الرهانات على اقتصاديات المواسم السياحية.. خريف ظفار أنموذجا
المتأمل في خريطة المواسم السياحية في سلطنة عمان يلحظ أنها تؤسس الآن تعددية في الماهيات والبيئات، وترتبط بمقومات مفاصل جغرافية على امتداد مساحتها التي تعد الثالثة في شبه الجزيرة العربية، والأهم هنا، أنها قد أصبحت مصدر دخل لمحافظاتها، وكذلك مصدر دخل للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ومبادرات شبابية أصحابها لا يزالون على مقاعد الدراسة، مما يرسخ فيهم ثقافة العمل الحر، ويثبت أقدامهم فيه، عوضا عن ثقافة العمل الحكومي، وهنا ينبغي أن نضع المواسم في سياق مآلاتها الراهنة والمستقبلية، وهي أنها قد أصبحت تُسهم في تغيير ثقافة العمل عند جيل الشباب، وأنها أصبحت سياحية وثقافية وتجارية.. عوضا -كما أشرنا- عن أنها أصبحت تمنح المحافظات مصادر تمويلية أكبر، إضافة إلى كونها أداة كبيرة لتشجيع وتفعيل السياحة الداخلية.
ومن بين المواسم السياحية التي يمكن الحديث عنها هنا، مهرجان مسقط ، الذي يقام في الفترة من 10- 18 فبراير من كل عام، ومهرجان المغامرات الصحراوية برمال الشرقية في ولاية بدية بمحافظة شمال الشرقية من 29 يناير إلى 4 فبراير من كل عام، ومهرجان التراث البحري العماني بولاية صور من 3- 14 فبراير، ومحافظة ظفار قد أصبحت تصطبغ بسمة المواسم على مدار العام تقريبا، فهناك خريف ظفار من 15 يوليو إلى نهاية سبتمبر، ومهرجان الربع الخالي، ويقام في فصل الشتاء في منطقة شصر بولاية ثمريت، وهناك مهرجان الربيع الذي يطلق عليه محليًا «الصرب».
ما يطرح التساؤلات هنا حول كيفية تطوير هذه المواسم باستمرار، والعمل على نشر فكرة المواسم السياحية في بقية المحافظات استغلالا لمقوماتها السياحية، وأن تكون جاذبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وأداة لتغيير ثقافة الشباب عن العمل الحر، وفي موسم خريف ظفار 2023 تنشط المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بتنافسية غير مسبوقة، لم تتمكن من خلالها مؤسسات صغيرة ومبادرات الشباب من المنافسة لعدم قدرتها المالية، رغم أننا نرى أن المبادرات الشبابية الفردية ينبغي أن تضمن نصيبها من المنافع، وذلك لدواعي ترسيخ ثقافة العمل الحر، فكلما رأى الشباب فوائد العمل الحر، كان ذلك كفيلا بتغيير ثقافة انتظار الوظيفة الحكومية أو في القطاع الخاص، ومثل هذه المواسم السياحية فرصة كبيرة لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي.
ويُحسب لبلدية ظفار حرصها على تعدد أمكنة الفعاليات والمناشط بدلا من تمركزها في مكان واحد كما كان سابقًا وكلما تتعدد وتتنوع الأمكنة، يزداد عدد المؤسسات والشباب في الانتفاع «كما ونوعا» وبذلك نحقق الأهداف التي أشرنا إليها سابقا، ونشدد على تعدد أمكنة توزيع الفعاليات والمناشط الجماهيرية، عبر إعمال الفكر في الجديد منها، كأن تكون ولايتا طاقة ومرباط ومنطقة المغسيل امتدادا فاعلا وجاذبا للفعاليات والمناشط الأساسية، ففيها من عوامل الجذب السياحي المتنوع ما يجعلها فعلا امتدادا متناغما مع الفعاليات والمناشط الأساسية في المواقع في صلالة، وقد تكون هناك بعض الفعاليات، لكن الحديث هنا عن زخمها -كما ونوعا -.
ولتعظيم المردود المالي لخريف ظفار نتساءل، لماذا تربط انطلاقة الموسم السياحي لخريف ظفار بمنتصف يوليو من كل عام رغم أن الاستثنائية الخريفية تبدأ فلكيا من يونيو وتنتهي في سبتمبر، فالاستمرارية الزمنية بهذه الاعتيادية هي عادة قديمة، وهذا يعني حرمان إيرادات كبيرة للمؤسسات الحكومية أو الخاصة وعلى رأسها بلدية ظفار والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فمنذ يونيو وحتى منتصف يوليو فترة ينبغي أن تُستغل كاملة، وباستثناء فترة عيد الأضحى المبارك التي شهدنا فيها تدفقًا سياحيًا، ثم اختفى هذا التدفق، بانتظار شهر أغسطس ذروة التدفق السياحي.
ونقترح التفكير من الآن لخريف 2024، وإعداد خطة ترويجية وإعلامية لتغيير ثقافة الذروة الخريفية التي تستقطب السياحة الداخلية والخليجية، فمن يتابع بدايات الخريف، كما هو خريف 2023، سيتساءل عن سبب محدودية التدفق السياحي فيه، فالبداية كما نعيشها دائما بكل تجلياتها الرذاذية والضبابية واحتجاب الشمس والاخضرار الذي يكسو الجبال، والهواء العليل.. كانت تستدعي أن يكون لها جاذبيتها في توقيتها، ومن هنا ينبغي كسر النمطية في التعامل مع خريف ظفار، فهذه النمطية تؤثر في اقتصاديات الخريف، ونحمل هنا هم إيرادات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي أرست عليها مزايدات بعروض مالية عالية، لذلك ينبغي أن تستغل فترة الخريف كاملة، وكذلك مساعي الأسر للاستفادة من إيرادات الخريف لكي تعينها على تجهيز أبنائها للمدارس وتغطية التزامات أساسية متعددة.
إن قضية العمل على استغلال فترة الخريف كاملة، هي مصلحة عامة، لأنها ستخفف من حدة الاختناقات المرورية وضغوطات الطلب على الخدمات والمرافق العمومية والخاصة.. في ضوء التوقعات بأن يبلغ سياح وزوار خريف 2023 أكثر من مليون، وهناك أكثر من «160» رحلة طيران أسبوعيا لظفار خلال هذا الموسم السياحي، من السعودية لوحدها «13» رحلة أسبوعية، وكلها مبرمجة على ثقافة الذروة، لذلك، فالحملات الإعلامية الترويجية ينبغي أن تعمل على تسويق الخريف من بدايته إلى نهايته بصورة واقعية وموضوعية.
ونقترح كذلك تطوير كل المهرجانات السنوية الأخرى في محافظة ظفار «الصرب والربع الخالي.. الخ» بحيث نجعلها جاذبة، وتستحوذ على اهتمامات الشباب ودخولهم إلى عالم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وجعل هذا العالم خيارا استراتيجيا للجيل، وهذا لن يتأتى إلا إذا جعلنا المواسم مصدر دخل مستدام، وهنا إمكانية مضمونة، فالمواسم السياحية سالفة الذكر متعاقبة مع تعاقب الفصول ومتداخلة، فعندما ينتهي الخريف، يأتي الربيع «الصرب» وبانتهاء هذا الفصل يأتي الشتاء.. وكل فصل له استمتاعه وجاذبيته، وجمهوره الداخلي والإقليمي، وهذا التعدد المتوالي في المواسم السياحية يعزز من إيرادات البلدية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.. ويكسر الموسمية السياحية، بمعنى أن الاستفادة لن تكون موسمية، وإنما على مدار العام.
وقد أصبح الحديث عن تعزيز وتطوير البنية الأساسية للسياحة له استجابة ملموسة، لكن تغرق في مدد زمنية تفقدها ميزة معالجة المشكلات في التوقيت المناسب، فمثلا، اعتمدت مشروعات أساسية للبنية الأساسية تفك الاختناقات المرورية في صلالة، والحاجة السياحية والتجارية لها في كل مواسم ظفار، مثل نفق دوار أتين، وازدواجية كل من شوارع السلطان قابوس بصلالة والسلطان تيمور والفاروق، ومؤخرا اعتمد ازدواجية طريق ريسوت-المغسيل، وندعو هنا إلى إنجازها قبل خريف 2024، وإذا أنجزت ستحدث نقلة في حركة المرور، وستحدث الفارق الجديد للخريف المقبل، وهنا نتساءل مثلا، هل «9» كم، ازدواجية شارع السلطان قابوس تتطلب سقفًا زمنيًا ما بين عامين إلى ثلاثة كحدّ أقصى ؟ بل إن المصلحة العاجلة تستوجب الفورية في الازدواجية.