استحقاقات وطنية في السنة الثالثة للنهضة المتجددة
تحتفل النهضة العمانية المتجددة خلال الساعات المقبلة بالعيد الوطني «52» المجيد، وفي الوقت نفسه بمرورها السنوي الثالث الذي سيشهد فيه أربعة استحقاقات وطنية مهمة، وهي حسب أجندتها الزمنية، انتخابات المجالس البلدية، وانتخابات إدارة مجلس غرفة تجارة وصناعة عمان وفروعها في المحافظات، وانتخابات مجلس الشورى، وتعيين أعضاء جدد لمجلس الدولة، وذلك في حقبة زمنية مليئة بالتحديات الداخلية والخارجية، وهذه المؤسسات ينبغي أن تكون صمام أمان لمواجهة التحديات المعاصرة عبر ممارسة شراكة مستقلة، لكن متناغمة ومنسجمة في ظل تكاملية المؤسسات الحكومية فيما بينها، فلا مجال في هذه الحقبة سوى العمل المشترك والذكي، ومحسوب النتائج مسبقا.
من هنا يستوجب التوقف عند هذه الاستحقاقات الوطنية في انطلاقة عام جديد للنهضة المتجددة، ففيه -أي العام الجديد- سترتبط الاستحقاقات، وفيه ينبغي أن تطلق الآمال العريضة من حيث أداء الشركاء الثلاثة «الحكومة، والمجتمع، والقطاع الخاص» بهدف تحقيق النتائج الملموسة على الدولة والمجتمع، وتظل الرهانات المعقودة الآن على أدوار الفاعلين الحكوميين والمستقلين وفق مقتضيات التطورات السياسية التي حدثت على نظام الحكم في البلاد - كما سيتجلى ذلك - وسنرسم هنا خارطة بمجموعة فرضيات توجيهية.
وسنتناولها وفق منهجية المحاور التالية:
أولا: المرحلة الوطنية في العام الثالث للنهضة المتجددة.
تنطلق البلاد الآن بتفاؤل كبير في الجانب المالي، وتسجل موازنة الدولة فوائض مالية كبيرة، وقد بينا حجم هذا التفاؤل في مقالنا الأخير المعنون «ست سنوات سمان مقبلة على الخليج العربي، ومثيلاتها عجاف للشرق الأوسط» فالأسعار النفطية ستواصل الارتفاع إلى المدى الزمني المتوسط، وتأكيدات عالمية على استمرار الاعتماد على النفط لثلاثين سنة مقبلة على الأقل، إضافة إلى الموارد المالية الناجمة عن نجاح استثمارات الحكومة، وسياسة إعادة هيكلة الكثير من الشركات، فكيف ينبغي أن تنعكس الفوائض المالية بتفاؤلها المتوسط والطويل الأجلين على الشأنين الاجتماعي والاقتصادي بعد أكثر من سنتين على تطبيق سياسات مؤلمة اجتماعيا ؟.
كما أن بلادنا تدشن هذا العام تطورات سياسية غير مسبوقة في نظام الحكم، عبر تبني نظام اللامركزية، ومنح صلاحيات أوسع للمجالس البلدية، فكيف للمجالس المنتخبة أن تستغل مثل هذه التطورات السياسية في إحداث الفوارق التنموية والاقتصادية والاستثمارية ومن ثم رفد موازنتي الدولة والمحافظات بمصادر دخل جديدة مستدامة، وإيجاد فرص عمل للباحثين عن عمل.
كل ما ذكرناه في المحور الأول، وما طرحنا فيه من تساؤلات، سيتوقف وجوبا على تفعيل وتمكين شريكي الحكومة وهما «المجتمع والقطاع الخاص» على ممارسة أدوارهم الدستورية والقانونية بمسؤولية الالتزام بتحقيق النتائج الملموسة والفورية في مرحلة الاطمئنان المالية، ونجد جزءا كبيرا من المسؤولية على عاتق الشريكين الاجتماعي والاقتصادي، فكيف سيتم انتخابهم من خلال الاستحقاقات المقبلة ؟ هنا منطقة وعي نهدف منها إلى وضع اهتمام الناخبين في قلب المسؤولية الوطنية.
المحور الثاني: الشروط الموضوعية لاختيار الشركاء المستقلين.
ينبغي التأكيد في البداية على أن من أهم صناعة الديمومة للسياسات والقوانين، والرضا الاجتماعي بها، أن تكون من نتاج الشراكة الثلاثية، والتفعيل هنا لا يُمنح وإنما يمارس بفعالية الأداء مهما كانت الملاحظات على المحددات القانونية والنواقص الدستورية كالمحكمة الدستورية مثلا، وإنما سيعتمد ذلك على أداء الأعضاء الذين سيتم انتخابهم للشورى والمجالس البلدية والغرفة وفروعها في المحافظات، وكذلك أعضاء مجلس الدولة، حيث يقع عليهم مسؤولية تجسيد الشراكة الثلاثية التي تقتضيها النهضة المتجددة من الآن، والتي نجدها ممثلة في «الحكومة ومجلس عمان والقطاع الخاص».
والتساؤل هنا يدور حول كيف للمجتمعات المحلية ولرجال المال والاقتصاد أن ينتخبوا من يمثلهم في تلكم المجالس ؟ هناك شروط موضوعية لابد أن تحكم عملية انتخاب الأعضاء لتلكم المجالس، وهي أن يكونوا على قدر كبير من الوعي والكفاءة بشقيها العلمي والخبراتي، حيث تحتاج المرحلة الجديدة لممارسة تحتية واعية وملتزمة لإنضاج التطورات السياسية من جهة، والحصول منها على نتائج ملموسة، أي فورية للمجتمع والاقتصاد بشقيه الوطني والإقليمي من جهة ثانية، ومن هنا، ينبغي أن تعي المجتمعات المحلية والقطاع الخاص أن انتخابهم لأعضاء المجالس والغرفة وفروعها، هو استثمار لمستقبل البلاد عامة، ولها خاصة.
فعندما نتوقف عند أدوار أعضاء المجالس البلدية مثلا في استثمار موارد كل محافظة من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وخلق فرص عمل للمواطنين، وكذلك دورهم في القضاء على الظواهر السلبية بالتعاون مع اللجان الاجتماعية في كل ولاية، وكذلك دورهم في استيفاء احتياجات كل محافظة من المرافق العامة والخدمات الحكومية الأخرى، وكذلك دورهم الرقابي في متابعة تنفيذ المشاريع الإنمائية بالمحافظة... الخ، فمن المؤكد أن هذه المجالس تحتاج لأعضاء بقياسات الشروط التي أشرنا إليها، فكيف بعضو مجلس بلدي لا يمتلكها أن يحاجج ويقنع المحافظ رئيس المجلس البلدي بمنظوره أو رؤيته التي يستقيها من الميدان، ولها انعكاسات إيجابية على الدولة والمجتمع ؟ وكيف له أن يعمل فكره، ويوظف خبراته في تحقيق تلكم الأهداف الجديدة المناطة بالمجالس البلدية، وهو لم يخرج من مصانع الوعي والكفاءة والخبرات العملية ؟
وعندما تضخ صناديق انتخابات مجلس الشورى بأعضاء تلكم الشروط، فلن يغرقوا حول ما يثار جدلا عن سيطرة الحكومة على صناعة القرار، أو تراجع الصلاحيات في القانون الجديد، فالعبرة تكون دائما بالنتائج، وهي تكون غالبا مرتبطة بديناميكية الفعل الذي سيجعل من الصلاحيات حتى لو كانت محدودة، والأدوات الرقابية السبع التي من أبرزها الاستجواب، طلبات مناقشة البيانات الوزارية، البيان العاجل، السؤال.. مقيدة، لأن حركة الديناميكي وفاعليته ستكون واسعة ومفتوحة، فلن تشل حركته الإيجابية عند معطل هنا أو هناك - إن وجد - وستكون الآذان السياسية صاغية بل مصغية، ونافذة للعقل السياسي إذا ما كانت استدلالاته وطنية، وتراعي مجموع المصالح في البلاد، وفي حالات كثيرة، لن تكون الإشكالية في الإشكال وإنما في ديناميكية وفعالية الشخصيات البرلمانية ومؤهلاتها وخبراتها، وهى التي ستحدد طرق التفكير ومنتوجاته.
والشيء نفسه لانتخاب مجلس إدارة غرفة وتجارة عمان وفروعها في المحافظات، فالمصلحة الوطنية تحتم أن تكون قوية، لذلك ينبغي أن يتم انتخاب وجوه يكون لديها الهاجس مرتفعا بتأسيس قطاع اقتصادي خاص منتج محليا، ومساهم في توليد فرص عمل للباحثين عن عمل، ويقنع الحكومة في تمكين الغرفة من مشاركتها في سن التشريعات المختلفة لجذب الاستثمارات وتطوير التجارة، وقد لا يكون تكرار الوجوه مجددا مطلبا للمرحلة الجديدة، فماذا فعلت في حقبها الماضية ؟ ومهما يكن، جديدا أو قديما، فإن معيار الانتخاب ينبغي أن يسيطر عليه التساؤل التالي: ماذا سيقدمون للمرحلة الوطنية التي ستكون في أمس الحاجة للاستثمارات الخاصة، ولفرص العمل.
ومن خلال ما تقدم، فمن سنختار للشراكة مع الحكومة ؟ الناخبون الذين يحق لهم انتخاب إدارة وأعضاء هذه المجالس والغرف وفروعها، هم من سيصنعون القرار، وبالتالي سيحددون طبيعة المرحلة المقبلة، القرار لا يزال من صلاحياتهم، وأقرب انتخاب سيكون للمجالس البلدية في يوم 25 / 12 / 2023.
المحور الثالث: عقل الدولة.
قبل بضع سنوات تم استضافتنا في ندوة حوارية مصغرة في مجلس الدولة، وقدمت مرئيات مستقبلية لتطوير دور المجلس، نجدها صالحة للمرحلة الوطنية الراهنة، وهي اعتبار مجلس الدولة أحد عقول الدولة الثابتة في ظل التغيير المستمر لأعضاء مجلس الشورى، وكذلك للماهية المتغيرة والمتباينة لمستوياتهم العلمية والخبراتية، وكذلك في ظل الانفتاح السياسي والاقتصادي والفكري للبلاد، وإطلاق صفة العقل معناه التفكير والدراسة المتأنية الخالية من الضغوطات بهدف المحافظة على ثوابت الدولة في ظل الانفتاح والمتغيرات، وبهذا يكون عقل الدولة أهم الداعمين لوجستيا لصنع القرار التي تتيح تمكين القرارات سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
لذلك، ينبغي أن نرفع من مستوى المعيارية لاختيار أعضاء مجلس الدولة لكي يكونوا في مستوى استحقاقات وظائف العقل الجديد، ويكون البعض منهم ثابتا في موقعه لدورات حسب الحاجة الوطنية لبقائه، والآخرون متحركون كل أربع سنوات، فالمحافظة على الثوابت والحرص على عدم المساس بها، تعد من أهم عوامل ديمومة الاستقرار في بلادنا التي تشعر بثقل بمكونها الديموغرافي والأيديولوجي.