الاستعداد لخريف 2023.. يبدأ من الآن وفق هذه الأجندة

31 أغسطس 2022
31 أغسطس 2022

قريبا سنطوي الموسم السياحي لخريف ظفار 2022، والتساؤل الذي ينبغي أن يطرح، ويشكل الشغل الشاغل من الآن هو ما هي طبيعة الخطوة التي ينبغي أن تتخذ الآن؟ والآلية التي ستتوقف عليها إدارة ضغوطات خريف 2023، ودونها -أي هذه الخطوة- ستتكرر الضغوطات في نسخها القديمة والجديدة، ربما بصورة أكبر، وقد تتكرر ظواهر كتلك التي شغلت الرأي العام إبان ذروة الخريف الحالي، من هنا فإن هذا التساؤل يطرح في سياق فترته الزمنية المستعجلة بهدف الاستعداد للموسم الخريفي المقبل في ضوء التحديات التي تتكرر في كل خريف، فحلها يتم وفق إطارين زمنين، هما قصير الأجل «سنة»، ومتوسط الأجل «خمس سنوات» بمبدأ التدرج السنوي في الإنجازات.

من هنا يلتقي عنوان المقال أعلاه مع التساؤل سالف الذكر، ونثيرهما مساهمة منا في إثراء نقاشات اللحظة الراهنة، ولدواعي تحريك الفكر المؤسساتي لاستغلال فرص الإطار الزمني القصير، وسنحاول لاحقا الإجابة التساؤل، ورسم أولويات هذا الإطار التي لا تؤجل، وقبل ذلك، لابد من تقديم الشكر والتقدير لكل المؤسسات والأجهزة وفاعليها المركزيين والمحليين لجهودهم في خريف 2022، فقد بذلت فيه جهودا ضخمة وفق ما هو واقع، والإمكانيات المتاحة لها للتعامل مع هذا الواقع.

والشكر والتقدير الرفيعان للساهرين على ديمومة الأمن واستتبابه، والذي يلمسه السياح والزوار بدءا من إقامتهم في الفنادق والعمارات والشقق الفندقية، وينتقل معهم الشعور بالأمن أينما تحط رحالهم على الشواطئ وفي الجبال والسهول والسواحل والكهوف وحتى الصحراء، ومهما كانت حركتهم الزمنية ليلا أم نهارا.

وعندما سألت مجموعة من السياح من مختلف الجنسيات عن شعورهم بالأمن، وهم على وشك مغادرة البلاد، أجابوا بالمعنى الآتي: أحسسناه أولا في دواخلنا منذ أن وطأت أقدامنا هذه الأرض الطيبة، فلم نجد فيها مكانا للقلق، ولا خشية من حجر ولا شجر ولا بشر، سواء كنا في أعماق الأودية، أو في منتصف الليل على خلجان مرباط الجميلة، كانت هذه المشاعر مؤثرة على كتابتي لهذا المقال، لذلك أخذت منه هذه الصدارة، وهي مستحقة، ودون الأمن، لا يمكن الحديث عن أي مستقبل للسياحة، مهما تعاظمت مقوماتها، وتنافست عليها دولها، ستكون هي والعدم سواء.

ومن الملاحظ في خريف 2022، أنه أول خريف لنظام المحافظات والمحافظين الجدد وفق صلاحيات اللامركزية، وهذا يجعل النظام اللامركزي أكثر اطلاعا عن قرب بطبيعة التحديات التي واجهت خريف 2020 والتي هي في الأصل متكررة، لذلك فمن الأهمية أن يبدأ الاستعداد لخريف ظفار 2023 من الآن، وهنا نقترح تشكيل لجنة محلية برئاسة المحافظ، ومكونة من كل المؤسسات المعنية بملف السياحة في المحافظة، الحكومية والمنتخبة وأصحاب الفكر والخبراء، وهذه هي طبيعة الخطوة العملاتية الناجمة عن فهم طبيعة التحديات التي واجهت خريف 2022، وتنم عن وعي بأهمية وجود حلول فورية لها.

ويكون هدف هذه اللجنة تقديم مرئيات التطوير في الأجلين القصير والمتوسط، متدرجة أولا في أولويات الأجل القصير الضاغط، لأن حركة الوقت سريعة جدا، وستباغت المؤسسات باستحقاقات الخريف المقبل، وسيجد الفاعلون عندها تحت الضغوطات نفسها التي تتكرر كل خريف، ولا نزعم أننا هنا سنحدد خريطة بهذه الأولويات، وإنما سنحدد أساسيات يستوجب تحقيقها في الإطار الزمن القصير، وقد استقيناها من الميدان، وهي تتعلق بالبنية التحتية التي يقصدها السائح والزائر، ويمكننا أن نحصر أهمها وفق إمكانية تحقيقها في إطار الزمن القياسي في النقاط التالية:

- مسارات مزدوجة في مداخل العيون والأماكن السياحية، وتوفير المواقف اللازمة.

- ازدواجية المسارات الفرعية في منطقة أتين، وتوفير المواقف اللازمة فيها، وهي تعد المتنفس لكل مواطن وسائح وزائر ومقيم.

- تخفيف حالات الازدحام داخل الشوارع الرئيسية في صلالة، كفتح مسارات جديدة والتفافات وتحويلات ذكية.

- إقامة ما لا يقل عن جسرين، ونعتقد أن بلدية ظفار لديها المخططات والتصورات الجاهزة، ويمكن تحقيقهما في إطار الزمن القياسي القصير الأجل.

- القاطرة المعلقة أو ما تسمى بالتلفريك، واختيار لها مناطق مرتفعة ذات أشجار كثيفة وبيئة طبيعية كوسيلة إضافية للترفيه، ومشاهدة المناظر الطبيعية.

تلكم أهم استحقاقات الزمن القياسي لخريف 2023، وقد تم اختيارها بواقعية التنفيذ دون الإغراق فيها، فالطموحات الاستحقاقية كبيرة، وقد راعينا في تحددها المعيار الزمني القصير، وطبيعة تلكم الاستحقاقات في حالة توفر الإرادة التطويرية والتنفيذية داخل الزمن القياسي -لا نستبعد التفكير فيها مؤسساتيا- لكننا نثيرها هنا في إطار إنضاجها أو إثراء التفكير فيها أو التوجيه لها، ولو عرفت تلكم الاستحقاقات النور في خريف 2023، ستعني نقلة نوعية ملموسة للبنية التحتية للسياحة الخريفية، وستشكل عناصر جذب سياحية من تلقاء نفسها.

أما بالنسبة لاستحقاقات الزمن المتوسط، فهي تدور حول أساسيات صناعة السياحة العائلية، من كل النواحي التشريعية وإعادة التخطيط للبنية التحتية للسياحة الإقليمية، والمقومات السياحية، وفق هدف استراتيجي حاكم لتطوير السياحة، وهو جعل محافظة ظفار مركزا إقليميا للسياحة العائلية على مدار العام، وليس في فصل الخريف فقط، فهناك فصل الربيع «الصرب» الذي يعقب فصل الخريف، وما أروعه، فله نسماته ومشاهده على امتداد البصر، وعشاقه كثر، وهو يعقب فصل الخريف مباشرة، وهناك فصل الشتاء، وما أروعه كذلك، وله سياحة من الخليج العربي وأنحاء العالم، وهنا تبرز أهمية السياحة الصحراوية، وتحديدا تطوير مهرجان الربيع الخالي الذي بدأ العام الماضي بصورة متواضعة جدا، وكان الإقبال المحلي عليه كبيرا.

وهذه المواسم السياحية تحتاج بعضها إلى بنى تحتية أساسية، ومقومات سياحية جاذبة، والأخرى تحتاج إلى إضافة الخدمات والأنشطة اللازمة للأطفال، وخدمات الترفيه والحدائق، وتهيئة الأمكنة التاريخية والسياحية، والاستفادة من المياه التي تذهب للبحر على مدار العام كمياه دربات، ولو تم استغلال المياه في مناطق العيون والشلالات بإقامة حدائق ومتنزهات تضيف للبيئة جمالا فوق جمالياتها مع عمل التلفريك، وربطها بقطار سياحي والاستفادة منه ماليا، فهذه نقلة سياحية كمية ونوعية، ويمكن أن تحدث كذلك في الإطار الزمني المتوسط.

ولماذا السياحة العائلية، لأسباب كثيرة، من أبرزها أنها تنسجم مع الموروث الثقافي والفكري للمكون الاجتماعي، ولأنها قد أصبحت تنافس السياحة الاعتيادية، ففي عام 2020 بلغ معدل نموها 4.79%، كما أن السياحة العائلية تجذب الأسر الخليجية، وتنفق عليها الأموال الطائلة، فمثلا ينفق الأشقاء الإماراتيون -وفق إحصائية نشرت قبل كورونا- 10.1 مليار دولار، والشأن نفسه للأشقاء في الخليج العربي.

وتظهر السياحة في بلادنا من خلال النموذج الظفاري، كمصدر دخل مستدام لخزينة الدولة، ومصنع لإنتاج فرص عمل مؤقتة ودائمة، ولنا في إقبال الشباب سواء الباحثين عن عمل أو أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أو ممن يسعون إلى تحسين أوضاعهم المالية على استغلال فرص العمل التي يوفرها مهرجان خريف 2022 في سابقة عددية جديرة بالبحث لكي تتطور في خريف 2023، فهذا وراؤه انفتاح ذهني تقوده الضغوطات المالية على الأفراد والأسر.

ومن ثم ينبغي أن يبنى عليه لتعزيز هذا الانفتاح من جهة، ولجعل الفرص السياحية حكرا على المواطنين دون منافسة الوافدين الذين ظهروا في خريف 2022 تمددهم في مجالات لم تكن ساحتهم، كاستئجار العمارات والشقق، وإعادة الانتفاع منها في الخريف، وقد رصدنا هذه الظاهرة بصورة عميقة، وقد انزعجنا منها كثيرا، ولها مآلات مستقبلية متعددة، وإن بدت بعضها واضحة في خريف 2020.

ولو وسعنا التفكير قليلا، فسنرى أن اللجنة المقترحة ينبغي أن تتطور إلى مركز للتخطيط الإقليمي بعد إعادة النظر في هيكلتها، فنظام المحافظين والمحافظات بصلاحياته اللامركزية، وبأهدافه المتعقلة بتطوير المحافظات، وتأسيس اقتصاديات محلية مرتبطة بالاقتصاد الوطني، تستدعي الحاجة لإقامة مركز في كل محافظة، فمسؤولية المركز في ظفار مثلا، سينصب على كيفية جعل هذه المحافظة وجهة سياحية عائلية مستدامة في كل فصولها سالفة الذكر على أن تتكامل مع المناطق السياحية الأخرى في البلاد، وهنا دور مجلس شؤون المحافظين المناط به إدارة شؤون المحافظات صناعة التناغم والانصهار بين المحافظات من خلال مهماته وصلاحياته المتعددة لتطوير المحافظات، وأدواته التخطيطية هنا ستكون المراكز الإقليمية للتخطيط في كل محافظة.

ووفق مؤشرات إيجابية لخريف 2022، فإن تفعيل قطاع السياحة من الزوايا والشمولية المشار إليها، ستحوي طموحات الشباب، وتصحح الكثير من الاختلالات الناجمة عن مسار الضرائب والرسوم، وتشغل الشباب، وينشغلون بها، لأنها أصبحت مصدرا مغريا للدخل لهم وللمجتمع كذلك، إذا ما تم ربط تطوير السياحة بالمنفعة الاقتصادية للساكنات الاجتماعية الجهوية، عندها ستختفي التحفظات والإشكاليات الناجمة عن إحداث التطورات السياحية في الأماكن السكنية، على أن يصاحب ذلك تحديث التشريعات الحاكمة للنظام العام، وخاصة الآداب العامة، وإيجاد مؤسسة متخصصة كالشرطة السياحية مناط بها السهر على احترام هذا النظام، وفي حالة مخالفته تصبح قضية قانونية كقانون المرور، عوضا أن تأخذ زخما في وسائل التواصل الاجتماعي وتثير الكثير من اللغط التي تتداخل فيه السياسة والأخلاق.