التبرع بالأعضاء.. استثمار حياة لحياة

13 أكتوبر 2024
13 أكتوبر 2024

يتعرّض كثير من المرضى الذين يقتاتهم القلق وينال منهم اليأس إلى خطر الوقوع في شرك الوهم وأحابيل التحايل والنصب، وفي ذلك قصص نسمعها، ومشاهدات نتابعها لضحايا الوهم طلّاب الأمل في الشفاء والعافية بما يملكون من سبل مهما بدت شاقّة أو بعيدة، يسافر أحدهم متشبثا بإمكانيات محدودة بحثا عن متبرع في بلاد بعيدة، قد يكون متبرعا وهميا أراد الحيلة وصولا لمال هذا المريض بعيدا عن أي قيمة للإنسانية أو شرف العهد، ولو صدق المتبرع فإن احتمالية فشل عملية التبرع واردة مع تحايل بعض الأطباء سعيا للمال في إجراء عمليات نقل الأعضاء بظروف غير صحية مقابل الأمان الصحي في المستشفيات المرخّصة مضاعفة لأجرتهم؛ حيث تتم عملية نقل الأعضاء في منزل أو مكتب أو غيرها من الأماكن غير المهيأة لطبيعة العمل الطبي تعقيما وتجهيزا، فضلا عن احتمالية الإتجار بالأعضاء البشرية حيث استغلال حاجة المتبرع المادية لتعريض حياته للخطر سعيا للحصول على ما يتبرع به من أعضائه دون أي اعتبارات لصحته وضمانات لحياته، واستغلال حاجة المريض اليائس بحثا عن متبرع بعضو هو في أمسّ الحاجة إليه، ليست هذه مجرد حكايات مبتدعة وأقاويل مكذوبة بل واقعٌ يعرفه كثير منا وقد ذهبت بسببه أرواح كثيرة نهب التعلق بالأمل البعيد مع محدودية الإمكانات ماديا ومعرفيا، لذلك وجب الحديث حول جانب من جوانب التقدم في المجال الصحي عالميا ومحليا؛ ذاك هو مجال زراعة الأعضاء فيما لا تصلح معه المجالات الأكثر تقدما حيث الحديث المعاصر عن الأعضاء الصناعية.

موضوع هذه المقالة هو ثقافة التبرع بالأعضاء ومسؤوليتنا جميعًا في نشر الوعي حول أهميتها وضرورة تعزيزها والحث عليها؛ لما لها من أثر عظيم في حياة الناس ونقلهم من حالتي اليأس والمرض إلى حالتي الأمل والعافية، والواجب كذلك استقراء الواقع في سلطنة عمان الذي يحيلنا إلى المركز العماني لزراعة الأعضاء الذي جاء بمباركة من حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- والذي يقوم بتنظيم عمليات نقل وزراعة الأعضاء في سلطنة عُمان من خلال إنشاء دائرة البرنامج الوطني لزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية لوضع استراتيجيات متكاملة وتطوير القوانين والسياسات الوطنية المتعلقة بنقل وزراعة الأعضاء، إضافة إلى إنشاء قوائم انتظار وطنية لمرضى الفشل العضوي لتحديد الأولوية في الحصول على زراعة الأعضاء، كما يقوم البرنامج بوضع المعايير اللازمة ضمانا لسلامة المتبرعين بالأعضاء ونجاح عمليات الزراعة للمتلقين، كل ذلك يستوجب توعية المجتمع بأهمية التبرع بالأعضاء سواءً أثناء الحياة أو بعد الوفاة كون الإنسان هو المصدر الوحيد للأعضاء، ثم وضع الأدلة والبروتوكولات العلاجية والسريرية والأخلاقية، ويأتي تأسيس الرابطة العُمانية لزراعة الأعضاء تحت مظلة الجمعية الطبية العُمانية رافدا للإسهام في توعية المجتمع بأهمية هذا العمل الإنساني النبيل حيث يمكن للمتبرع المتوفى الإسهام في إنقاذ حياة ثمانية مرضى، كما تُسهم في تدريب الكوادر الطبية والطبية المساعدة من خلال تنظيم اللقاءات والندوات والمؤتمرات العلمية لإطلاعهم على آخر المستجدات في مجال زراعة الأعضاء، حيث تعمل الرابطة مع وزارة الصحة ومختلف الجهات ذات العلاقة دعما للبرنامج الوطني لزراعة الأعضاء، أما مشروع قانون تنظيم التبرع وزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية فهو ما ننتظره جميعا بإلحاح وترقب، كما ننتظر زيادة عدد المتبرعين وعيا بأهمية التكافل الإنساني المجتمعي، ولا ننسى تضمين هذه المقالة وسائل التبرع متمثلة في تطبيقين يمكن الوصول إليهما حيثما كان المتبرع وهما: تطبيق الشفاء الذي تم تطويره من قبل وزارة الصحة لتزويد المواطنين والمقيمين في سلطنة عمان ببياناتهم الطبية وإمكانية التسجيل بيسر وسرعة من خلال التطبيق مع إمكانية تغيير الرغبة في أي وقت، إضافةً إلى تطبيق ثمانية الذي تم تطويره في المستشفى السلطاني وهو تطبيق يهدف إلى تثقيف المتبرع بكل الأمور المتعلقة بالتبرع والزراعة.

ختاما؛ تذليل الصعوبات وتجاوز التحديات سعيا لإنقاذ المرضى الذين يعانون فشلا عضويا، ليس ترفا نمارسه ونتحدث عنه، بل واجب وطني يمثّل برنامجا إنسانيا ساميا في التكامل والتكافل، برنامجا يعاني تحديات أولها وجود المتبرع، المتبرع الذي حال تردده بينه وبين هذا العمل الخيّر، فهل يبقى من هذا التردد شيءٌ بعد اليقين من شرعية التبرع وأجر المتبرع المنقذ حياة، وربما حيوات عديدة في قرار تبرعه بالأعضاء سواء عند الحياة أو بعد الموت؟! الحياة هنا للطرفين: المُتَبرَّع له عافية يلقيها الله في جسده بعضو من أخ لا يربطه به إلا رباط الإنسانية، والمُتَبرِّع نفسه إذ يلقى أجرا عظيما بإنقاذ حياة إنسان مهدد بالموت، حين يضنينا التفكير في صدقة تبقى بعد الفناء فلا أجلّ حينها من إنسان يمنحه الله بإذنه حياة بسببٍ سخرّنا له وهيأنا لنيل شرفه.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية