إسرائيل.. نهايات وهم التفوق!

29 نوفمبر 2023
29 نوفمبر 2023

يوما بعد يوم تتحرر حكومات العالم الغربي من ثقل وطأة التواطؤ مع إسرائيل في حربها ضد الفلسطينيين، بعد أن تكشفت فظاعات المجازر الإسرائيلية عما لا يمكن تبريره أبدا بأي حجة. فالغشاوة التي انزاحت لدى كثير من المسؤولين الغربيين لم تكن إلا بسبب التظاهرات التي انتظمت بلدان أوروبا والعالم على خلفية ما يحدث للمدنيين الأبرياء في غزة، ولاسيما التظاهرات التي انتظمت في بريطانيا، والتي تسببت تداعياتها في إقالة وزيرة الداخلية البريطانية، وهي حالة عيانية تبرز لنا إلى أي مدى بدا الأمر جليا بالنسبة لشعوب العالم كافة.

تبدو إسرائيل اليوم عارية تماما، ورويدا رويدا بدأت تستجيب للضغوط الدولية، لكن مع ذلك، سيكون من الواضح أنه ليس ثمة أي تفسير في العقل الغربي الحر يسوغ له ذلك الانتقام الذي مارست فيه إسرائيل عقابا جماعيا تمثل في مجازر مروعة بحق المدنيين من النساء والأطفال وكبار السن.

وإذا ما بدا اليوم للجميع بأن ذلك الانتقام الخطير من دولة تدعي الديمقراطية والالتزام بحقوق الإنسان قد تجاوز كل التوقعات الخيالية فإننا بإزاء هذا التناقض الفظيع الذي تفعله إسرائيل سنجد أنفسنا أمام حقيقة أخرى أكثر خطورة، وهي حقيقة ستكشف لنا كيف استماتت أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية من أجل اختراع وطن قومي لليهود بعيدا عن دولها الوطنية وحدودها القومية بعد أكثر من ألفي سنة من استعصاء اليهود على الاندماج في مجتمعات أوروبا.

أمام هذه الحقيقة التي تدركها أوروبا جيدا سنجد أن هذه النزعة الدموية التي تجعل إسرائيل تمارس كل ذلك الجنون الدموي بحق المدنيين الأبرياء وقتل الآلاف منهم متخطيةً بذلك كل قواعد القانون الدولي الإنساني، إنما هي في الحقيقة نزعة مرضية لإحساس الصهاينة بذاتيتهم المتفوقة على كل شعوب العالم، وبإدراكهم المريض لمعنى كونهم «شعب الله المختار» ومن ثم فإن هذا التفسير الذي يبدو واضحا عبر ذلك السلوك الذي تمارسه إسرائيل بحق المدنيين هو ما حاولت أن تتجنبه أوروبا بإقامة أي دولة لليهود في تخوم حدودها الجيوسياسية.

هكذا تسقط كل الحجج، والسرديات التي طالما سوقتها إسرائيل المستضعفة منذ الخمسينات كواحة للديمقراطية في بحر المنطقة العربية مما كان يستدعي باستمرار دعم الغرب المطلق لها منذ قيامها.

إن هذه النزعة الدموية لإرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل بحق المدنيين الفلسطينيين هي طبيعة تحمل في ذاتها بذور فنائها، وبالتالي فهي مؤشر خطير لكون إسرائيل أصبحت اليوم في ظل حكومة اليمين المتطرف كيانا على حافة الهاوية.

غني عن القول أنه بعد أكثر من 50 يوما من الحرب الهمجية التي تشنها إسرائيل على غزة لن يتحقق لها أي نصر، ليذهب تهديدها باستئصال حماس أدراج الرياح، بعد الخسائر التي مني بها الجيش الإسرائيلي منذ دخوله إلى غزة.

وها هو نتنياهو يدخل في إجراء صفقة مع حماس بخصوص بعض الأسرى، ويصف ذلك بأنه قرار صعب تتجرعه إسرائيل ولكنه القرار الصحيح!

لكن في تقديرنا، وبعد أن أدركت إسرائيل التحول النوعي الخطير الذي كشفت عنه حماس في طبيعة مواجهتها، سيتعين على إسرائيل قرار أصعب من القرار الذي وصفه نتانياهو وهو قرار القبول بحل الدولتين.

وإذا كان نتانياهو هو مهندس تخريب الحل السلمي للقضية الفلسطينية بما ظل يعكف عليه من تصعيد التناقضات بين اليمين الديني الإسرائيلي وبين حماس، وإضعاف السلطة الوطنية ظنا منه أنه بذلك يضعف الفلسطينيين إلى حدود لن يكونوا معها قادرين على أي شيء فإنه واهم، والأيام أثبتت له أنه اليوم في فخه الذي صنعه.

بعد السابع من أكتوبر ستجد إسرائيل نفسها أمام خيارات عسيرة لا تقبل التأجيل، فإما أن تقبل بحل الدولتين للوصول إلى سلام دائم يرتاح معه الجميع في المنطقة، وإما التمادي في التطرف والنكوص على حقائق الواقع (وهذا ما ستفعله إسرائيل في تقديرنا) وبالتالي فإنها بذلك تهيئ كل الشروط التي تعمق مأزقها.

وهنا سنجد أنفسنا من جديد أمام المعضلة التي عانت منها أوروبا لألفي عام مع مشكلة اندماج اليهود في أوروبا وبالتالي لم يسعها إلا التخلص من مأزق إنشاء الدولة اليهودية بعيدا عن حدودها.

تواجه إسرائيل اليوم مأزقا كارثيا دفعها إليه فائض الغرور بالقوة المادية والتسلح، وها هي اليوم تواجه مصيرا منسدا !