السبيل إلى إيقاف اليمين المتطرف في أوروبا
ترجمة: أحمد شافعي -
شهدت الفترة الأخيرة خروج الألمان إلى الشوارع للتظاهر ضد حزب (البديل من أجل ألمانيا) اليميني المتطرف. تأتي المظاهرات في أعقاب تقارير إخبارية بأن بعض أعضاء الحزب قد اشتركوا في اجتماع تآمري للتجهيز لطرد جماعي للأجانب. وإنني لتنتابني مثل مشاعر الغضب العارم على منظمي ذلك الاجتماع من النازيين الجدد الكريهين. لكنني أشك في أن تثمر هذه المظاهرات أثرا كبيرا. وهل تذكرون مسيرة المليون في لندن رفضا للبريكست؟ إن مسيرات البريكست تنبيه إلى أن النصر في المعارك السياسية يكون عند صناديق الاقتراع.
تتماثل في كل مكان أسباب صعود اليمين المتطرف في أوروبا، وهي: الهجرة الجماعية، وتراجع التصنيع، ومعارضة السياسات الخضراء والسياسات الصفرية الصافية، ومقاومة القيم الاجتماعية والبيئية الحضرية. في ألمانيا، يحقق حزب (البديل من أجل ألمانيا) الآن نسبة 21% في استطلاعات الرأي. ويحظى الحزب الذي أطلقته مؤخرا سارا فاجنكنشت، وهي سياسية معروفة من أقصى اليسار، بدعم بنسبة 7%. وتشكل الهوامش المتطرفة مجتمعة ثلث إجمالي الناخبين.
في الانتخابات الأوروبية في يونيو، من المتوقع أن يحقق اليمين المتطرف مكاسب ضخمة. لن «يفوز» بالانتخابات بالمعنى الكلاسيكي. لكن، وفقا لتحليل المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، فإن جماعتي اليمين المتطرف الأساسيتين في البرلمان الأوروبي مجتمعتين ـ وهما (فصيل الهوية والديمقراطية) مع تحالف المحافظين والإصلاحيين ـ سوف تكونان تقريبا في ضخامة كتلة يسار الوسط الأساسية، التي تضم الاشتراكيين والديمقراطيين، بالإضافة إلى الخضر. وسوف يكون لهذا التحول في السلطة أثر هائل على سياسات الاتحاد الأوروبي. وإذن فعصر السيطرة اليسارية في الاتحاد الأوروبي تنتهي.
لقد انضم إلى أحد معسكرات اليمين المتطرف ـ وهو المحافظون والإصلاحيون الأوروبيون ـ حزب المحافظين بقيادة ديفيد كاميرون. وأبرز ممثليه في الوقت الراهن جورجيا ميلوني رئيسة الوزراء الإيطالية، ويضم حزب القانون والعدالة في بولندا. التجمع الآخر، أي الهوية والديمقراطية، يحتوي حزب (البديل من أجل ألمانيا) وحزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان، وحزب الحرية بزعامة جيرت فيلدرز في هولندا، وحزب ليجا بزعامة ماتيو سالفيني في إيطاليا.
ليست في البرلمان الأوروبي تحالفات رسمية تقوم بتشكيل حكومات. ولكن فيه بدلا من ذلك تحالفات تصويتية. وهكذا فإن التغير في تركيبة البرلمان السياسية قد لا تؤثر على من سيكون رئيس المفوضية القادم، فالرهان الآن على ولاية ثانية لأورسولا فون دير لاين (تدعمها جيورجيا ميلوني هي وحزب الشعب الأوروبي المنتمي إلى يمين الوسط).
لكن التحول إلى اليمين سوف يكون له تأثير ضخم على أجندة الاتحاد الأوروبي السياسية. فهو أولا سوف يقتل صفقته الخضراء، والصفقة الخضراء هي مشروع المفوضية المرموق. والجزء الأكثر إثارة للجدل في هذا البرنامج هو قانون استعادة الطبيعة الذي أجيز في يوليو 2023 بأغلبية ضئيلة. ويرغم القانون الدول على تخصيص 20% من مناطقها البرية والبحرية لاسترداد الطبيعية بحلول عام 2030. وهذا من أسباب احتجاجات المزارعين في جميع أنحاء أوروبا. إذ يرونه مشروعا تجميليا مفروضا عليهم ممن يعيشون في المدن. وكما هو الحال مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن الصراع السياسي في الاتحاد الأوروبي يتطور بشكل متزايد وفقا للخطوط الفاصلة بين المناطق الحضرية والأقاليم. وفي ظل الائتلاف اليميني المتطرف الذي يتوقعه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية كان لقانون استرداد الطبيعة هذا أن يجاز وذلك في ظل وجود أغلبية هييلية معادية للخضر في البرلمان الأوروبي.
يميل الوسط إلى الرد على اليمين بالغضب. وسيكون الأذكى أن يركز ساسة الوسط على السياسات التي أدت إلى صعود اليمين المتطرف. وإليكم قائمتي للمهام القصيرة.
أولا، إنهاء التقشف. فالتقشف يشكل آلة سياسية مدمرة في أوقات النمو الاقتصادي الضعيف. وكبح الديون الألمانية هو الأسوأ والأقل مرونة بين جميع القواعد المالية المسايرة للدورة الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي. ومن الناحية النظرية، ينبغي أن تسمح بسياسات مواجهة التقلبات الدورية. وفي الممارسة العملية، لا تسير الأمور على هذا النحو أبدا. إذ تنتهي الحكومات دائما إلى التقشف لأن هذا هو الطريق الأقل مقاومة.
ثانيا، معالجة مشكلة تراجع التصنيع. تتظاهر حكومتا فرنسا وألمانيا بأن ذلك لا يحدث.
وتحاولان عكس مساره من خلال تقديم إعانات دعم ضخمة للشركات الصناعية التي ليس لديها أمل في تحقيق الربح مرة أخرى. إن إعادة التصنيع وعد لا يستطيع الوسط الوفاء به، وهو ما سيضر بمصداقيته بشكل أكبر. وما يتعين على الحكومات أن تفعله بدلا من ذلك هو تقديم استراتيجية لنظام ما بعد الصناعة. الجميع يتحدث عن التهديدات، وقليلون للغاية من يتحدثون عن الفرص.
ثالثا، التحلي بالواقعية بشأن أوكرانيا. مع قيام الولايات المتحدة بإسقاط دعمها المالي والعسكري لكييف، فإن العبء المالي يقع على عاتق الاتحاد الأوروبي. في أوقات معاودة القيود المالية للظهور، تمثل أوكرانيا هبة من السماء لليمين المتطرف. ويتعين على الاتحاد الأوروبي أن يعمل على استراتيجية خروج أخرى غير تحقيق النصر الكامل.
وأخيرا، تحري الجدية مع قضية الهجرة. عليكم أن تحلوا المشكلة. وما أوثره أنا على المستوى الشخصي هو انتهاج سياسة أكثر نشاطا للتعامل مع أفريقيا والشرق الأوسط. فليس بوسع الاتحاد الأوروبي أبدا أن يحمي حدوده البحرية التي يسهل اختراقها وممراته الجبلية بالقوة وحدها.
إن ما يجري الآن هو أن الأخطاء السياسية المتسلسلة التي ارتكبت على مدى العقد الماضي ـ في سياسة الطاقة، والسياسات الصناعية، والسياسات الدفاعية، ومنطقة اليورو ـ بدأت تتجمع معا. وإنني أرى قوة اليمين المتطرف في أوروبا بوصفها مقياسا لإخفاقات سياسات الوسط. فلم يكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي نتيجة لكذب أشرار على أغبياء، وإنما حدث لأن العلاقة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي أصبحت غير قابلة للدوام. ولو أنكم حريصون حقا على إلحاق هزيمة باليمين المتطرف، فلعل البداية هي الاعتراض على التقشف. وحل المشكلة.
فولفجانج مونشاو كاتب مقال في مجلة نيوستيتسمان ومدير وكالة الاستخبارات الأوروبية.
الترجمة خاصة لـ عمان