الزلزال السياسي في سوريا .. آمال ومخاوف !
ربما لم يكن ما افترضناه من قراءة سابقة في مقالنا الأخير على ذلك النحو الذي توقعنا معه شتاء ساخنًا في سوريا، نسبةً لكثير من معطيات ملفات الحروب التي تحيط بمنطقة الشرق الأوسط وتشابكاتها، وإن كنا قد ألمحنا إلى متغيرات إقليمية ودولية أثرت على نحو بالغ في ارتخاء وضعف قوة حاضنتي النظام السوري (روسيا وإيران).
إن ما جرى خلال يوم 7 ديسمبر والسقوط الدراماتيكي للنظام بسقوط دمشق في أيدي قوات المعارضة السورية، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع، كان زلزالًا سياسيًا مفاجئًا للجميع، وهو بصورة أو بأخرى، تغيير لا يزال أمامه الكثير من عقبات المأساة السورية.
مع ذلك لا يغيب على المراقب طبيعة المعادلات الدولية والإقليمية التي ذكرنا طرفًا منها في المقال السابق. فقد كان للدورين الخارجيين، التركي والأمريكي، أثر حاسم في تفاعل مجريات الأحداث على ذلك النحو المتسارع كنتيجة من نتائج الأوضاع التي خلفها ضرب النفوذ الإيراني في دمشق عبر إسرائيل على خلفية عملية طوفان الأقصى، وكذلك على خلفية الضغط الأوروبي الأمريكي منذ عامين على روسيا في ملف حرب أوكرانيا.
ما زال المستقبل غامضًا في سوريا، وعلى السوريين الاستفادة من تجارب الآثار السلبية لحراك الربيع العربي في المنطقة (وهو أمر لا يبدو واضحًا حتى الآن في قرارات المعارضة) ذلك أن ما رشح في اختيارات قائد هيئة تحرير الشام؛ من تكليفه لرئيس حكومة الإنقاذ السابقة في إدلب، محمد البشير، بتولي رئاسة حكومة انتقالية جديدة في دمشق لا يعكس وعيًا حقيقيًا بطبيعة التحديات الكبرى التي ينبغي أن تواجهها حكومة انتقالية سورية يتعين عليها إدارة ملفات بالغة التعقيد في تحدياتها السياسية والأمنية والاقليمية ولا يمكن بطبيعة الحال لرئيس سابق لحكومة صغيرة في مدينة إدلب أن يضطلع بمهام الاستجابة لتلك الملفات.
كل الخشية؛ ألّا يكون هناك استدراك سريع لتلافي هذا الخيار الذي عكس، من ناحية ثانية، توجهًا إيدلوجيًا لشخصية الرئيس المعيَّن قد لا يتناسب مع ما تحتاجه سوريا اليوم لمواجهة التحديات التي تحيط بها.
حتى الآن، مازال الوقت مبكرًا للتكهن بمآلات الأمور. وبالرغم من التحولات المعلنة في حديث لقائد هيئة تحرير الشام أحمد الشرع، إلا إن الكثير من الاستحقاقات رهينة بالعمل على نحو يطابق الأقوال بالأفعال ويطمئن الجميع في سوريا.
فكل من الولايات المتحدة والغرب، وإن أبديا نوايا حسنة في احتمال رفع اسم هيئة تحرير الشام من لوائح المنظمات الإرهابية، إلا أن الوقت ربما كان مبكرًا لاتخاذ قرار أمريكي غربي كهذا.
تأتي التجربة السورية في إنهاء حقبة الأسد بعد عقد ونصف من الصراع، وبعد أن دفع الشعب السوري ثمنًا باهظًا بلغ نحو مليون شخص قتلوا في ذلك الصراع، وتهجير داخلي وخارجي طاول نصف الشعب السوري. لكنها مع ذلك هي تجربة لا تزال مفتوحةً على كل الاحتمالات والتحولات لنسق نتائج تجارب الربيع العربي في المنطقة.
ومع اختلاف التجارب في كل بلد عربي على حدة، خلال ذلك الربيع العاصف، تبدو التجربة السورية اليوم أكثر حساسيةً وغموضًا لناحية موقعها الجيوسياسي وطبيعة التأثير الكبير الذي يمكن أن تحدثه تجربة سياسية سورية منفتحة على جميع الاحتمالات، إيجابًا و سلبًا.
في تقديرنا، سيظل هذا جزءًا مهمًا من القدرة على قراءة التحولات والتعاطي معها إيجابيًا رهينًا بالسلوك السياسي لتحالف المعارضة السورية التي تولت السلطة في دمشق. وإذا كانت الضربات الجوية الإسرائيلية لغالبية قواعد الجيش السوري تعكس استباقًا للاحتمالات الغامضة في طبيعة تصرف القادة الجدد لسوريا، فلا أحد يعلم طبيعة السياسة القادمة لترامب مع الوضع السياسي الجديد في سوريا، إلا أن هناك الكثير من الدوافع التي قد تجبر ترامب على الانخراط في الملف السوري، لاسيما وأن الرئيس دونالد ترامب هو الذي تمكن من القضاء على تنظيم داعش في المنطقة خلال ولايته الرئاسية السابقة.
ثمة الكثير من التحديات أمام المعارضة السورية المسلحة، ولعل جولات قادمة من صراع محتمل بين داعش وهيئة تحرير الشام قد تفسر الكثير وترسل أكثر من رسالة لأكثر من جهة في المنطقة والعالم.