العالم يحتاج إلى «اتحادٍ بيئيٍّ» لمكافحة تغير المناخ

24 يوليو 2024
ترجمة: بدر بن خميس الظّفري
24 يوليو 2024

أدريان فابر وهو بن

تقود الصين العالم في التحول الأخضر للصناعة، مدفوعة بمكانتها المهيمنة على صناعة الألواح الشمسية الكهروضوئية، والمركبات الكهربائية عالية الجودة منخفضة التكلفة، وبطاريات المركبات الكهربائية. وبفضل السياسات طويلة الأجل للحكومة والشركات الصغيرة والمتوسطة المتطورة والمتميزة والمبتكرة، سيساعد التحول منخفض الكربون في الصين على تحقيق تنمية تتصف بجودة عالية.

ومع ذلك، هناك عقبتان تقفان في طريق إزالة الكربون في الصين: أولهما أن الصين ليست وحدها في سباق عملية إزالة الكربون، وأنّ العديد من البلدان ليست على المسار الصحيح في تحقيق إزالة الكربون. وإلى أن تتماشى خطط إزالة الكربون في جميع البلدان مع اتفاق باريس، فإن الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى أقل من درجتين مئويتين (ناهيك عن 1.5 درجة مئوية) سيكون مستحيلا. ورغم أن المحللين سوف يستمرون في الشكوى من القدرة الهائلة للصين في مجال المنتجات الخضراء، فإن التخوف الحقيقي يتلخص في انخفاض الطلب العالمي على مثل هذه المنتجات. ثانيهما، في حين حققت الصين خطوات ملحوظة في مجال الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية، فإنها قادرة على تعزيز جهودها لتحقيق الأهداف المناخية من خلال الحد من اعتمادها على الفحم.

والواقع أن الصين لديها الموارد والإرادة السياسية اللازمة لتحقيق هدفها المناخي المتمثل في الوصول إلى ذروة انبعاثاتها قبل عام 2030 وتحقيق الحياد الكربوني قبل عام 2060. ولا نستطيع أن نقول الشيء نفسه عن البلدان ذات الدخل المنخفض.

بالإضافة إلى ذلك، توقفت مفاوضات المناخ العالمية لأن دولا مثل الهند تصر على أن جهودها لإزالة الكربون تعتمد على التحويلات المالية من الدول ذات الدخل المرتفع (الملوثون التاريخيون). ومع ذلك، فإن البلدان ذات الدخل المرتفع مثل الولايات المتحدة رفضت باستمرار تقديم تحويلات كبيرة.

هناك طريقتان لكسر الجمود في مفاوضات المناخ: أولاهما المضي قدما مع البلدان ذات الطموح العالي، حتى لو لم تشارك بعض الدول في اتفاقيات المناخ الطموحة. ثانيهما التفاوض على صفقة تتضمن تحويلات مالية كبيرة بين الشمال والجنوب. وسوف تحتاج الاقتصادات ذات الدخل المرتفع، مثل تلك الموجودة في الاتحاد الأوروبي، إلى تقديم مساهمات مالية.

وقد تقبل مثل هذه الاقتصادات اتفاقا لسببين. أولا، لأنهم قلقون حقًا بشأن تغير المناخ، ويدركون أن السبيل الوحيد للمضي قدمًا هو المساهمة في العدالة المناخية. وثانيا، بما أن الاتحاد الأوروبي سيفشل على الأرجح في تحقيق هدفه المناخي لعام 2030 (تقدر وكالة البيئة الأوروبية أنه في أفضل الأحوال يمكن للتكتل الأوروبي أن يخفض الانبعاثات بنسبة 48 في المائة بدلا من 55 في المائة المستهدفة من مستوى عام 1990)، فيمكنها التحايل على هذا الفشل من خلال شراء بدلات الانبعاثات من الدول الأخرى من خلال تزويدها بالتكنولوجيا اللازمة والتحويلات المالية.

إننا نعمل حاليا مع دبلوماسيين وباحثين من البلدان الأفريقية والاتحاد الأوروبي والبرازيل والصين والهند على اقتراح سياسة مناخية دولية يمكن أن تناسب مصالح معظم البلدان. وفيما يلي ملخص للاقتراح الذي يجري عليه العمل حاليّا من أجل «الاتحاد البيئي».

في الأمد القريب، ستعمل الاقتصادات المشاركة في «الاتحاد البيئي» المقترح على تحديد حد أدنى موحد لسعر الكربون عند 100 يوان (13.75 دولار أمريكي) للطن من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يعادل تقريبا سعر ثاني أكسيد الكربون في سوق الكربون في الصين. وسوف يكون الحد الأدنى للسعر متناسبا مع الزيادة في درجات الحرارة في المتوسط المتحرك للسنوات الخمس السابقة. عندما تنتهي ظاهرة الانحباس الحراري العالمي، سوف يصبح السعر صِفرا.

سيتم جمع جزء من الإيرادات الناتجة عن تسعير الكربون في كل دولة في صندوق عالمي مشترك، ثم إعادة توزيعها على الدول المشاركة بناءً على حجم سكانها. سوف يمثل المبلغ المجمع من كل دولة ناتجها المحلي الإجمالي، مما يسهل التحويلات من الدول الأكثر ثراء إلى الدول الأكثر فقرا: فالبلدان التي يزيد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي فيها بشكل كبير عن المتوسط العالمي ستسهم بشكل أكبر، في حين أن تلك التي تقل بشكل كبير عن المتوسط العالمي ستتلقى المزيد.

علاوة على ذلك، تلتزم الدول الأعضاء في «الاتحاد البيئي» بعدم فرض ضرائب على محتوى الكربون في الواردات من بعضها البعض، وإعادة الضريبة المحصَّلة إلى الدولة المصدرة إذا فعلت ذلك. وهذا من شأنه أن يجعل (آلية تعديل حدود الكربون) للاتحاد البيئي محايدة بالنسبة للبلدان المشاركة.

وعلى الأمد المتوسط فإن «الاتحاد البيئي» سوف ينشئ سوقا عالمية للكربون، تمنح فيه كل دولة حقوق الانبعاثات بما يتناسب مع عدد سكانها كمعيار مرجعي. وستكون هناك بعض التعديلات على المعيار بما يتماشى مع الاحتياجات والطموحات المحددة لمناطق معينة. وعلى وجه الخصوص، ستحصل الصين والاتحاد الأوروبي على حقوق الانبعاثات التي تتوافق مع خططهما لإزالة الكربون.

وهذا من شأنه أن يعطي حقوقا أكبر من المعيار المرجعي للصين، وحقوقا أقل للاتحاد الأوروبي. ومن شأن هذه التعديلات أن تحافظ على الطموح الشامل «للاتحاد البيئي»، مما يساعده على تحقيق هدف اتفاق باريس.

والأهم من ذلك أن دمج الانبعاثات من جميع الاقتصادات في سوق موحدة من شأنه أن يضمن تلبية كل اقتصاد لأهدافه. على سبيل المثال، إذا تجاوز الاتحاد الأوروبي هدفه الذي وضعه للانبعاثات، فإن الاقتصادات الأخرى التي تنبعث منها أقل من المتوسط العالمي يمكنها بيع حقوق الانبعاثات الفائضة إلى الاتحاد الأوروبي، وهذا يؤدي إلى تحقق الموازنة بين إجمالي الانبعاثات. ويضمن هذا النهج إجراء تخفيضات في الحالات التي تكون أكثر فعالية من حيث التكلفة. وبالإضافة إلى ذلك، ستنتقل التحويلات المالية من الاقتصادات الأكثر ثراءً إلى الاقتصادات الأكثر فقرا، مما يعزز النمو ويحد من الفقر في البلدان ذات الدخل المنخفض.

أدريان فابر هو باحث في المركز الوطني للأبحاث العلمية في المركز الدولي للبحوث حول البيئة والتنمية في باريس.

هو بين هو مدير أبحاث إدارة المناخ العالمي في معهد تغير المناخ والتنمية المستدامة بجامعة تسينغهوا.