التوجه الاستراتيجي نحو المستقبل

15 يناير 2025
15 يناير 2025

يعتبر مرور 54 عاما من عمر الدولة العمانية الحديثة حقبة زمنية كافية كي يكون لدينا فكر استراتيجي عماني مطالب بتقديم حلول مناسبة لمعالجة تحديات المرحلة الحالية ويستشرف المستقبل وآفاقه بشكل عملي وعلمي.

على الفكر الاستراتيجي العماني أن يكون ذكيا فلا يهتم فقط بـ «إلى أين نريد أن نصل؟ ولكن كيف نصل إلى هناك؟» عليه أن يقدم سيناريوهات وبدائل للتعامل مع تحديات تطوير التنمية في سلطنة عمان وكيف نعالج مشكلاتنا في ظل الفرص والتحديات الموجودة في البيئة الخارجية والداخلية؟ مع الآخذ بالاعتبار أن ليس ما كنا نقوله بالأمس، بالضرورة صالح لليوم وللمستقبل، فالظروف قد اختلفت والمشاكل تنوعت والتحديات الداخلية أصبحت في مستوى التهديدات الخارجية وربما تفوقها، ورياح التغيير تشمل كل شيء، وعلى الفكر الاستراتيجي العماني مسايرتها والتعامل معها.

إن «رؤية عمان 2040» كمظلة تنظيمية بأطرها ومكاتب التنفيذ وأفرعها في المحافظات والدوائر الحكومية يجعل التوجه الاستراتيجي يتقدم بشكل حركي وديناميكي على الأرض وبمسارات استراتيجية تتضمن أبرز المؤشرات المطلوب تحقيقها للوصول إلى الرؤية ومرتبطة بشكل وثيق مع عدد من الأولويات الوطنية لتضع السلطنة على خارطة التصنيف العالمي على مدى العقدين القادمين. كما رسمت التوجهات والأهداف والسياسات الرئيسة الكفيلة بترجمة هذه الأهداف إلى خطط عمل تنفيذية محددة المعالم والتطلعات، ومقيدة بإطار زمني تقيس وتقيم مؤشرات الأداء المحلية والعالمية بموضوعية وشفافية. إن الرؤية تشكل بوصلة مهمة لتوجيه القطاعات إلى المستقبل وأهدافه الاستراتيجية وبما يساعد على مراقبة ومتابعة الأداء الحكومي إجراءات وخدمات وإنتاجية، وبالتالي تعزيز ثقافة الأداء والمساءلة والشفافية المنشودة.

ولعل تجربة «رؤية عمان 2040» تدل على إدراك مهندسي تلك الرؤية بالأولويات الوطنية المرتبطة بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية وتكنولوجيا المعلومات وإدارة الموارد البشرية... الخ، وقد أدى ذلك إلى أن تركيز تلك الرؤية ونطاقها متسقان مع المشروع العماني الهادف إلى التطوير وإكمال زخم التقدم والبناء بثبات وبتركيز كبير على إيجاد مجتمع إنسانه مبدع وبيئته عناصرها مستدامة واقتصاد بنيته تنافسية ودولة أجهزتها مسؤولة. إن الرؤية هي بمثابة خارطة طريق لخطة استراتيجية وطنية شاملة يشارك في تنفيذها الجميع من حكومة ومواطنين وقطاعات عمل، وبالتالي يتحقق الترابط الاستراتيجي بين أنشطة القطاعات بالدولة، فكل قطاع يعمل بتكامل حقيقي مع القطاعات الأخرى، وسيمكن الجميع من فهم الصورة الكبيرة (عمان الغد) والارتباط الاستراتيجي بين القطاعات بشكل رأسي وأفقي.

عليه فمن الضروري الإيمان بأن الرؤية الوطنية ستسهم في تشكيل القوة الناعمة العمانية وتوجهها لمساندة الدولة في سبيل تنفيذ الاستراتيجيات وبشكل يساعد على تأسيس شراكة حقيقية بين الحكومة وكل من القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني. إن تطوير الرؤية جاء لتنظيم نشاط الدولة للولوج إلى نادي التنافسية الدولي من خلال تقييم مقومات المنظومة الوطنية وتحليل نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات فيها، وبناء عليه تعزيز قدرة جميع قطاعات الوطن لتتحرك بطموح وثقة في مسارها الاستراتيجي من مواطن الضعف إلى مواطن القوة وتحويل التهديدات إلى فرص، مع التأكيد على تبني مفهوم استراتيجي للتربية والتعليم والبحث العلمي، فعلى قطاع التعليم أن يركز على تنمية وصقل الكفاءات والمهارات (competency-based system) وأن يكون مشعلا استراتيجيا رائدا لتخريج أجيال لديهم مهارات سوق العمل القادرة على تلبية متطلبات ذلك السوق وتخصصاته المتنوعة ومتسلحين بالقيم والصبر وحب الوطن وبعيدا عن الرؤى الفردية التي أدت إلى استنساخ تجارب مستهلكة لا تتواكب مع روح العصر ولا تتناسب مع الثقافة العمانية.

إن استمرارية الحلم بخطة استراتيجية وطنية لعُمان الغد أمر مشروع ويمكن تحقيقه متى ما استطعنا تطبيق المفاهيم العلمية بشكل منهجي من خلال تبني مبادئ قيادة التحول لإيجاد خارطة للمسار الاستراتيجي لتعمل كبوصلة موجهة تحقق التنسيق والتكامل المطلوب لعمل قطاعات الدولة وتطوير أدائها وتحفيز القطاع الخاص ليكون شريكا حقيقيا فاعلا للحكومة. ولعل ذلك المسار سيوجه ويرشد الإنفاق العام ليلبي مقتضيات أولويات المصالح الاستراتيجية للدولة والمواطن من خلال عملية منهجية لإدارة المشاريع التنموية والتطويرية على اختلاف نطاقها وطبيعتها (الاجتماعية، والصناعية، والزراعية، والاستثمارية، والخدمية، والأمنية، والتقنية، والتعليمية، ... الخ)، كما سيعمل المسار الاستراتيجي على تعزيز عمليات الرقابة على مختلف محاور التنفيذ من خلال متابعة الخطط القصيرة المدى التي تنفذ في كل قطاع لتحقيق الأولويات الوطنية للتأكد من أنها تسير كما وكيفا وزمنا تجاه تحقيق مستهدفات الرؤية والخطط والبرامج العامة، وذلك ما سيؤدي في النهاية إلى طرح حزم من الترتيبات والحلول الاستراتيجية الفعالة والقابلة للتطبيق على الأرض والهادفة إلى تنمية اقتصادية واجتماعية وتعليمية وإنسانية مستدامة وجادة محورها الأساسي المواطن المخلص لوطنه وقيادته والملتزم بهويته وقيمها الأصيلة ويحقق من جانب آخر التصور المنشود «لرؤية عمان التي نريد».