الأسباب المشروعة.. للمطالبة بعودة وزارة البيئة
د. عبدالله باحجاج
لما كنت أتابع قمة المناخ في جلاسكو باسكتلندا المستمرة حتى الآن، وأقرأ التقارير والتحليلات عن مستقبل المناخ، وتأثيراته الراهنة والمستقبلية على المنطقة الخليجية عامة، وبلادنا على وجه الخصوص، ظهر لي أهمية عودة وزارة البيئة والشؤون المناخية بعد ما تقلصت إلى هيئة عامة، وانتقلت الشؤون المناخية لهيئة الطيران المدني. ونعلم الفارق بين الكيانين «وزارة/ وهيئة» وقد زادني إلحاحا في الاقتراح بعودتها الآن حالة الصمت المركزية واللامركزية لمرحلة ما بعد إعصار شاهين، في وقت كان ينبغي أن تدخل كل وزارة وكل المحافظات في ورش عمل ذهنية وميدانية وتخطيطية للاستفادة من تجربة شاهين وبقية التجارب الأخرى مع الإعصار، وتهيئة الأوضاع عاجلا لمواجهة مستقبل أسوأ الاحتمالات، مما يبدو الكل، وكأنهم ينتظرون التوجيهات.
*استوقفني في كل ما تابعت وقرأت، اعتبار إعصار شاهين الذي ضرب شمال البلاد مؤخرا، ولا تزال تداعياته جاثمة فوق البشر والشجر والحجر.. وكل مكونات الأرض، اعتباره أول إعصار استوائي يصل إلى أقصى الغرب في الخليج، وكذلك ربط الفيضانات المفاجئة التي حدثت في جدة ومكة مؤخراً بأزمة المناخ الراهنة، وتجاوز درجات الحرارة في الخليج «50» درجة، ووفق تقرير مطول نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، فإن تلوث الهواء يقتل 4000 شخص كل عام في طهران.
وفي أحد الدول الخليجية، تشير التقديرات إلى أن أزمة المناخ تكلف ستة مليارات جنيه إسترليني سنويًا بسبب ارتفاع التكاليف الصحية، فيما زادت ملوحة الخليج الناتجة عن تكاثر محطات تحلية المياه، بنسبة 20٪، مع كل التأثيرات المحتملة على الحياة البحرية والتنوع البيولوجي، ويطلق تقرير الغارديان تحذيره القوي، بالقول إنه يمكن أن تجد المدن الساحلية الخليجية اللامعة نفسها بحلول نهاية القرن مغمورة مع ارتفاع منسوب المياه.
ورغم أن السلطنة تعد أقل الدول للانبعاث الكربوني على المستويين الإقليمي والدولي، على الرغم أن اقتصادها يعتمد بصورة كبيرة على النفط والغاز، إلا أن مشروعية مقترحي ينطلق من 3 أبعاد أساسية، هي:
أولا: الحفاظ على تاريخ السلطنة البيئي، ويرجع اهتمامها بالبيئة إلى بداية السبعينات، حيث كان السبق في انشاء وزارة خاصة بالبيئة وهيئات ومكاتب تعنى بالبيئة وموارد المياه، وربطت اقتصادها وتنميتها بمحددات بيئية حاكمة، أي أن مسيرة الخمسين عاما الماضية لم تكن على حساب البيئة.
ثانيا: لا أحد محصنا ضد الكوارث، بدليل إعصار شاهين الاستوائي، وما قيل في قمة المناخ الحالية من أن أجزاء من العالم قد تغرقها المياه، أو يصبح العيش فيها مستحيلا.
ثالثا: انفتاح بلادنا على شراكات صناعية إقليمية كبيرة مع دول تصنف من بين الأكبر مصدرا لارتفاع حرارة الأرض.
كل تلكم العوامل تجعلني أتقدم بهذا المقترح، خاصة وأن بلادنا تمر بمرحلة انتقالية تأسيسية تحت ضغوطات مالية، بدأت مع انطلاقتها - أي المرحلة - وتأزم الوضع المالي بسبب جائحة كرورنا، لكن، بدأت أسعار النفط تتحسن تدريجيا، وتحوم في فلك فوق «80» دولارا، وتبعث الأمل في تخفيف الضغوطات الاجتماعية التي ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار الآن بالذات بعد ارتفاع النفط والتحسن في التصنيف الائتماني للبلاد، ومعرفة الواقع المالي ومآلاته.. على عكس سابقا.. إلخ.
كما يتناغم مقترحي مع رؤية عمان 2040، حيث تركز على ضرورة بذل جهود حثيثة لضمان حماية الموارد الطبيعية، واستخدامها بصورة آمنة وسليمة وحماية السكان من الآثار البيئية الضارة، كما وضعت الحكومة استراتيجية وطنية للحفاظ على البيئة، وكل ما سبق يبرر مشروعية المقترح، فالتحديات المقبلة، تحتاج لوزارة متخصصة لإدارة مخاطر ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة، وتأثيراتها على صحة السكان والزراعة والحيوانات والنباتات والموارد الطبيعية والمدن وجودة الهواء، وكذلك ضبط توجهاتنا الاقتصادية الصناعية لضمانة عدم تكرار أخطاء الدول المجاورة والتي بسببها تدفع بلادنا ثمنها بحكم الجوار.
وهذا الضبط المستهدف، سيدفع ببقية الجهود إلى انتقاء الأفضل للبيئة ومواردها المائية، كاستخدام الطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر مثلا، والرهان على القطاعات الصديقة للبيئة كالسياحة والزراعة والأسماك والثروة الحيوانية، وقطاع اللوجستيات، بدلا من الجنوح نحو الصناعات الضارة بالبيئة على غرار تجربة الدول المجاورة التي قد تحاول بعضها نقلها إلى داخل أراضينا، لذلك، مرحلتنا المقبلة تحتاج إلى قوة مؤسساتية بمرتبة وزير، وبصلاحيات واسعة ونافذة، وبممكنات إدارية وكوادر متخصصة في كل الفروع والمجالات التي أشرت إليها سابقا.
ومرحلتنا المقبلة تحتاج لوزارة للبيئة، لحماية المدن العمانية، وكلها مكشوفة للسيول والفيضانات، الباطنة بشمالها وجنوبها «أنموذجا» وعندما شهدت محافظة ظفار إعصار موكونو 2018، عرف المجتمع في حينها أهمية ما قامت به وزارة البلديات الإقليمية والبيئة وموارد المياه في ذلك الوقت، فقد وسعت مجاري أساسية للسيول، ونظفتها ومن ثم ضمنت انسيابيتها للبحر، ولولا مثل هذا الجهد الكبير، لغرقت صلالة - لا قدر الله - فكميات الأمطار التي هطلت فاقت كميات أمطار شاهين، ورغم ذلك، تحتاج محافظة ظفار للحماية.. مثلها مثل المحافظات الأخرى، وهذا كان ينبغي أن يكون الشغل الشاغل للمحافظات الخ.
نحاول إبراز أهمية عودة وزارة البيئة والشؤون المناخية من مختلف القناعات، فالأعاصير أصبحت متواترة وبكثافة، ولدينا سواحل طويلة تقدر بـ 3165 كم من مضيق هرمز في الشمال وحتى الحدود مع الشقيقة اليمن، وتطل بذلك على بحار ثلاثة هي، بحر العرب وبحر عمان والخليج العربي، وبذلك، تكون السلطنة من بين الدول المعنية مباشرة بمستقبل المناخ لتفادي مخاطره، واقتراحي أتمنى أن لا تعرقله قضية الترشيق والترشيد، لأهميته سالفة الذكر، ونرى مسألة عودة هذه الوزارة أن تكون في سياق إعادة هيكلة جديدة للجهاز الإداري رغم حداثته عام 2021.
فهو - أي الجهاز - رغم ترشيقه، إلا أنه يحتاج لمزيد من الترشيق، فالعدد الكمي من الوزارات والهيئات والأجهزة.. لا تزال تلقي بأعبائها المالية على خزينة الدولة، ويمكن أن نجد لعودة وزارة البيئة مكانا لها في الإعادة المتجددة، لأنها قد أصبحت من حتميات تأسيس ضمانة المستقبل الاقتصادي والتنموي الشامل في بلادنا، فالكثير من الدول تجاهلت البيئة في مرحلة تأسيس اقتصاداتها، فدفعت الثمن غاليا من صحة سكانها، وهوائها النقي، وفي زراعتها ومواردها المالية.. إلخ، ومن ثم أقدم هذا المقترح من أجل ديمومة بيئتنا النظيفة، ومواجهة الكوارث التي أصبحت تتواتر على بلادنا خاصة والمنطقة عامة، فلا يقل عن إعصار أو إعصارين في السنة، والتوقعات أكبر - لا قدر الله - حتى لو قمنا بتأمين مناطقنا، فلن نسلم من التداعيات، فلم تعد أية دولة محصنة، من هنا، نحتاج لمثل هذه الوزارة الآن.