إجادة.. بين التقييم الواقعي والشعور بالاستحقاق
تمثّل منظومة قياس الأداء الفردي «إجادة» منعطفا إيجابيا في جهود تحسين الأداء ورفع وتيرة الإنجاز والإنتاجية في المؤسسات الحكومية وتطويرها، ورغم حداثة المنظومة وبدء ظهور أثرها على الأداء الحكومي عموما، إلا أنها تواجه مقاومة من قبل فئة من الموظفين؛ لعدة أسباب منها عدم العدالة في التقييم واعتماد تقييم المسؤول المباشر في الترشيح لمرتبتي ممتاز وجيّد جدا، مما يولّد الشعور المستمر بالاستحقاق «Sense of entitlement» بطريقة مبالغ فيها، هذه الظاهرة تنشأ عندما يعتقد الموظف بأنه يستحق التقدير والمكافأة أكثر من الموظفين الآخرين نظير عمل أنجزه في ظرف زمني محدد، هذا التوجه الذي يتبعه بعض الموظفين يعكس الفكرة الرائجة أن القيام بعمل معيّن في بيئة العمل لابد أن يتبعه مقابل مادي، وفي حال عدم تحقّق ذلك فإن الموظف يشعر بعدم العدالة والإنصاف لجهوده التي بذلها وربما ينزعج لفترة طويلة، مما يتخذ قرارا ينعكس سلبا على مساره الوظيفي.
ربما نتّفق بأن منظومة إجادة بحاجة إلى معالجات وتقييم مستمر؛ خاصة مع احتدام المنافسة بين الموظفين للحصول على مرتبة ممتاز، إلا أن هذه المعالجة لا تعني أن المنظومة غير صالحة أو يتم التقليل من أهميتها، وفي رأيي أن الشعور بالاستحقاق يكون صادقا عندما لايقارن الموظف نفسه بزملائه، وأن يشعر بأن تطوير بيئة العمل، تحقق الغاية الأسمى وهي تطوير الأداء المؤسسي، وأن العمل الجاد والمخلص مقرون بصدق النوايا وحب العمل وشغف الحضور في مقر العمل، ولابد من التوقف عن الشعور بالحرمان والظلم ما لم يثبت عكس ذلك، وهنا ينبغي للقائمين على منظومة تقييم الأداء الفردي «إجادة» على وجه الخصوص إيجاد أفكار مبتكرة للتعامل مع ظاهرة الشعور بالاستحقاق بعد اعتماد الأداء الفعلي والمنتشرة بين الموظفين كتحفيزهم عبر تنظيم فعاليات خاصة بجميع الموظفين؛ بهدف تعزيز الانتماء وشكر الإنجازات التي حققها كل موظّف، مع الإبقاء على الآلية المتبعة حاليا دون الإعلان عن اسم المستحق لمكافأة إجادة في الفعالية، ربما يساعد التوجه في تقليل حدة السلبية بين الموظفين بعد الإعلان عن المجيدين والمرشحين لمرتبة الممتاز.
تمثّل الجوانب المعنوية لدى الأشخاص أحد التحديات التي يصعب التعامل معها آنيا؛ لذلك من الجيد أن يتم معالجتها بفلسفة تضمن عدم وجود آثار جانبية، وفي رأيي أن الاعتماد على المسلمات التي يستند إليها العلم عموما، لن تستطيع الإجابة على كثير من الأسئلة المرتبطة بالجوانب المعنوية والنفسية لأفراد المجتمع؛ لذلك حبّذا لو توسّعنا في التفكير واستخدام الفلسفة عبر طرح الأسئلة ومحاولة البحث عن إجابتها من العلم.
منذ إطلاق منظومة الأداء الفردي «إجادة» قبل عامين، نلحظ تحسّنا في مجمل الأداء الحكومي عموما، ويبقى الاشتغال الآن على تطوير المنظومة وفقا للملاحظات والمرئيات الواردة حولها، وهي تتركّز على شعور الموظفين بالاستحقاق مقارنة بغيرهم من الموظفين، أو من حصلوا على تقييم «ممتاز» عن الأعوام السابقة، وفي رأيي أن الموضوع ربما بحاجة إلى رسائل اطمئنان بأن عدم حصول الموظف على تقدير «ممتاز» لا يعني أنه غير مستحق للترقية، مع ضرورة شرح آلية الحصول على الترقية مستقبلا بعد اكتمال ترقية الموظفين المستحقين بنهاية عام 2025م، حيث أنّ غالبية الجوانب النفسية التي يعاني منها الموظف لا تقتصر فقط على المكافأة والاستحقاق، لكن تتركز على مستقبل الترقيات التي سيبدأ العمل بها عام 2026م، أود أن أركز كثيرا في المقال عن مستوى المعنويات التي تتفاوت بين الموظفين بعد اعتماد الأداء الفعلي والإعلان عن المرشحين لمرتبة «ممتاز»؛ لتأثير ذلك على الأداء العام للموظف الذي يشعر بالاستحقاق ولم يتم ترشيحه؛ بسبب منهجية المنظومة في اختيار المجيدين، وأيضا بسبب الشعور الدائم بالتقصير في أداء عمله رغم عدم صحة ذلك، مما يؤدي إلى حدوث صدمة معنوية للموظف لفترة تؤثر على أدائه وإنتاجيته، وهنا أرى من الضروري أن يتم إشراك الموظفين في أي إجراءات تطويرية تحسّن من أداء المنظومة مستقبلا؛ لربما يتم اكتشاف ممارسات خاطئة ينتهجها المسؤول المباشر في ترشيح الموظفين لمرتبة «ممتاز»، أو أن يتم توسيع المكافأة لتشمل الحاصلين على تقدير «جيّد جدا» وتكون المكافآة بمبلغ أقل عن الحاصلين على مرتبة «ممتاز»؛ بهدف تحفيز الموظّف وتشجيعه على بذل جهود أكبر العام المقبل ليكون مرشحا لمرتبة «ممتاز»، أيضا من المقترحات أن يتم تعزيز الموظفين بين فترة وأخرى بدلا من الانتظار حتى الإعلان عن المرشحين لمرتبة «ممتاز»؛ لرفع مستوى العطاء الوظيفي وحب العمل وتعزيز الابتكار في بيئة العمل، كذلك من المهم أن تشمل المنظومة في خططها التطويرية، صنع المبادرات الوظيفية على سبيل المثال لا الحصر وضع الحلول والمعالجات للتحديات التي تواجه الموظفين في بيئة العمل كتعزيز التواصل الداخلي وإطلاق منهجيات وطرق ابتكارية لممارسة العمل اليومي.
نسأل الله عزّوجل أن تكلل مساعي القائمين على منظومة الأداء الفردي «إجادة» بالنجاح والتوفيق لما يصبوا إليه من تطويرٍ للأداء الحكومي وتنميةٍ للموارد البشرية وتطلعات لأفراد المجتمع بالنهوض بمستوى الأداء والإنتاجية إلى آفاقٍ أرحب.