استهداف اسرائيل لقوات اليونيفيل في لبنان !!

14 أكتوبر 2024
14 أكتوبر 2024

انشئت قوات حفظ السلام الدولية التابعة لللأمم المتحدة في المرة الأولى بعد الحرب العربية الاسرائيلية عام 1948 للقيام بمهمة الفصل ومراقبة الوضع بين القوات العربية والاسرائيلية ومتابعة وتسجيل اية انتهاكات يقوم بها اي من الجانبين وابلاغ ذلك في تقارير رسمية يتم ابلاغها الى مجلس الامن والامين العام للأمم المتحدة الذي يتولى الاشراف عليها وتلبية احتياجاتها الادارية واللوجستية من اجل ضمان قيامها بمهامها على خير وجه وبحياد تام بين الجانبين المتنازعين ضمانا لنجاح المهمة واسهاما في تحقيقها لأهدافها التي تقوم بها ممثلة للمجتمع الدولي ككل وسعيه لتحقيق السلام والاستقرار بين الدول قدر الامكان .

وبينما تقوم عملية تشكيل قوات حفظ السلام الدولية او قوات المراقبة والفصل بين القوات على مبدأ التطوع من جانب الدول التي تشارك فيها وبالتعاون والاتفاق التامين بين الدول التي تحدد حجم مساهماتها في القوة الدولية في ضوء القواعد المنظمة لعمل هذه القوات ووفق القواعد المنظمة لها والحاكمة ايضا لعملها الميداني وفي ضوء امكانات كل دولة كذلك كما تعتمد القوات الدولية ايضا على المساعدات وعناصر الدعم التي تقدمها دول واطراف دولية اخرى، من منطلق الايمان بدور الامم المتحدة وبالطبع دور هذه القوات في دعم السلام والامن الدوليين والحد من عوامل الصدام وتعكير السلم والامن الدوليين والحد ايضا من اسباب التوتر وعوامل نشوب النزاعات وهي عديدة ومتنوعة في المناطق القابلة لذلك لأسباب اقتصادية وسياسية واجتماعية متعددة. والمؤسف ان المنطقة العربية هي من اكثر مناطق العالم التي ينوء بها بها كاهل الامم المتحدة وامينها العام، تعاني من هذه النزاعات ومن ثم نشوء هذه القوات الدولية بأحجامها وأدوارها ومهامها المختلفة التي تختلف وتتوقف على نوعية وطبيعة النزاع ومواقف الاطراف المباشرة ورؤية الاطراف الدولية له ولمصالحها المرتبطة به بالطبع والامثلة في هذا المجال واضحة ومتعددة من حولنا في المنطقة وخارجها. جدير بالذكر ان الدول التي تتطوع بالمساهمة في تشكيل القوات الدولية انما تقوم بذلك لتعزيز صورتها ومساهماتها الدولية في خدمة السلام والقضايا الدولية ومن ثم خدمة علاقاتها مع الدول الاخرى وكسب صداقات يمكن ان تفيدها في المستقبل اذا تعرضت لمشكلة تحتاج فيها دعم اصدقائه بشكل او بآخر. وذلك برغم ان ظروفها المادية قد تكون محدودة نسبيا أو متواضعة بشكل او بآخر ولكن حقيقة الأمر تتعلق في النهاية بالأولوية والايمان بدور ايجابي دولي تريد قيادة الدولة القيام به .

وبالنظر الى أن القوات الدولية تحرص على القيام بدورها ومهامها بأكبر قدر من الحيادية والشفافية والعمل على كسب ثقة واحترام الدول والشعوب التي تعمل على اراضيها فانه يتم عادة تدريبها على اعمال – الى جانب المهارات العسكرية على نحو يجنبها الوقوع في اخطاء أو ممارسات تثير الشبهات في اوساط الشعوب التي تعمل فيها - و لذا فانه من المعروف ان الشائعات والاتهامات المضللة هي من الوسائل التي تستخدمها بعض الدول لمحاربة اوالتشكيك في نزاهة القوات الدولية اذا ارادت احدى الدول الضغط على القوات الدولية في حالة وقوع مشكلات معها لسبب أو لآخر والمثال الواضح والشائع هو أن اسرائيل التي تدعي ان الامم المتحدة تناصبها العداء بسبب موقفها المناصر للحق الفلسطيني والذي تدعي اسرائيل انه منحاز للفلسطينيين ومن الوقائع المؤسفة ان اسرائيل اعتادت ولا تزال تعتاد مناهضة الامم المتحدة ومنظماتها المتخصصة مثل اليونسكو، ومحكمة العدل الدولية، والاونروا، واليونوفيل ، وحتى كبار موظفي الامم المتحدة بسبب موضوعية مواقفهم وتقاريرهم التي يقدمونها حول القضية الفلسطينية، واذا كانت اسرائيل قد اغتالت رالف بانش مساعد السكرتير العام للأمم المتحدة ووسيط الأمم المتحدة في الاربعينيات بسبب موقفه من قرار تقسيم فلسطين في عام 1947 ومعارضة اسحق شامير له ـ فإن نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل منع جوتيريش سكرتير عام الامم المتحدة من دخول اسرائيل مؤخرا بحجة انه شخص غير مرغوب فيه لأنه لم يسارع الى انتقاد قصف ايران لاسرائيل بالصواريخ بعد اغتيالها حسن نصر الله امين عام حزب الله في 27 سبتمبر الماضي وذلك برغم ان جوتيريش تدارك الموقف بعد ذلك ولكن ذلك لم يرض نتانياهو مع ان جوتيريش من الشخصْيات ذات الاحترام والتقدير على الصعيد الدولي. وانتقد الكثيرون موقف اسرائيل المتعنت حيال السكرتير العام للأمم المتحدة .

على صعيد آخر فإن اسرائيل التي ناصبت " الأونروا " العداء ولا تزال، وحاولت بوسائل مختلفة الإساءة اليها بما في ذلك الاستيلاء على الارض المقامة عليها المقر الدائم للأونروا في القدس المحتلة في محاولة للقضاء العملي على وجودها في القدس تمهيدا للتخلص منها. وبالنسبة لمنظمة "اليونيفيل" التي تقوم بدور بالغ الاهمية في لبنان في مساعدة المواطنين واللاجئين وخاصة في ظروف الحرب بين اسرائيل وحزب الله بعد اغتيال حسن نصر الله، فإنه يمكن القول ان اسرائيل قامت بالفعل باستهداف اليونيفيل ليس فقط بشكل مباشر بقصف مقارها وعناصرها بمقتل عنصرين وجرح نحو عشرين عنصرا آخرين ، في الاسبوع الماضي ، فضلا عن اقتحام دبابتين اسرائيليتين للبوابة الرئيسية لمقر " اليونيفيل ، عنوة فجر الاحد الماضي وهو ما انتقدته الكثير من الدول، ولكن نتنياهو طلب من جوتيريش سحب عناصر اليونيفيل من مواقعهم فى جنوب لبنان الى مواقع اخرى اكثر أمانا حفاطا على حياتهم برغم ان مصدر التهديد الرئيسي للقوات الدولية في جنوب لبنان هي القوات الاسرائيلية ذاتها والتي تصعد من تحرشها بها في انتهاك صارخ للقانون والشرعية الدولية. وتجدر الاشارة الى ان نتنياهو اتهم الامين العام للأمم المتحدة بأن رفضه سحب عناصر القوات الدولية من مواقعها يجعلها رهينىة في ايدي حزب الله "على حد زعمه" وهي مزاعم لا أساس لها وتعود في الواقع الى ان اسرائيل تريد بتقاريرها الدورية ان تكون بمثابة اساس او سبب للتمهيد للتخلص من اي وجود لمؤسسات تابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان لأن هذه المؤسسات وتقاريرها الدورية هى بمثابة العين التي تتابع من خلالها ما يجري على الارض رغم وجودها في مقرها في نيويورك ولا تريد اسرائيل ان يطلع العالم على سياساتها وممارساتها الهمجية على الأرض بشكل دائم ومباشر .

جدير بالذكر ان " اليونيفيل " تأسست في مارس عام 1978 من أجل ضمان انسحاب القوات الاسرائيلية من لبنان، بعد الغزو الاسرائيلي له ويتجدد التكليف لها كل عام وقد طلبت اسرائيل من القوات الدولية التحرك لمسافة خمسة كيلومترات بعيدا من نهر اللييطاني حتى لا ترصد القوات الدولية الانتهاكات التي تقوم بها القوات الاسرائيلية في جنوب لبنان خاصة وانها تريد تغيير جغرافبة المنطقة حسبما اعلن نتانياهو نفسه من قبل. غير انه لا يحق لرئيس وزراء اسرائيل ان يطلب ذلك لأن ذلك ليس من اختصاصه ولكن من اختصاص جوتيريش الامين العام للأمم المتحدة والمشرف عليها وفقا لميثاق الأمم المتحدة. وفي ظل الخلافات المتعددة بين اسرائيل واليونيفيل وهي خلافات تعود الى اعتراض اسرائيل على مواقف وسياسات الامم المتحدة حيال فلسطين وغزة ورفح ولبنان وافتضاح السياسة والهمجية الاسرائيلية وانتهاكاتها ضد القانون والشرعية الدولية فان التصعيد الاسرائيلي ضد اليونيفيل سيزداد عدوانية في الفترة القادمة. صحيح ان عددا غير قليل من دول العالم قد انتقد اسرائيل وندد بسياساتها وعدوانيتها خاصة ضد الامم المتحدة والمنظمات التابعة لها ولكن ذلك لن يجدي نفعا لتغيير تلك السياسات ووقفها ويمكن القول ان نتائج المواجهات الجارية الآن في المنطقة قد تجلب بعض التغيير في الفترة القادمة ولكن ذلك سيستغرق بالضرورة وقتا غير قليل قبل ان يعطي ثماره .