الإسلام وأخلاقيات الطب (3)

26 يوليو 2022
القتل الرحيم
26 يوليو 2022

القتل الرحيم euthanasia من أهم مشكلات علم أخلاق الطب التي يدور حولها منذ عقود جدل واسع. وهي مشكلة بالغة التعقيد؛ لأن البعد الأخلاقي لها يتداخل مع أبعاد أخرى دينية وقانونية واقتصادية. وعلى الرغم من وجود جماعات ضغط لتبرير القتل الرحيم أخلاقيًّا وقانونيًّا، إلا أن تسويغه ظل لفترة طويلة محدودًا في بلدان معينة كنيذرلاند والمجر وولاية أوريجان بأمريكا. وقبل أن نتناول الحل الإسلامي للمشكلة، فمن الضروري أن نقوم أولًا بتعريف المصطلح وتحديد المشكلة.

تعريف المصطلح: كلمة euthanasia يونانية الأصل، وكانت تعني "الموت الحَسن" good death، أما الآن فقد أصبحت تعني "القتل المتعمد لشخص ما تجنبًا للألم والمعاناة المصاحبين لموته"، واختصارًا تعني "القتل الرحيم" mercy killing.

ومع ذلك، فإن هناك أنواعًا من القتل الرحيم غير متضمنة في هذا التعريف الواسع له؛ فالقتل الرحيم منه ما هو إيجابي، ومنه ما هو سلبي؛ وينقسم كل نوع من هذين إلى نوعين آخرين على أساس ما يكون إراديًّا وما يكون لا إراديًّا. وعلى هذا يمكن تفصيل أنواع القتل الرحيم على النحو التالي:

1-القتل الرحيم الإرادي الإيجابي: القتل المتعمد للمريض بناءً على طلب المريض.

2-القتل الرحيم اللاإرادي الإيجابي: القتل المتعمد للمريض بناءً على طلب شخص آخر غير المريض.

3-القتل الرحيم الإرادي السلبي: نزع أو إنهاء وسائل العون الطبي بناءً على طلب المريض.

4-القتل الرحيم اللاإرادي السلبي: نزع أو إنهاء وسائل العون الطبي بناءً على طلب شخص آخر غير المريض.

تحديد المشكلة:

يكاد يكون هناك اتفاق واسع في الغرب على قبول القتل الرحيم السلبي بنوعيه من الناحيتين الأخلاقية والقانونية؛ لأن الموت هنا يحدث بفعل الطبيعة في نهاية الأمر. ولكن هناك جدلًا واسعًا حول مشروعية القتل الرحيم الإيجابي؛ لأن الفاعل هنا هو موجود بشري. ويدخل في إطار هذا النوع من القتل ما يسمى "بالعون على الموت أو الانتحار"، وهي حالة إشكالية: لأنها تتوافق مع القتل الرحيم الإيجابي من حيث توافر نية القتل، وتؤدي إلى النتيجة نفسها وهي الموت. ومع ذلك، فإن هناك من يفرقون بينهما على أساس أن من يقوم بالقتل هنا هو الشخص المريض نفسه، ومن ثم لا يكون الطبيب واقعًا تحت طائلة القانون. ولكن من الناحية الأخلاقية فإن الطبيب لديه نية القتل حتى إن كان يفعل ما يطلبه المريض.

المشكلة من الناحية الأخلاقية إذن يمكن صياغتها على النحو التالي: هل يحق للطبيب إنهاء أو المساعدة في إنهاء حياة المريض تجنبًا للألم والمعاناة، إذا كان ميئوسًا من شفائه وبات موته مؤكدًا من الناحية الطبية؟ وما حدود المسؤولية الأخلاقية للطبيب هنا، حتى إن لم تكن هناك مخالفة أخلاقية؟

يتلخص الحل الإسلامي للمشكلة في النقاط التالية:

-الشريعة حرّمت قتل النفس أو إزهاق الروح، وحددت شروطًا وضوابطَ صارمة لذلك سواء في الحرب أو في السلم. يقول الله عز وجل: "ولا تقتلوا النفس التي حرَّم الله إلا بالحق".

-الشريعة أيضا لا تعرف مقولة حق الانتحار؛ لأننا لم نخلق أنفسنا، ومن ثم لا نملك أبداننا، وإنما نحن مسؤولون عن العناية به والمحافظة عليه: فالله -في العقيدة الإسلامية- مالك البدن وواهب الحياة، ولا جدال في حقه هذا، والموت جزء من عقد مع الله يملك الله وحده حق إنهائه: "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله".

- مبرر إزهاق الروح بالانتحار أو القتل الرحيم بحجة الهروب من الألم والمعاناة ليس مشروعًا في الإسلام، بل إن احتمال الألم والمعاناة ينال المرء عنه ثوابًا عظيمًا في الدنيا والآخرة.

- إن الحفاظ على البدن والحياة قيمة عليا ينبغي أن يحافظ عليها المرء، والأولى بذلك الطبيب نفسه، والحديث الشريف القائل: "تداووا فإن الذي خلق الداء خلق الدواء" يؤكد هذا المعنى: فالتداوي هنا يشمل كل أشكال الرعاية الصحية من الغذاء والدواء والتطبيب.

***

ولا شك في أن الشريعة الإسلامية تنطوي على مبررات أخلاقية قوية يمكن أن يستند إليها الشخص المؤمن في النظر إلى مشكلة القتل الرحيم، إلا أنها ليست كافية للإجابة عن كافة التساؤلات والإشكاليات المتضمنة هنا. ولذلك ينبغي على الفقهاء -دعمًا للموقف الديني- أن يتسلحوا بالمعرفة العلمية من أجل النظر باستفاضة في الأمور التالي:

- مناقشة قضية الألم التي تقوم عليها حجة تبرير القتل الرحيم، فلا يمكن القول كما يذهب بعض المسلمين بعدم وجود ألم لا يستطيع الطب التغلب عليه، إذ لا يمثل هذه واقعة فعلية.

- لا بد من الاستناد إلى الوقائع العلمية التي تعضد موقف الشريعة من القضية مثل وجود حالات ميئوس منها تم شفاؤها أو إفاقتها؛ ويترتب على هذا عدم إمكانية الجزم بتوقيت للموت.

- الكشف عن الأساس النفعي ومنطق الكلفة الاقتصادية الذي يكمن وراء التبرير الأخلاقي للموت الرحيم، ودحض هذه الأخلاق من خلال منطق أخلاقي خالص من النظرة النفعية كالمنطق الكانطي.

- الكشف عن الأضرار القانونية التي يمكن أن تترتب على إجازة القتل الرحيم على نحو يؤدي إلى حالة من الترخص إزاء أشكال القتل ومبرراتها.

- الكشف عن الأضرار الاجتماعية والنفسية الممثلة في الضغط النفسي على المريض ونظرته إلى جدوى وجوده بالنسبة للأسرة والمجتمع.