اعتراف 4 دول أوروبية بفلسطين يدعم حل الدولتين.. كيف؟
ليس من المبالغة في شيء القول بأن هذه الأيام هي من أكثر الأيام أهمية وتأثيرا في التطورات التي يمر بها الشرق الأوسط بوجه عام والاحتمالات المفتوحة التي يقف أمامها اقتراح بايدن الذي اقترحه قبل أيام والذي يتعثر بسبب الحسابات الخطأ والقصيرة النظر لرئيس وأعضاء الحكومة الإسرائيلية التي أصبحت أكثر جرأة في الاعتراض والتحفظ على مقترحات الرئيس الأمريكي الذي تباهى مؤخرا بأن نتانياهو «يستمع إليه فيما يتصل بغزة» وهو زعم مبالغ فيه في ظل خبرة الأسابيع الأخيرة على الأقل، ولكنه يظل زعما تكتيكيا لتسهيل المهمة الصعبة التي يقوم بها وزير الخارجية الأمريكي بلينكن خلال زياراته الحالية لعواصم المنطقة لعله ينجح ولو بالضغط السافر في حمل حركة حماس على الموافقة على اقتراح بايدن على افتراض أن بايدن نفسه مطمئن إلى موقف نتانياهو، حيث يظن بايدن أنه مؤيد أو حتى متعاطف معه، وستكون المشكلة أكبر عندما يصطدم بمعارضة نتانياهو في النهاية والأسباب التي يستند إليها عديدة، وقد ألمح بايدن نفسه إلى أن رئيس وزراء إسرائيل سيميل على الأرجح إلى إطالة الحرب لخدمة مصالح شخصية، فضلا عن خلط الأوراق في ظل ما سيعلنه وزير الدفاع الإسرائيلي جانتس بشأن انسحابه من الحكومة وتفكيك مجلس الحرب وهو ما يضع إسرائيل ونتانياهو أمام احتمالات شتى في ظل الضغوط العديدة التي تمر بها من ناحية واحتمال اتساع الانسحابات من الحكومة مما يؤدي إلى تفككها وإسقاطها والسير إلى انتخابات مبكرة على غير رغبة نتانياهو خاصة وأنه من المبكر توقع ما يمكن أن يترتب على كلمته التي سيلقيها أمام الكونجرس الأمريكي في الرابع والعشرين من الشهر الجاري من ناحية ثانية. جدير بالذكر أن جانتس أجل مساء السبت الماضي الكلمة التي كان سيلقيها حول انسحابه من الحكومة ومجلس الحرب نظرا لتحرير القوات الإسرائيلية أربع رهائن إسرائيليين كانوا محتجزين في موقعين منفصلين في مخيم النصيرات وسط غزة يوم السبت الماضي، وساعدت في ذلك وحدة امريكية. وإذا كان وزير الخارجية الأمريكي قد أكد لجانتس أن بلاده لا تتدخل في الشؤون السياسية للدول الأخرى بمعنى أن واشنطن لن تتدخل في الأزمة السياسية الراهنة في إسرائيل، وما إذا كان جانتس سيصر على الانسحاب من الحكومة «الفاشلة» على حد وصفه أم ان موقفه كوزير دفاع سيتغير بعد الإفراج عن أربع رهائن. فإن الموقف في إسرائيل وحول اقتراح بايدن والهدنة في غزة يتغير بسرعة، فهل ستؤدي الضغوط التي تتعرض لها حماس إلى تليين موقفها؟ أم سيتجه السنوار إلى مزيد من التشدد بعد تحرير الرهائن الأربع برغم أن حماس حاولت التقليل من أهميته ووصفته «بالفشل» وهو أمر مفهوم خاصة في ضوء الخسائر الكبيرة من المدنيين التي صاحبته بسبب الحرص الإسرائيلي الأمريكي على تحقيق أي نجاح بأي ثمن. وفي هذا الإطار يمكن الإشارة أولا، أنه بالرغم من أن تحرير إسرائيل لأول مجموعة من الرهائن بالقوة سيعزز موقف نتانياهو الداخلي ومع واشنطن أيضا، فضلا عن أنه سيتحول إلى مصدر لروايات وقصص مصنوعة إعلاميا ومبالغ فيها بالطبع لاستعادة الثقة التي اهتزت بشدة في القوات الإسرائيلية، فإن ذلك لن ينجح في التغطية على اعتراف أربع دول أوروبية بدولة فلسطين أواخر مايو الماضي وأوائل يونيو الجاري برغم كل محاولات إسرائيل تشويهه والإساءة إليه بكل السبل الممكنة. ليس فقط خوفا وتحسبا من جانب إسرائيل لما يمكن أن يترتب على اعتراف كل من إسبانيا وأيرلندا والنرويج وسلوفينيا بدولة فلسطين من نتائج، ولكن أيضا لأن اعتراف هذه الدول الأربع من شأنه أن يفتح الباب واسعا أمام تيار قوي للاعتراف الأوروبي والعالمي بدولة فلسطين، وعلى نحو يصب في صالح الشعب والقضية الفلسطينية.
ثانيا، إنه في الوقت الذي تؤكد فيه المساعدة الأمريكية لإسرائيل أهمية وضرورة الدور الأمريكي في مساعدة إسرائيل في تحديد أماكن وجود الرهائن وكيفية الوصول إليهم أو بعضهم في الأنفاق، فإن ما حدث السبت الماضي هو في الواقع بداية لخطوات متتابعة في ضوء خبرة العملية الأخيرة، إلا إذا تحركت حماس بسرعة وفاعلية من أجل تغيير ما انكشف من أساليبها التي نجحت منذ السابع من أكتوبر الماضي، والخروج بالنتائج المستفادة والسباق مع الوقت ومع الأجهزة الأمريكية والإسرائيلية مسألة حاسمة إلى حد بعيد.ومن غير المستبعد أن يلعب نتانياهو والسنوار معا لعبة التحدي حتى لو كان الثمن هو المزيد من الدماء الفلسطينية والمزيد من الدمار لغزة ورفح وغيرها من مدن ومعسكرات ومرافق غزة وهو ما لم يحدث بمثل هذا المستوى من قبل. وإذا كان من المؤكد أن ذلك ستكون له تداعياته في المستقبل، فإن من أهم هذه التداعيات أن التورط والمشاركة الأمريكية في التخطيط والتنفيذ على الأرض إلى جانب إسرائيل هي مشاركة عملية معلنة تضاف إلى المشاركات السابقة وتجعل من الولايات المتحدة شريكا داعما لإسرائيل بكل الأشكال والمعاني بغض النظر عن أي تبريرات أمريكية. من جانب آخر فإن هذا التورط الأمريكي المباشر إلى جانب إسرائيل يجعل حماس في موضع الاستهداف من جانب واشنطن التي حملتها بالفعل مسؤولية عرقلة التوصل إلى اتفاق تهدئة لوقف القتال والإفراج عن الرهائن، بل وصل الأمر إلى محاولة واشنطن الضغط على حماس عبر الوسطاء الآخرين لحملها على التوقيع على مقترحات بايدن. وهو أمر محفوف بالخطر لسبب بسيط هو أن بقاء أو استمرارية أي اتفاق يرتكز على قناعة الطرفين أو الأطراف المعنية بأهمية وقيمة الاتفاق وفائدته العملية لكل منها ولمصالحها، أما إذا وجد أحد الأطراف نفسه مكبلا ومدفوعا بتهديدات ما للموافقة على اتفاق أو خطوة لا يتحمس لها أو لديه شكوك حيالها، فإنه من المرجح أن يتخلى عنها مع أول خلاف، والأكثر من ذلك أن الطرف الآخر يمكن أن يتعلل بأي سبب للتخلي عن الاتفاق وتعمد إلقاء المسؤولية على الطرف الآخر بشكل أو بآخر وهو ما يمكن أن تقوم به إسرائيل استغلالا للضغوط التي تعرضت وتتعرض لها حماس والمشاركة الأمريكية والإقليمية في هذه الضغوط المعلنة حينا والمستترة أحيانا وهي افتراضات ومخاوف واقعية إلى حد كبير.ثالثا، إنه من المعروف على نطاق واسع أن الاعتراف الدبلوماسي من جانب أي دولة بدولة أو كيان آخر هو عمل من أعمال السيادة يتم عادة بالاتفاق بين الدولة التي ستقوم بالاعتراف والدولة أو الكيان الآخر وفق معاهدة فيينا لعام 1964 التي تنظم هذه الجوانب وفق إجراءات محددة، والاعتراف الدبلوماسي هو اعتراف منشئ أي يترتب عليه إنشاء الدولة والقبول بها والتعامل معها وفق قواعد القانون الدولي. وأما أن يكون الاعتراف كاشفا بمعنى أنه يكشف عن وضع قائم بين الدولتين المعنيتين. كما أن الاعتراف إما أن يكون اعترافا قانونيا ينظمه اتفاق قانوني بين الدولتين على أساس إقامة علاقات دبلوماسية بينهما، أو أنه اعتراف واقعي أو بحكم الأمر الواقع، وتلعب المصالح المباشرة وغير المباشرة والمتوقعة بين الطرفين المعنيين دورا مهما في عملية الاعتراف وشروطها ومقتضياتها وتستخدمها الدولة حسب مصالحها وبما يعزز مكانتها الإقليمية والدولية. وبالنسبة للاعتراف الدولي بدولة فلسطين فإنه ليس وليد اليوم ولا وليد عام 1988 في الجزائر ولا حتى وليد قرار تقسيم فلسطين في نوفمبر 1947، لأن فلسطين كانت تابعة للدولة العثمانية وإذا كانت إسرائيل قد حرصت على الاستفادة من قرار تقسيم فلسطين وتوظيف علاقات قادتها مع القوى الدولية والإقليمية وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا وروسيا وأمريكا، فإن الموقف العربي والفلسطيني كان بائسا ولا يزال إلى حد كبير لأسباب كثيرة، وإذا كان الصمود الفلسطيني والتمسك الفلسطيني والعربي بالحقوق الوطنية الفلسطينية قد شكل طوق حماية للقضية الفلسطينية فإن اعتراف إسبانيا وأيرلندا والنرويج وسلوفينيا بدولة فلسطين والذي عارضته إسرائيل وأمريكا وعدد من الدول الغربية ينطلق في الواقع من تأييد للسلام وللاستقرار في المنطقة وهو ما أكدت عليه الدول الأربع التي اعترفت بفلسطين مؤخرا ومع أن هناك أكثر من 148 دولة في العالم تعترف بدولة فلسطين إلا التركيز على حقيقة أن تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة يتطلب إقامة الدولة الفلسطينية يحتاج إلى الاعتراف بدولة فلسطين وفق قواعد وقرارات الشرعية الدولية والأمر ليس نكاية في إسرائيل أو أمريكا ولكن إقرار بحق مشروع للشعب الفلسطيني ولن يتحقق السلام إلا به وهذه تعد أهم نتائج الحرب التي بدأت في 7 أكتوبر الماضي، فالسلام لا يفرض ولكن يصنع على قواعد القانون والشرعية الدولية والمصالح المشتركة والمتبادلة، أما وهم النتائج الصفرية فإنه يؤدي فقط إلى الخراب والدمار لهذا الجيل والأجيال القادمة.