي أهداف تعمل الدولة على العمل بها في كافة المجالات. إن الأمر هنا لا يتعلَّق بالتشريعات والسياسات وحسب بل بأهمية وعي المجتمع عموما والمرأة بشكل خاص بتلك الحقوق والواجبات، وقدرتها على المشاركة الفاعلة وفق ما تتطلَّبه تلك المشاركة، خاصة في المجالات السياسية والاقتصادية، التي تُعد من أبرز القطاعات التي تعبِّر عن ذلك الوعي.
ولعل احتفالنا بيوم المرأة العمانية في السابع عشر من أكتوبر، فرصة لمراجعة ما تم تقديمه للمرأة وفق مقتضيات الواقع، وما تتطلَّبه المرحلة التنموية من عمر الدولة، وما نطمح إليه جميعا من أهداف للرؤية الوطنية 2040، وهي مراجعة تتطلَّب توحيد الجهود وترسيخ ما يسمى بـ (التكافؤ الاقتصادي)، الذي يُعزِّز دور المرأة في التنمية الاقتصادية ويجعلها ممكَّنة اقتصاديا، قادرة على المشاركة في الإنتاج والابتكار والنمو، خاصة المرأة المعيلة باعتبارها أولوية.
إن سياسات تكافؤ الفرص التي تعمل بها الدولة تقتضي الوعي التام من قبل المؤسسات والمجتمع؛ لأنها الأساس الذي يفتح المجال للمرأة لولوج سوق الأعمال وريادته، وفق آفاق قادرة على المنافسة، والأمر هنا يتطلَّب وعي المرأة أيضا بالفرص الاستثمارية الواعدة التي يمكنها الاستثمار فيها والعمل بإبداع وابتكار، بحيث لا تكون ريادة الأعمال للمرأة مقتصرة على أنماط مكرورة (البخور، والعطور، والأزياء النسائية)، بل أنماط جديدة قائمة على الابتكار.
لذا فإن الوعي بالفرص والتحديات من ناحية، وامتلاك مهارات الإبداع والابتكار أو الاستعانة بهما في ناحية أخرى، يشكِّل الأساس الذي يمكن من خلاله تحقيق ريادة أعمال مستدامة ومرنة ومنافسة، قادرة على التجديد، وملهِمة للمجتمع، ومساهمة في تحقيق الأهداف الوطنية وتضييق الفجوة بين الجنسين في مجال الأعمال والاقتصاد، فالأمر هنا لا يتطلَّب زيادة أعداد النساء اللواتي يعملن في القطاع، بقدر ما هو إبراز تأثيرهن الإيجابي في هذا القطاع التنموي. إن يوم المرأة العمانية يأتي ليذكِّرنا بأهمية تعزيز دورنا الفاعل في المجتمع، وقدرتنا على المساهمة في كافة القطاعات؛ فالمرأة أساس المجتمعات ودروها شامل ومتنوِّع، وفكرها مستنير، ومهاراتها متجددة؛ فكل عام والمرأة العمانية واعدة في مجتمعها، قادرة على تحقيق ما تصبو إليه، وفيَّة مخلصة لوطنها الغالي.