أين يتموضع الشباب في نموذج التنمية؟

28 سبتمبر 2024
28 سبتمبر 2024

يمضي نموذج التنمية الجديد في سلطنة عمان في عامه الرابع، ومعه تتضح بعض الدلالات المهمة، وتتاح الفرصة لطرح بعض الأسئلة حول نتاجاته ومآلاته. النموذج استطاع بناء قاعدة جيدة للاستقرار المالي، ومكن التنمية المتوازنة بين المركز واللامركز، وكان هاجس بناء أسس انطلاقة اقتصادية جديدة هو المحرك للكثير من العمليات فيه، كما أنه عمد إلى مراجعات تشريعية منظومية تمكن خططه وبرامجه المستقبلية من التحرك في مساحة منضبطة ومسؤولة. أحد الأسئلة التي يمكن أن تطرح في هذا الموضع: أين يتمركز الشباب في هذا النموذج، وهل استطاع الشباب التحرك من موضع (المتلقي/ المستفيد) من ناتج سياسات وبرامج التنمية إلى موضع آخر ضمن نفس النموذج؟

في الواقع يمكن تقسيم موضع الشباب في أي نموذج تنموي إلى خمسة مواضع أساسية: أولها الموضع الشائع والذي يغلب على كثير من نماذج التنمية وهو موضع (الملتقي/ المستفيد)، وفي هذه الحالة لا يختلف الشباب عن حال أي فئة اجتماعية أخرى، حيث يظل في خانة المستفيد من ناتج السياسات والبرامج التنموية، دون أن يكون مشاركًا في صنعها، أو توجيهها، أو أن يكون عنصرا اعتباريا في أجندتها. أما الموضع الآخر فهو موضع (المشاركة الشكلانية)، وهنا يشرك الشباب بطريقة شكلية في الأنشطة والأحداث التي تؤسس لصنع أجندة التنمية، مثل الورش والاستطلاعات والمسوحات والدراسات، دون أن تتسم تلك المشاركة بالديمومة، ودون أن مشاركته على مستوى أجندة خاصة. الموضع الثالث، وهو موضع حرج أن يتحول الشباب إلى (باحث عن الذات التنموية)، وفي هذه الحالة لا يتوافق السياق التنموي مع تطلعات وتوقعات الشباب فيتحول إلى فئة مطالبة بإدماجها بشكل جاد وفاعل في تخطيط التنمية، ويطرح أفكارا ورؤى مستقلة إزاء موضعه في سياق التنمية، والكيفية التي يمكن بها أن يكون حاضرا بشكل نوعي في عمليات تخطيط سياسات وبرامج التنمية. والموضع الرابع، هو موضع (الشباب المخطط)، وفي هذا الموضع يحوز الشباب على مساحة محدود في تخطيط السياسات والبرامج المتصلة به، أو تلك التي تتوجه إليه، ورغم أهمية هذا الموضع إلا أن تلك المقاربة تأخذ في الاعتبار أن الشباب مسؤول فقط عن تخطيط مستقبل الشباب، وليس بالضرورة أن يكون فاعلا تنمويا في تخطيط مستقبل المجتمع ككل. الموضع الخامس وهو الموضع الحيوي والحالة المثالية، وفيها يكون الشباب بصفه (الفاعل التنموي)، فهو:

- يحوز على حصة معتبرة من التموضع في خريطة القيادات في مختلفة القطاعات مع الأخذ في الاعتبار قدراته العلمية، وتجاربه العملية، وسعة مهاراته.

- تكون له أجندة خاصة في سياسات وبرامج التنمية، وبحيث تكون تلك الأجندة تعالج قضاياه، وتبحث مشكلاته، وترسم مستقبله.

- يكون متاحا في كافة دورة صنع السياسات التنموية، بمختلف أشكالها وقطاعاتها، ويكون لحضوره أساس منهجي في صنع تلك السياسات، ليس محصورا بوجهات النظر، ولكن من خلال رؤية المستقبل بوصفه مستقبلا شبابيا بامتياز.

في مثل هذه التقسيمات قد يطرأ سؤال جدير بالطرح، لماذا يجب أن يكون الشباب في موضع الفاعل التنموي، وللإجابة عليه نقول إن هناك خمس منافع؛ أولها تحسين ثقة الشباب ببيئة صنع السياسات العامة، وثانيها وبحكم أن سياسات التنمية اليوم تصوغ مستقبل الغد، فإن تحول الشباب إلى فاعلين تنمويين يعني صياغة مستقبل أكثر اتساقا مع تطلعاتهم وتوقعاتهم وأوضاعهم، أما ثالثها فتشير أدبيات اقتصادية مختلفة أن تموضع الشباب كفاعلين تنمويين يعني خفضا لمعدلات البطالة، وتقليلا لمعدلات الاضطرابات الاجتماعية وكلفتها، وينعكس ذلك أيضا على معدلات النمو الاقتصادي للدول (حسب مجموعة من الدراسات الطولية)، أما رابع تلك المنافع هو يعني مزيدا من الابتكار والتجديد في قلب نموذج التنمية نتيجة الأفكار الخلاقة التي يمكن أن يقدمها الشباب لمكونات النموذج، أما خامسها فهو ضمان المناصرة الاجتماعية الأوسع للسياسات والبرامج التنموية من الشريحة التي تحوز نطاقا واسعا من التركيبة الديموغرافية للمجتمع.

في سلطنة عمان هناك عدة أدوات يمكن أن تدفع إلى تحويل الشباب إلى فاعلين تنمويين في قلب نموذج التنمية الجديد، لعل واحدة من الأدوات التفكير في إنشاء مجالس التنمية الشبابية في المحافظات، بحيث تكون هذه المجالس ذراعا شبابيا موازيا لمؤسسات الإدارة المحلية، بما فيها مكاتب المحافظين والمجالس البلدية. يمكن أن تناط بهذه المجالس ثلاث مهام رئيسية: أولها اقتراح برامج تنمية وتطوير القطاع الشبابي داخل المحافظة وبحثها مع الإدارات المحلية، والإدارات المركزية. وثانيها مراجعة السياسات العامة المرتبطة بالقطاع الشبابي على مستوى المحافظة من سياسات سكانية وصحية وسياسات عمل وتشغيل وتنمية اجتماعية وسواها من السياسات العامة الرئيسية. أما ثالث المهام التي يمكن أن تقوم بها هذه المجالس فهو أن تكون ممثلًا للقطاع الشبابي بالمحافظة في مختلف مستويات تمثيل الشباب على المستوى الوطني، سواء فيما يتعلق بخطط التنمية الخمسية أو الاستراتيجيات القطاعية أو السياسات العامة بشكل موسع.

ويمكن البناء على تجربة مركز الشباب الراهنة والتوسع فيها بإيجاد مراكز في المحافظات تحت مسمى مقترح وهو مراكز التنمية الشبابية، وبحيث تشتغل هذه المراكز بشكل منهجي، ووفق روزنامة محددة على أن تكون بمثابة مراكز لبناء القدرات الشبابية في القطاعات والأولويات الوطنية، ليس بالضرورة أن تكون بالصيغة الأكاديمية الخالصة، ولكن يمكن أن تقدم على سبيل المثال شهادات مهنية وبرامج احترافية مجدولة وواضحة لاحتياجات القطاع الشبابي في مختلف المجالات، وخاصة في تلك المجالات المرتبطة بالإدارة والقيادة الشبابية وصنع السياسات العامة وتخطيط التنمية، بالإضافة إلى بعض المعارف والمهارات الفنية التي تفرضها تلك الأولويات. في المجمل فإن نموذج التنمية الجديد في عُمان فيه من المساحات المواتية للانتقال بالشباب إلى الفعل التنموي، ويتبقى استثمار تلك المساحات من قبل المؤسسات بطريقة منهجية ومنتظمة بعيدا عن الموسمية والمشاركة المحدودة.