البـديـل
أكتب هذا المقال لأمثالي ممن لديهم فضول حول كتاب الأمير هاري، ومن لا يُريدون-في الوقت نفسه- أن يلعبوا أي دور في الحمى الملكية هذه، أو مضاعفة ثروات أفرادها عبر اقتناء الكتاب. استعرض مراجعتين مفصلتين للكتاب. الأولى هي مراجعة رئيس تحرير الـ«Current Affairs» ناثان جي روبنسون، المعنونة بـ«There Are No Good Royals»، والمراجعة الثانية لـ أندرو أوهاجان المنشورة على «The London Review of Books» بعنوان «Off His Royal Tits».
يُركز ناثان جي روبنسون على أن ما ينتقده هاري من سلوك العائلة الملكية البريطانية متعلق بالطريقة التي تم بها التعامل معه ومع زوجته، لكنه لا يتجاوز هذا إلى انتقاد النظام الملكي نفسه الذي يجده الكثير من البريطانيين ليس مبتلى بالتقليدية فحسب، بل ولا مبرر لوجوده. نقمة هاري على العائلة الحاكمة نابعة من أنه لا يتحصل على ما يريد، ليس بقدر ما يأمل على أي حال.
يُنقد الكتاب لأنه يُقدم على أنه كشف للحقائق. الحقيقة التي هي بيد الأمير وحده. بينما لا يكشف هذا سوى عن فهم مبسط للأمور وتعقيداتها.
لعل الموضوع الأكثر إثارة للاهتمام هو مشاركة هاري في الحرب على أفغانستان. يُشير أندرو أوهاجان إلى انفصال الأمير عن الواقع الذي يعيشه الإنسان «العادي» (والذي يُؤكد الأمير بكل قوة أنه يُريد أن يكون جزءا منه). إذ يسرد لنا الأمير هاري دون خجل عدد الذين نجح في قتلهم (والذين تأسّف لأنهم نجوا من نيرانه)، في حرب يجدها العالم غير عادلة وغير مبررة.
«لطالما كان بإمكاني الكشف بدقة عن عدد المقاتلين المعادين الذين قتلتهم، ولطالما شعرتُ أنه من الأهمية بمكان أن لا أتناسى هذا الرقم. تحمل المسؤولية هي أحد أهم القيم التي تعلمتها في الجيش من بين العديد من الأشياء الأخرى. وإذا فرقمي هو خمسة وعشرون. لم يكن رقما يُشعرني بالرضا، كما لم يكن رقما يُشعرني بالعار أيضا. كنت أفضّل -بطبيعة الحال- أن لا يُوجد هذا الرقم في سيرتي العسكرية، ولكن على المنوال نفسه كنت أفضل أن أعيش في عالم لا توجد فيه طالبان، عالم بلا حرب ... في خضم استعار المواجهة، لم أفكر في هؤلاء الخمسة والعشرين باعتبارهم بشر. لا يمكنك قتل الناس إذا كنت تعدهم بشرًا. لا يمكنك حقًا أن تؤذي البشر إذا فكرت فيهم كبشر. كانوا مجرد قطع شطرنج أزيلت عن اللوح، ثلة من الأشرار قُضي عليهم قبل أن يتمكنوا من قتل الأخيار. لقد تدربت -تدريبا جيدا- على «إخراجهم other-ize them». أُدرك -على مستوى ما- أن هذا الانفصال المكتسب يمثل مشكلة. لكنني رأيت أيضًا أنه جزء لا مفر منه من التجنيد ...».
يحكي أنه حين عُيّن في أحد المخابئ التي ينوي استهدافها، قدم طلبا بألفي باوند من المتفجرات، لكن الأمير لم يُزود في النهاية سوى بربع ما طلب. لكنه لم يسمح للخيبة أن تتسلل إليه، يقول: «لم يفلت الجميع، هكذا عزيت نفسي. عشرة -على الأقل- لم يغادروا المخبأ. لكانت قنبلة أكبر كفيلة بأداء المهمة. ربما في المرة القادمة، قلت لنفسي».
يتحدث الأمير مطولا عن تعامل العائلة معه. عدم قدرة أبيه على إظهار العاطفة، الحادثة التي اعتدى فيها أخوه عليه، المزيد من إساءات ولي العهد، عن كونه «البديل الاحتياطي» للملك القادم. إنه يسعى للتحرر من كل هذا، للانعتاق من مسؤولياته الأميرية، لكنه غير مستعد بالمرة لخسارة الامتيازات.
لعل ما تتفق عليه المراجعتان أن مذكرات الأمير هاري تكشف انفصالا عن الواقع. وهي خالية تماما من أي انشغال بالشأن العام، أو دعوى حقيقية لإصلاح النظام الملكي، فما بالك باستبداله. نقمة الأمير على أسرته -كما يبدو- لا تتعلق بكونهم يحصلون على امتيازات لا مبرر لها، بل تتعلق بأنه لا يحصل على ما يرضيه من الامتيازات.
معرفة أن مذكرات الأمير كتبها كاتب مستأجر«ghostwriter» يجعل التعاطف مع هاري أصعب حتى في الأجزاء التي يتحدث فيها عن فقدانه لوالدته مثلا، انعدام الخصوصية، أو وجوده في أسرة يتواصل أفرادها عبر الحاشية ويُسوون خلافاتهم عبر الحروب الصحفية. ما يستشعره القارئ -حسب روبنسون- هو أن هذه المذكرات مطبوخة ضمن حملة علاقات عامة. وها هو الأمير الذي ما انفك يشكو من التطفل الإعلامي ومضايقات الصحفيين والپاپاراتزيز، الذين حمّلهم مسؤولية وفاة والدته - ها هو يلجأ إليهم، عبر مذكراته وعبر وثائقي نتفليكس، وكأنه لا يعرف إلا أن يكون وسط اللعبة، وسط الاهتمام.
يبدو أن خطة الأمير في أن يكون عاديا غير ممكنة، وأن الكتاب الذي قدّمه «لإثبات لطفه ومظلوميته» لم يترك لدى الجمهور بالضرورة، الانطباع نفسه. إذا كنتُ تبحث عن الدراما الملكية ففي هذا الكتاب لقيتك بالطبع، ولكن إن كنت تبحث عن فهم أعمق للأمور عبر شهادة رجل نزل للتو من قمة الهرم، ربما يكون من الأجدى وضع مالك في كتاب آخر. لعل من أكثر الأمور المخيبة للآمال أن هذه الشهادة تقدم دليلا على انعدام الرؤى المستقبلية ضمن الأسرة الحاكمة، وأن هذا النوع من الحوارات الحقيقة حول الأمور الحقيقية التي تعني العالم لا مكان له هناك حتى. وتُدلل أيضا -على نحو غير مفاجئ طبعا- أن «الخير» الذي يُصدونه إلى العالم عبر حملاتهم الخيرية، ما هو إلا نوع من الموضة، لهذا لا يفاجئنا أن نقرأ عن عراك الشقيقين على من يُضيف القضية الإفريقية إلى ملفه.