الشراكة العمانية السعودية.. تترقب قمتها السياسية

07 يوليو 2021
07 يوليو 2021

عندما قلنا في مقالنا الأخير المعنون بـ «مسقط والرياض تطويان هواجس الماضي، وتتطلعان للمستقبل المشترك» إن الشراكة العمانية السعودية فوق استيعاب الكثير، فإننا لم نبالغ لأنها ظهرت فوق السطح دون مقدمات علنية وتتصاعد الآن بوتيرة مدهشة، حيث إن الحديث الآن عن قمة بين البلدين يترقب نتائجها الجميع، المستوعب وغير المستوعب، وانعقادها الآن، يعني أنها قد استكملت كل مقومات نجاحها، لكن الترقب يدور حول التساؤلين الآتيين: هل نتائجها ستكون ثنائية أم متعدية؟ وهل هي اقتصادية أم سياسية أو هما معًا؟ توقيت الانعقاد في ظل انشغال مسقط والرياض طوال الفترة الماضية، بحل قضايا إقليمية كالأزمة اليمنية يفتح كل الاحتمالات الإيجابية، والكبيرة، وعابرة الثنائية.

سنبحث موضوع مقال اليوم من 3 محاور أساسية: الأول، بعنوان انطلاقة الشراكة العمانية السعودية تدشن بزيارة قريبة لسلطان البلاد حفظه الله ورعاه للسعودية، فما دلالتها الثنائية والإقليمية ضمن السياقات الزمنية الضاغطة الآن؟ والثانية: ماهيات الرسائل السياسية الإقليمية التي ينبغي أن تبعث بها الشراكة العمانية السعودية لمحيطها الخليجي؟ والثالث، كيف يمكن تحصين هذه الشراكة من الأنواء السياسية في ضوء تجربة العقود الماضية؟

أولا: زيارة سلطان البلاد للسعودية - الدلالات - والتواقيت

تدلل زيارة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- للمملكة العربية السعودية المرتقبة على رأس وفد كبير، كأول زيارة خارجية رسمية لجلالته منذ تسلمه الحكم في يناير 2020، على الطابع السياسي للانطلاقة القوية للشراكة العمانية السعودية، حيث سيسجل لها ذلك تاريخيًا في إطار مكانها وشخوصها، وستدخل ضمن الأحداث التاريخية للمنطقة؛ لأنها سترتسم بنتائج القمة العمانية السعودية، وما سبقها من مباحثات مكثفة ومتعددة بين البلدين في كل المجالات.

فكيف إذا ما زفت بشرى بقبول كل فرقاء الأزمة اليمنية -الإقليميين والمحليين - بوقف الحرب والصراع؟ وهذا الأمل يتعزز بهذه الزيارة رغم حالة الإحباط الذي تصنعه تصريحات الأطراف، وهو مبني - أي الأمل - على جهود مسقط والرياض التشاركية، السرية والعلنية العالية في التنسيق والتفاهم من أجل إنهاء الحرب في اليمن ، ومن ثم إعادة إعماره ، وإذا ما ذهبت بطموحي باتجاه طهران، فإن الأنظار تترقب من القمة العمانية -السعودية، اختراقًا تاريخيًا في هذا الاتجاه بعد أن مدت الرياض مؤخرا يدها للسلام معها ورأت أنه يمكن التعايش مع طهران، وفي المقابل، تعرب طهران ضمن هذا السياق الزمني رغبتها في التفاوض مع دول الخليج العربي لحل القضايا الخلافية عبر حوار يحترم سيادة جميع الدول. وتتوفر لدى طهران عامل الجدية في التفاوض مع جيرانها العرب، وهو في الوقت نفسه - أي العامل - سيكون كذلك عامل نجاح التفاوض إذا ما احتكمت طهران للواقعية السياسية؛ لأن التطورات في الشرق الأوسط لن تكون في صالحها، فالكيان الصهيوني يلوح هذه الأيام، بخيار الحضور العسكري الدائم في إحدى الدول الخليجية المطبعة، ويتوجهان نحو التعميق البنيوي في مختلف المجالات.

ومسقط والرياض أذكى من أن ينطوي عليهما أبعاد الوجود العسكري وحتى الاقتصادي والثقافي البنيوي للكيان الصهيوني في الخليج العربي، وهنا قد تلتقيان مع طهران في هذا الهاجس؛ لأن الوعي به يتجاوز المنفعة الاقتصادية للصهاينة في الخليج، ويحقق حلمهم في التوسع الجغرافي، فهل هذا الأخير، ينضج قناعة الحوار الإقليمي ويسهم في نجاحه؟ انفراج الأزمة اليمنية ستكون مؤشرا على بداية عهد جديد مع إيران خاصة، والمنطقة عامة، من هنا، نرى أن هناك أملا في هذا الملف الشائك.

- ماهيات الرسائل السياسية للشراكة العمانية السعودية.

تعتبر الشراكة العمانية السعودية المتجددة في حد ذاتها، أكبر التحولات الإقليمية المعاصرة التي سيكون لها تأثيرات إيجابية على الكثير من قضايا المنطقة السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية؛ لذلك فحجم هذه الشراكة، لا يمكن أن تكون ردة فعل، كما يربطها بعضهم بالاعتصامات الأخيرة في السلطنة، وإنما هي في إطار صناعة الفعل المشترك، وغير المسبوق، بإرادتين سياديتين خرجتا من رحم مواجهة تحديات كبرى، وهو ما قد يستعصي فهمه على الكثير، وهذا ما سنحاول إثباته تاليًا.

أولًا: مبادرة الفعل العمانية.

كانت هذه المبادرة منذ أول يوم تسلم سلطان البلاد الحكم في السلطنة في الحادي عشر من يناير 2020، في خطاب العرش، وتكررت في الخطابات التالية، وكذلك في آخر اجتماع لجلالته حفظه الله بمجلس الوزراء، جرى التركيز على تعزيز علاقات السلطنة بدول المنظومة الخليجية، وهي رسائل سياسية، مفادها: إن عهد جلالته السياسي يجد السلطنة في عمقها الخليجي العربي أكثر من أية أعماق أخرى، وهذا يفسر مدى رهان القيادة السياسية الجديدة في السلطنة على العمق الخليجي العربي. لكن، لماذا لم تستقبله إلا الرياض حتى الآن؟ يبدو أن الرسالة قد وصلت للرياض سريعا، وبالنهج العماني نفسه، بعثت الرياض برسالة فعل يتناغم مع مبادرة فعل مسقط، وهي تفكك الأحادية المتشددة للتأطير الذهني، التي كانت إحدى المشكلات التي عرقلت التقارب بين البلدين خلال العقود الماضية، ومن ثم عينت سفيرا جديدا بدرجة وزير، ومنحته صلاحيات سياسية وتفويضًا من قبل الملك السعودي، وهذه كلها كانت مؤشرات، لكنها لم تستوعب.

الفقرة الثانية: الرسائل السياسية

نراهن على الشراكة العمانية السعودية في تغيير الكثير من المفاهيم الجامدة المتراكمة داخل المنظومة الخليجية التي صنعت الأنانية، وكرست القلق من الشراكات والاندماجات الوحدوية، ودفعت الى الحروب الجيواستراتيجية، وخسرت من أجلها المليارات من الدولارات الخليجية؛ لذلك الكل يراقب ولادة هذه الشراكة، وينتظر منافعها المشتركة في خدمة اقتصاد البلدين، وما تقدمه للشعبين من مكاسب في عصر الضرائب.

ما يستوجب على الشراكة العمانية السعودية أن تثبت من داخلها أولا، حتى تغير محيطها ثانيا، أنها منفتحة على المنافع الثنائية بعيدا عن الأنانية والاستفراد، وأن العامل الجيواستراتيجي سيكون في خدمة هذه المصالح - توظيفا وتسخيرا لها - وأنها تجربة واعية بكل التحديات الجديدة والقديمة، وأن لديها من الوسائل والأدوات ما يمكنها من إداراتها مهما كان حجمها.... الخ.

- تحصين الشراكة العمانية السعودية من الأنواء السياسية ومؤامراتها

كلما ارتبطت الشراكة العمانية السعودية بمصالح بنيوية للشعبين الشقيقين ضمن منظومة مجموع المصالح المتعددة «والمعتبرة» كان ذلك ضمانة لديمومتها مهما مرت عليها من الأنواء السياسية، وعندما يجري التفكير من الآن في إيجاد أطر عالية الوعي السياسي من كلا الجانبين، تشرف على عمل اللجان المشتركة، ويناط بها إدارة المستجدات السياسية الداخلية والخارجية التي قد تؤثر على العلاقات، فإن ذلك يقلل من عنصر المفاجأة، ويعمل على إدارة الأزمات والسيطرة عليها، ويعكس وعي الاستدامة، فالتفكير السياسي ينبغي أن ينصب من الآن على كيفية تحييد أي مستجد سياسي على الشراكة العمانية السعودية، وجعله في نطاقه السياسي المجرد دون المساس بمنظومة المصالح الاقتصادية والاجتماعية، من هنا نحمل هاجس الضمانة من جهة، ورفع الوعي السياسي بالتحديات الممكنة لهذه الشراكة من جهة ثانية.

وهذه الضمانة نجدها، في مسألتين أساسيتين هما:

أولا: العمل على تحييد التأثير السياسي على الشراكة العمانية السعودية المتجددة، ومما ينبغي توضيحه في البداية، أن تركيزنا على الحصانة للشراكة العمانية السعودية المتجددة، لا ينفي أن يكون هناك تفاهم استراتيجي عميق وطويل الأجل بين قيادتي البلدين حول القضايا الإقليمية والدولية، يستوعب أي تباين مستقبلا، بل نرجحه، وبسببه نرى أنه قد جرى توجيه بوصلة المستثمرين السعوديين نحو مسقط المطلة على البحار المفتوحة التي تجعل الرياض أمام إمكانية الوصول الى هذه البحار البعيدة عن مناطق التوترات والصراعات في الخليج، وقد نشهد خلال القمة الكشف عن مشروعات عابرة للبحار الإقليمية.

لكننا من حقنا كداعمين لهذه الشراكة، ومؤمنين بأن خيراتها ستعم البلدين والشعبين الشقيقين، وشعوب كل دول المنطقة، المساهمة في ضخ أفكار لإثراء نضوج الحصانة من رؤى متعددة، ومن بينها أن تكون هناك قناة تواصل سيادي مفتوحة بين مسقط والرياض، على أن يكون ذراعها التنفيذي لجنة دائمة مرتبطة مباشرة بالسياديين، لإدارة أية ظروف طارئة على المشهد السياسي الثنائي أو الإقليمي وحتى الدولي الذي قد يكون له تأثير على الشراكة.

وإذا ما فكرنا بصورة مختلفة، فإن الشراكة تحتاج إلى نص مكتوب يوقع عليه كلا البلدين، يسمى «بوثيقة الضمانة» أي ضمانة الشراكة بين البلدين، تحدد مبادئ الشراكة وأسسها، وتجرّم التأثير السياسي مستقبلا عليها، بحيث يكون أي تباين في المواقف السياسية بمعزل عن امتداده الاقتصادي والتنموي والاجتماعي للشراكة، ومثل هذه البراجماتية، قد جعلت من أوروبا تتفادى قطع العلاقات السياسية وتجنب الأضرار بالمصالح الاقتصادية والاجتماعية الجماعية، وتجعل السياسة لها حدود فوقية لا تمس المصالح البنيوية، فكنا نعلم حجم المواقف المتعارضة بين بعض دول أوروبا من بعض الأزمات الإقليمية، كالأزمتين الليبية واليونانية مثلا، لكنها لم تؤثر في مصالحها المشتركة، وبهذا ستقدم مسقط والرياض النموذج الفريد في المنطقة، وبل في العالم الثالث.

ثانيا: الربط المصلحي المباشر للشعبين الشقيقين

وهذا الربط ينبغي ألا يترك تلقائيا وإنما يصنع في إطار المصالح المشتركة، سواء عن طريق المشروعات الصغيرة والمتوسطة أو مباشرة تمس حياة المواطنين في كلا البلدين، كالطريق البري الجديد الذي يربط السلطنة بالسعودية، أو مشروع القطار «المتوقع» فعلى طول جوانبهما، ينبغي أن تنشأ حياة اقتصادية واجتماعية، تعود خيراتها على المواطنين في المناطق التي يمر بها طريقا القطار والسيارات؛

لأننا نتوقع حركة تجارية مكثفة على مدار الساعة بين البلدين، وستكون حركة نشطة خاصة على الجانب العماني عبر موانئها المفتوحة على البحار التي تختصر الوقت وتقرب القارات.