الامم المتحدة والكيان الصهيوني

08 أكتوبر 2024
08 أكتوبر 2024

منذ قيام منظمة الأمم المتحدة في اعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية، كان الهدف الاساسي لقيام تلك المنظمة هو حفظ الامن والاستقرار وبسط مناخ السلام في العالم وحل الخلافات والصراعات بالطرق السلمية وفقا لميثاق الامم المتحدة ومن خلال التوافق السياسي بين الدول الاعضاء والذي تجاوز الآن اكثر من ٢٠٠ دولة. كما ان انضمام أي دولة لعضوية الامم المتحدة تكون وفق آليات قانونية والتزام بالميثاق وعدم خرق الاسس والاعراف والقوانين التي ارتضتها الدول الاعضاء.

ومن خلال متابعة اداء الامم المتحدة خلال اكثر من سبعة عقود نرى هناك خروقات عديدة للميثاق خاصة من القوى الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية والتي شنت عددا من الحروب الغير قانونية بداية من حروبها الاستعمارية في جنوب شرق اسيا خاصة في كوريا قبل الانقسام الى شطرين الجنوبي والشمالي، وشن حرب قاسية ضد فيتنام والفلبين مرورا بحربها وغزوها ضد أفغانستان عام ٢٠٠١ وغزوها ضد العراق عام ٢٠٠٣ وانتهاء بمشاركتها الحرب ضد قطاع غزة وعموم فلسطين من خلال المشاركة الفعلية بتزويد الكيان الصهيوني بأحدث الاسلحة الفتاكة خاصة القنابل القاتلة، والتي تسببت في قتل الاف الابرياء من المدنيين من الشعب الفلسطيني. كما دعمت امريكا الكيان الصهيوني بالمعلومات الاستخباراتية والدعم اللوجستي بحرا وجوا. ومن هنا فان الولايات المتحدة الأمريكية هي من اكثر الدول الاعضاء في الامم المتحدة خرقا للقانون الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الان.

السؤال أليس هناك آليات للعقوبات في الامم المتحدة ضد الدول الاعضاء التي تتجاوز الميثاق في سلوكها السياسي؟ والاجابة ان الامم المتحدة لا تستطيع فعل شيء حتى إدانة واشنطن، وهنا اصبحت الامم المتحدة اكثر ضعفا وتراجع دورها علي صعيد الازمات الاقليميه والدولية واصبحت فقط تصدر البيانات التي تعبر عن القلق وتدعو الى تخفيف التصعيد. كما ان الدول دائمة العضوية مارست خروقات ولكن بصورة اقل خاصة بريطانيا عندما شنت حربا على الأرجنتين خلال النزاع على جزر الفوكلاند وايضا التدخلات الفرنسية في افريقيا، خاصة في دول الساحل وجنوب الصحراء حتى انتفضت الشعوب الافريقية وقيادتها على التدخلات الفرنسية وطرد تلك القوات كما ان هناك الحرب التي تدور بين روسيا الاتحاديه واوكرانيا.

اما الكيان الصهيوني فهو نموذج صارخ في تاريخ الامم المتحدة ومنذ قيام الكيان عام ١٩٤٨ بفعل المؤامرة الاستعمارية البريطانية خلال الانتداب على فلسطين ومنذ انضمام الكيان الصهيوني الى منظمة الامم المتحدة والسلوك السياسي للكيان خارج عن الشرعية الدولية واصبح الكيان الصهيوني يتصرف وكأنه فوق القانون. ولعل من اكثر المواقف سفاهة في تاريخ المنظمة الدولية هو قيام مندوب الكيان الصهيوني بتمزيق ميثاق الامم المتحدة امام مندوبي الدول الاعضاء وامام الاعلام الدولي في خطوة تنم عن استهتار وقلة احترام لاهمية المكان والدول الاعضاء والسؤال هنا أليس هناك آليات في الامم المتحدة لمعاقبة الدول الاعضاء مثل التنبيه والانذار وحتى الطرد، خاصة انه يمكن تأمين تصويت مجموعة ٧٧ والتي تضم دول حركة عدم الانحياز من القارات الثلاث اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية. خلال حربها العدوانية الحالية على قطاع غزة ولبنان ارتكب الكيان الصهيوني وقياداته جرائم انسانية علنية نقلت من خلال شبكات الاخبار العربية والدولية خاصة قناة الجزيرة، والتي تعد احد القنوات الهامة التي نقلت مشاهد المجازر اليومية ضد الشعب الفلسطيني على مدى عام، كما تمادى الكيان الصهيوني في قتل عشرات الصحفيين الفلسطينيين والاطباء والمسعفين ورجال الانروا ودمر المستشفيات والمدارس والبنية الاساسية في غزة وجنوب لبنان ولم يحترم اي قانون انساني أو ميثاق الامم المتحدة بل أصدر الكيان منعا ضد الامين العام للامم المتحدة من دخول الكيان الصهيوني.

وعلى ضوء كل هذا الاستهتار هل يمكن القول بأن تصرفات الكيان تعبر عن سلوك دولة ام اننا امام مشهد عصابات الهاجانا وشتيرن خلال دخول العصابات الصهيوينة الى فلسطين خلال عقد الثلاثينات من القرن الماضي. ان الفكر الصهيوني الحالي وتصرفاته ينم عن تصرف عصابة ليس له علاقة بالتزامات الدول وحتى الدول الاستعمارية كان هناك الحد الادنى من احترام القانون، وعلى ضوء ذلك فاننا امام مشهد عصابات في الكيان الصهيوني ليس لها علاقة بسلوك الدول لا من بعيد او قريب.

ومن هنا فان مجموعة دول حركة عدم الانحياز لا بد أن يكون لها موقف صارم ضد الكيان الصهيوني في الجمعية العامة للامم المتحده من خلال فرض عقوبات او انذار بطرد الكيان الصهيوني من الامم المتحدة كما ان هذا الضغط من الدول النامية التي تمثل الأكثرية في عضوية الامم المتحدة سوف يشكل ضغطا سياسيا واخلاقيا علي الكيان الصهيوني.

ان الامم المتحدة هي كيان قانوني دولي ولها ميثاقها الذي ينبغي على جميع الدول الاعضاء احترامه وامام المشهد والسلوك الشاذ للكيان الصهيوني، وطالما هناك آليات في الامم المتحدة خاصة في الجمعية العامة وبعيدا عن حق النقض الفيتو الامريكي في مجلس الامن الدولي، فان تلك الخطوة سوف تمثل خطوة غير مسبوقة وتربك الكيان الصهيوني بل وتشكل احراجا لحليفه الامريكي التي تستضيف احد مدنه الكبرى وهي نيويورك مقر المنظمة الدولية.

قد تكون هناك ضغوط امريكية على الدول النامية للتخلي عن اي مشروع قرار في الجمعية العامة للامم المتحده ولكن على الاقل التلويح بالمشروع وترويجه اعلاميا واحداث ضجيج ضد الكيان الصهيوني ووضعه في موقف محرج امام المجتمع الدولي.

ان المجموعة العربية بالتنسيق مع دول الاتحاد الافريقي والدول اللاتينية وعدد من الدول الصديقة يمكن ان يخلق مجموعة تقدم مشروع القرار الى الامين العام وهذا امر قانوني وفق آليات الامم المتحدة وهناك حجج قوية ضد تصرفات الكيان الصهيوني ومن خلال ما يرتكبه من مجازر وقتل للمدنيين وايضا من خلال عدم احترامه لميثاق الامم المتحدة وتصرفاته الاقرب الي عمل العصابات. ان نتنياهو وحكومته المتطرفة تتحدث عن تغيير كبير في الشرق الاوسط ويقصد هناك المنطقة العربية من خلال المشروع الصهيوني العالمي ومن خلال التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول العربية التي طبعت للاسف مع الكيان الصهيوني، ومن هنا فإن هذا المشروع الصهيوني العالمي هو خطر كبير على الدول العربية وعلى مقدراتها واجيالها حيث ان القضاء على المقاومة الفلسطينية واللبنانية يعني الانتقال الى دول اخرى. ومن هنا فان المنطقة العربية مهددة وجوديا من خلال الهيمنة الصهيوينة الاقتصادية وطمس الهوية الوطنية والعربية وخلق مناخ يتحدث عن طمس الاسلام وايجاد ديانات وملل وفكر جديد يقوم على انصهار الشعوب واذابة الفوارق المجتمعية والسيطرة الصهيوينة على كل شيء في عالم عربي ليس له مشروع حضاري متماسك يحافظ على هويته العربية والاسلامية ويحفظ اجياله من التمزق والضياع، وقد بدأت الهجمة الصهيوينة على الاجيال العربية من خلال التقنية والحث على التمرد على ثوابت الأوطان الراسخة وايجاد ثقافة لا تمت للهوية والعادات والتقاليد الاصيلة وثوابت الاسرة باي صلة. ومن هنا فالذي حدث في السابع من اكتوبر ٢٠١٣ هو اجهاض جزء هام من المشروع الصهيوني الذي كان يهدف في احد جوانبه الهامة الى تصفية القضية الفلسطينية وخلق الشرق الأوسط الجديد والسيطرة على المنطقة العربية وفق تحالفات مشبوهة سوف تظهر خطورتها خلال عقود وفق مخطط خبيث مرسوم يحتاج الى يقظة والى ممكنات ثقافية وسياسية وفكرية لصد ذلك المشروع ومساندة المقاومة الفلسطينية واللبنانية وكل ساحات المقاومة.|

عوض بن سعيد باقوير صحفي وكاتب سياسي وعضو مجلس الدولة