الصين لا تريد أن تكون بجانب الخاسر في أوكرانيا

01 فبراير 2023
01 فبراير 2023
Loading the Elevenlabs Text to Speech AudioNative Player...

ترجمة : قاسم مكي -

روسيا لديها عدد أكبر بكثير من السكان مقارنة بأوكرانيا واقتصادها أكبر وجيشها أقوى، وكان ينبغي عليها أن تسحق أوكرانيا في بداية الحرب، لكن ذلك لم يحدث.

تتجه الحرب الآن نحو عامها الثاني، وكييف في وضع أفضل لاستعادة المزيد من الأراضي التي فقدتها، يمكن تفسير ذلك إلى حد بعيد بواقع أن أوكرانيا لديها حلفاء عديدون وروسيا ليست كذلك.

يقدِّر معهد كيل لاقتصاد العالم أن الولايات المتحدة وأوروبا تعهدتا لأوكرانيا بمساعدات عسكرية واقتصادية بقيمة 100 بليون دولار تقريبا منذ بداية الحرب، تشمل هذه المساعدات معدات عسكرية متقدمة باطِّراد تتراوح من أنظمة باتريوت للدفاع الجوي وإلى دبابات ليوبارد 2 وأم1 أيه2 ابرامز التي وُعِدَت أوكرانيا بالحصول عليها مؤخرا.

روسيا تحتاج إلى العون الأجنبي كذلك، فهي تواجه نقصا في كل شيء من قذائف المدفعية وإلى الطائرات المسيَّرة والصواريخ، لكن هنالك بلدين اثنين فقط على استعداد حتى الآن لتزويدها بمعدات عسكرية هما إيران وكوريا الشمالية، إذن لأوكرانيا ميزة في هذا الجانب.

أكبر مورِّد عسكري تفتقده روسيا هو الصين، إنها أكبر بلد يصدِّر سلع التقنية الرفيعة، ورابع أكبر مصدِّر للأسلحة في العالم،

يمكن لبيجينج أن تلعب لروسيا نفس الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة لأوكرانيا، إذا حدث ذلك ستتعزز فرص انتصار روسيا بوتيرة متسارعة، لكن ذلك لم يحدث، وهو ما يوحي عمليا بأن هناك حدودا حاسمة للصداقة «اللامحدودة» التي أعلنها الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين، والصيني شي جينبينج قبل أسابيع قليلة فقط من حرب روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير.

شِي أبعد من أن يراهن بكل أوراقه على بوتين، فهو يحاول أن يوازن بين الغرب وروسيا، وهذا ما يوجد فرصة محتملة لإدارة بايدن.

الصين سعيدة بمواصلة التجارة مع روسيا بشروط تميل لصالحها، لقد حلَّت هي والهند محل أوروبا كمستوردتين رئيسيتين للنفط والغاز من روسيا بأسعار منخفضة نتيجة للعقوبات الغربية.

مقابل ذلك، بحسب باحثين في مجموعة «سيلفرادو بوليسي أكسيلريتر»، صارت الصين أكبر مصدَر لواردات روسيا خصوصا أشباه الموصِّلات التي تحتاجها روسيا لتصنيع المعدات العسكرية والمدنية معا، ولأن آبل وسامسونج أوقفتا بيع هواتفهما الذكية لروسيا تقدمت الصين، وسيطرت على 70% من السوق الروسية في الربع الثالث من عام 2022، هذه التجارة المتبادلة تدعم بطريق غير مباشر المجهود الحربي لروسيا، وفي حالة الرقائق الدقيقة قد تمكِّنها من إنتاج الأسلحة،

لكن الصين كانت لديها أيضا علاقة اقتصادية متينة مع أوكرانيا قبل الحرب. في الواقع وكما ذكرت زميلتي في مجلس العلاقات الخارجية زونجيوان زو : «بحلول عام 2019 حلت الصين محل روسيا كأكبر شريك تجاري لأوكرانيا، وأصبحت أكبر مستورد للشعير وخام الحديد من أوكرانيا التي تفوقت على الولايات المتحدة كأكبر مورِّد للذرة إلى الصين».

وقال لي وزير الخارجية التايواني جوزيف وو الصين تريد أن يطول أمد الحرب في أوكرانيا؛ «لأنها ستشغَل الغرب عن الصين، وفي الوقت ذاته تحصل الصين على الطاقة بأسعار منخفضة من روسيا».

ربما ذلك كذلك، لكن الصين لم تكن سعيدة بالاضطرابات الاقتصادية التي سببتها الحرب الروسية، فهي بوصفها أكبر مقرِض لبلدان الدخل المنخفض ينبغي عليها أن تقلق بشأن سداد ديونها المستحقة على بلدان تضررت اقتصاداتها من ارتفاع أسعار السلع.

يقول الدبلوماسيون الصينيون للأوروبيين سِرّا: إن شي جينبينج لم يعلم مقدَّما بالحرب الروسية، وتوجب عليه أن يسارع لإخلاء 6 آلاف مواطن صيني من أوكرانيا، كما عبَّر شي علنا عن «تساؤلات ومخاوف» بشأن الحرب الروسية، وطلب من بوتين عدم استخدام الأسلحة النووية.

شي بممارسته «السياسة الواقعية» المجردة من المثاليات لا يريد أن ينتهي به المطاف إلى ما يمكن أن يكون الجانب الخاسر (في الحرب الأوكرانية) .

تذكر الفاينانشال تايمز بناء على حوارات مع مسؤولين صينيين أن «الصين تضع في بالها الآن احتمال فشل روسيا في التغلب على أوكرانيا، وخروجها من الحرب قوة صغرى ومتراجعة إلى حد كبير اقتصاديا ودبلوماسيا على المسرح الدولي، « بكلمات أخرى روسيا المنهزمة قد لا تكون حليفا مستقبليا مفيدا للصين التي هي بلد آخر لديه عدد قليل من الأصدقاء في العالم.

الصين كأكبر بلد تجاري في العالم لا تحتمل أن تكون معزولة على نحو ما صارت عليه روسيا، وهذا يعين على تفسير تقرُّب بيجينج إلى أوروبا، ومحاولتها التخفيف من العداء مع الولايات المتحدة مثلا بتهميش أحد أبغض مسؤولي دبلوماسية «الذئب المحارب» التي تنتهجها.

في مقال مثير هذا الشهر حاجج باحثان بمركز ستيمسون هما ضابط الاستخبارات السابق روبرت مانينج والخبيرة في شؤون الصين يون سن بوجوب استفادة إدارة بايدن من ميزة تردُّد شي بشأن الحرب لإبعاده عن روسيا.

أشار الباحثان إلى وجوب دراسة «عرض الصين في وقت سابق بالتوسط في أزمة أوكرانيا »، وقالا: الولايات المتحدة «ليس لديها ما تخسره باختبار فكرة أن ثمة فرصا جديدة بدأت تظهر وقد تكون كافية للسماح بتعاون الولايات المتحدة والصين حول أوكرانيا».

أخبرني بول هير ضابط الاستخبارات الوطنية ووكالة السي آي أيه المخضرم الذي خدم لثلاثين عاما في شرق آسيا أنه يوافق على فكرة وجود «فرصة محتملة»، وقال: «بوتين أصبح مُحرِجا لشي جينبينج إن لم يكن عبئا صافيا».

لكن السؤال ما هو المقابل الذي يمكن أن تقدمه واشنطن (للصين)؟ يقول هير: «بيجينج لن تقف إلى جانبنا ضد موسكو ببساطة؛ لأن ذلك هو الشيء الصحيح الذي يجب عليها عمله، ما الذي يفيد الصين لكي تفعل ذلك؟»

هنا المشكلة وأحد الجوانب السلبية لعداء الولايات المتحدة مع الصين، فالرئيس بايدن ظل يواصل ما بدأه دونالد ترامب، ويزيد من ضغوطه على الصين؛ لكي تشمل منع تصدير الرقائق الإلكترونية الأكثر تقدما ومعدات صناعة الرقائق.

إنه يعطي الانطباع بأن هدف سياسة الولايات المتحدة ليس فقط التصدي للتهديد العسكري الصيني، ولكن وكما ذكر جيديون راكمان في عموده بالفاينانشال تايمز «وقف صعود الصين».

لملاطفة الصين كي تكون أكثر تعاونا في الحرب بأوكرانيا وفي قضايا ملحَّة أخرى مثل كوريا الشمالية قال ضابط الاستخبارات السابق هير: «سنحتاج إلى إقناع الصينيين بأننا على الأقل مهتمين بإمكانية التعايش السلمي والتعاون الاستراتيجي بنفس اهتمامنا بتنافسنا الإستراتيجي»، لكن في أجواء التوترات المتصاعدة الحالية هذا «صعب جدا».

لذلك من المشكوك فيه أن تستطيع الولايات المتحدة إقناع الصين بأن تكون شريكا في إنهاء حرب أوكرانيا، لكن على الأقل يمكن لإدارة بايدن الاستمرار في الضغط على الصين حتى لا تقدم معدات عسكرية لروسيا، فطالما ظلت الصين إلى حد كبير في موقف المتفرج ستكون لدى أوكرانيا فرصة للانتصار إذا اجتهدت في القتال.

ماكس بوت زميل أول دراسات الأمن القومي بمجلس الشؤون الخارجية وكاتب رأي في صحيفة واشنطن بوست.

ترجمة خاصة لـ «$»