إلى أي حد يمكن أن يرتفع سعر النفط ؟

15 أكتوبر 2024
15 أكتوبر 2024

ترجمة: قاسم مكي -

المستهلكون وسائقو السيارات والساسة في كل أرجاء العالم يتابعون بقلق سعر النفط. فالحرب التي بدأت قبل عام بين إسرائيل وحماس تتمدد. والتهديد الذي يمكن أن تشكله حرب شاملة بين إسرائيل وإيران للشرق الأوسط وهو منطقة تنتج ثلث نفط العالم واضح ومخيف بنفس القدر.

قليلة هي السلع التي تؤثر على اقتصاد العالم على نحو ما يفعل النفط. ومثلما يدرك تماما المرشحان الرئيسيان في الولايات المتحدة، قليلة هي أيضا السلع التي يمكن أن تؤثر على نتائج الانتخابات. ففي العامين الماضيين كشف التضخم إلى أي حد يكره الناخبون صدمة ارتفاع الأسعار الحاد والفجائي.

ارتفع سعر النفط بنسبة 10% خلال أسبوع مع هجوم إسرائيل على حزب الله وردِّ إيران بإطلاق 200 صاروخ مباشرة على إسرائيل. وفي 7 أكتوبر بلغ سعر برميل النفط 81 دولارا قبل أن يتراجع.

قبل عامين ونصف العام رفعت حرب روسيا وأوكرانيا أسعار النفط إلى أكثر من 120 دولارا للبرميل مع فرض الغرب عقوبات اقتصادية على روسيا. واشتدت المخاوف من توقف تدفق الإمدادات من ثاني أكبر مُصَدِّر للنفط في العالم.

السؤال هو: ما الذي يمكن أن يحدث هذه المرة؟ إذا اشتد أوار الحرب في الشرق الأوسط من المحتمل أن تحدث صدمة نفطية خطرة. لكن وجود تخمة في الإمدادات يعني أن السوق أقل تعرضا لمثل هذه الصدمة مقارنة بعام 2022.

حتى تاريخ نشرنا لهذا المقال لم ترد إسرائيل بعد على إيران. في 3 أكتوبر أربك الرئيس الأمريكي جو بايدن الأسواق عندما لمّح إلى أن البنية التحتية لنفط إيران قد تكون هدفا لنيران إسرائيل. لكن منشآت إيران النفطية هدف واحد فقط من بين عدة أهداف محتملة للهجوم الإسرائيلي. وحتى إذا تم تعطيل إنتاج نفط إيران فهي ليست منتجا نفطيا كبيرا مثل روسيا. إنها تصدِّر ما يقرب من 2 مليون برميل في اليوم أو حوالي 2% من الإمدادات العالمية. وبالمقارنة تصدر روسيا قريبا من 5 مليون برميل في اليوم.

أيضا المشهد العالمي مختلف بشكل واضح عن عام 2022. فعندما نشبت حرب أوكرانيا كان هنالك نقص في إمدادات النفط. وكان الطلب يتعافى بسرعة مع خروج اقتصادات العالم من إغلاقات كوفيد-19. كانت سوق النفط مُهيَّأة للاضطراب وقتها. أما اليوم فالعالم يسبح في النفط. لقد سبق أن سعت منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وحلفاؤها بقيادة السعودية الى المحافظة على ارتفاع أسعار النفط بضخ كميات أقل منه. لكن تلك الخطة فشلت وقاد ذلك إلى عدم التقيد بالحصص وحالاتِ غش من جانب أعضاء آخرين. وهي الآن يجري التخلي عنها مع وعد التكتل النفطي بزيادة الإنتاج في شهر ديسمبر.

حتى السعودية والتي هي في حاجة ماسة إلى تأمين مستويات مرتفعة من الأسعار لتمويل خطط إنفاقها في الداخل تكف عن محاولة ذلك. لقد ذُكِرَ أنها قلصت السعر الذي تستهدفه وهو 100 دولار للبرميل وذلك حتى يكون بمقدورها على الأقل دعم حصتها السوقية. فلدى أوبك وحلفاؤها طاقة إنتاج احتياطية تصل إلى 5 ملايين برميل في اليوم. والسعودية وحدها يمكنها رفع إنتاجها بحوالي 3 ملايين برميل في اليوم.

تُخفي مشادَّات أوبك تحولا أكثر جذرية. فما يقرب من 60% من نفط العالم يأتي الآن من بلدان خارج تكتل «أوبك بلس» وذلك ارتفاعا من نسبة 44% في عام 2019. لقد أصبح أصحاب شركات النفط الصخري الأمريكية أكبر منتجي العالم وبفارق كبير. كما زادت كل من البرازيل وكندا وغيانا إنتاجها في السنوات الأخيرة. فوفقا لوكالة الطاقة الدولية سيرتفع إنتاج البلدان غير الأعضاء في أوبك بحوالي 1.5 مليون برميل في اليوم في العام القادم.

في الوقت ذاته، الطلب فاتر على النفط. فبعد تعافيها عقب انحسار الجائحة تتباطأ اقتصادات أمريكا وأوروبا مع شروع الزيادات السابقة لأسعار الفائدة في التأثير السلبي عليها. ويصارع اقتصاد الصين تحت وطأة تدهور قطاعها العقاري.

في 8 أكتوبر قلصت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية توقعاتها للطلب العالمي على النفط في عام 2025 نتيجة لضعف النشاط الصناعي حول العالم. وقبل التصعيد الأخير في الشرق الأوسط توقع متداولو النفط أن يقود الضعف في نمو الطلب والتوسع في الإمدادات الى تخمة نفطية في العام القادم تدفع بالأسعار الى أقل من 70 دولارا للبرميل.

وفرة إمدادات النفط الحالية تشكل حاجز حماية من الصدمات الجيوسياسية. لكنه ليس حاجزا منيعا ومحصنا من الاختراق. فإذا قررت إسرائيل ضرب البنية الأساسية للنفط الإيراني يمكن لإيران من بين أشياء أخرى الرد بإغلاق مضيق هرمز الذي يمر عبره معظم نفط الخليج. ويمكن أن يرفع ذلك أسعار النفط قريبا من أعلى مستوياتها في عام 2022. في الواقع، مثل هذا السيناريو (المُتَّخيّل) من شأنه أن يُدخِل أمريكا إلى الصراع ويُغضِب الأصدقاء كالصين وهي أكبر بلد مستورد للنفط في العالم. لكن في الشرق الأوسط لا يمكن استبعاد أخطر السيناريوهات.

على أية حال سوق النفط محميَّة الآن بشكل أفضل من السابق بفضل ارتفاع الإنتاج العالمي وضعف الطلب.