أهمية حوكمة وإدارة البيانات في تحقيق التميز المؤسسي
إنّ مُعظم المنظمات تعتمد اعتمادًا كُليًا على البيانات ولأنّ التحول الرقمي لا يعتمد بالدرجة الأولى على تطوير الأجهزة والآلات فحسب، بل يتعلق الأمر في تكامل التحول الرقمي في جميع المؤسسات العامة، وتُشير نتائج دراسة أعدتها منظمة (PricewaterhouseCoopers) في عام 2019م إلى أنّ جودة البيانات المتوفرة داخل المنظمة وتكاملها وحوكمتها تؤثر تأثيرًا إيجابيًا في توفير التكاليف بنسبة (33%)، وتعمل على زيادة الإيرادات بنسبة (31%)، وتمنحها خطط ورؤى واضحة في تلبية خدمات المستفيدين، وصنع قرارات أكثر دقة، إذ تتيح نظم المعلومات فرصًا متعددة لإحداث تغيرات في أداء المؤسسات العامة وعملياتها بالتالي حوكمتها، فهي توفر المُمكنات التي تعزز من إمكانية تقديم الخدمات، ومشاركة المستفيدين في تطويرها، وهذا يتحقق بوجود نظم معلومات قادرة على إدارة المعلومات والبيانات وتحسين جودتها وآليات تبادلها. إنّ الهدف الأساسي من الاهتمام بالبيانات هو تحويلها إلى أصول معرفية ذات قيمة للمؤسسة لدعم اتخاذ قرارات مُستنيرة، لذلك لا بد من إدارة هذه البيانات وحوكمتها بطريقة ممنهجة. وقد عرفت منظمة Data Management Association (DAMA) حوكمة البيانات، بأنها الإطار التنظيمي لوضع الاستراتيجيات والأهداف والسياسات لإدارة البيانات بشكل فعّال حيث تتألف من العمليات والسياسات والتنظيم والتقنيات اللازمة لإدارة وضمان توافر البيانات وإمكانية استخدامها وسلامتها واتساقها وقابليتها للتدقيق.
وترتكز حوكمة البيانات على مجموعة من المبادئ «مجموعة قواعد يجب أن يلتزم بها» والسياسات «مجموعة الأدلة تتبناها المنظمة لتحقيق مبدأ معين» والمقاييس «الخطوات والعمليات التي من خلالها تُنفذ السياسات» والإجراءات «الخطوات والعمليات التي من خلالها تُنفذ السياسات كذلك» ودليل الممارسات «يتضمن أفضل الممارسات والتوصيات ويجب أخذها في الاعتبار»، وتتداخل هذه المرتكزات مع جميع جوانب المعرفة بمعنى مسؤولة عن المراقبة وليس التنفيذ. بينما تُعنى إدارة البيانات بتنفيذ هذه المبادئ والسياسات ضمن دورة حياة البيانات منذ إنشائها وحتى التخلص منها. وقد أشارت منظمة «DAMA International» إلى أنّ البيانات تُعدّ أصلًا ثمينًا للمؤسسات في عالم اليوم، الذي يعتمد بشكل كبير على البيانات، فممارسات إدارة البيانات الفعّالة والكفؤة تُعدّ غايةً في الأهمية للمؤسسات من أجل استغلال إمكانات بياناتها بالكامل. فإدارة البيانات هي عملية تنظيم وحوكمة وتحليل البيانات بهدف تحسين جودتها وضمان توفرها واستخدامها بكفاءة لدعم اتخاذ القرارات وتحقيق الأهداف المؤسسية. وتتكون إدارة البيانات من عشرة مكونات رئيسة، هي نمذجة وتصميم البيانات، وحفظ البيانات وعملياتها، وأمن البيانات، وتكامل البيانات وتوافقها، وتوثيق وإدارة المحتوى، ومرجعية البيانات، وتخزين البيانات وذكاء الأعمال، ووصف البيانات، وجودة البيانات، وهيكلة البيانات، وتشمل هذه العملية جمع البيانات من مصادر متعددة، وتخزينها بشكل آمن، وتنظيمها بحيث تكون سهلة الوصول والاستخدام، كما تتضمن إدارة البيانات تطبيق سياسات وإجراءات لضمان دقتها وسلامتها وحمايتها من التهديدات الأمنية.
وتُعد إدارة البيانات جزءًا أساسيًا في تعزيز التحول الرقمي والابتكار المؤسسي، حيث تتيح تحويل البيانات إلى أصول استراتيجية تُسهم في تحقيق الميزة التنافسية. ومن خلال التكامل بين الأدوات التكنولوجية والسياسات المؤسسية، يُمكن أن تُسهم إدارة البيانات في تحسين الكفاءة التشغيلية وضمان الامتثال للمعايير التنظيمية. إنّ إدارة البيانات وحوكمتها مترابطتان بشكل وثيق، إذ أنّ إدارة البيانات تشمل جوانب تقنية متنوعة مثل نمذجة البيانات وتخزين البيانات وأمان البيانات، في حين أنّ حوكمة البيانات توفر الإطار الشامل لفرض السياسات وضمان جودة البيانات وتحديد الأدوار والمسؤوليات، فإدارة البيانات تمثل تنفيذ المهام المتعلقة بالبيانات، بينما تحدد حوكمة البيانات القواعد والإرشادات التي تتبع إدارة البيانات للحفاظ على البيانات كأصل موثوق وقيّم. وفي سياق «رؤية عُمان 2040»، التي تهدف إلى وجود جهاز إداري مرن ومبتكر وصانع للمستقبل، تتضح أهمية إدارة البيانات كركيزة أساسية لضمان الكفاءة والفعالية المؤسسية، فالبيانات كما أسلفنا تُعتبر الوقود الذي يغذي نظم التخطيط والتنظيم والمتابعة، حيث تُمكّن المؤسسات من تحليل المعطيات وتحديد الأولويات واستشراف المستقبل بناءً على معطيات دقيقة ومدروسة، حيث تُسهم حوكمة البيانات في تحقيق مبادئ الحوكمة الرشيدة التي ترتكز عليها «رؤية عُمان 2040»، إذ تتضمن وجود سياسات وإجراءات واضحة لتنظيم استخدام البيانات وحمايتها من المخاطر، مع تعزيز الشفافية والمساءلة في التعامل معها. هذه الحوكمة تدعم الأداء المؤسسي المُستدام عبر توفير بيانات موثوقة تُساعد في توجيه المشروعات والموارد بكفاءة لتحقيق أعلى مستويات الإنتاجية والمرونة.
كما تتيح حوكمة البيانات تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني، مما يُدعم التنمية الاقتصادية ويواكب الطفرات التقنية المتسارعة والصناعية كذلك. علاوة على ذلك، تُسهم حوكمة البيانات في تعزيز اتخاذ القرارات، حيث توفر البيانات المؤسسية أساسًا قويًا للقرارات المبنية على منظومة معرفية مُتكاملة، مما يقلل من الاعتماد على الحدس أو الاجتهاد الشخصي، ويتيح ذلك للمؤسسات صياغة سياسات وخطط تتسم بالدقة وتستجيب للتغيرات السريعة في البيئة الاقتصادية والطفرات التقنية المُتسارعة. علاوة على ذلك، يُمكّن التخطيط المستند إلى البيانات من تحقيق الأهداف الاستراتيجية لـ«رؤية عُمان 2040»، مثل تحسين مؤشر تطوير الحكومة الإلكترونية ومؤشر الكفاءة الحكومية، لتحقيق مراتب مُتقدمة إقليميًا وعالميًا.وبالنظر إلى التحول الرقمي، الذي يمثل إحدى الركائز الأساسية لـ«رؤية عُمان 2040»، يعتمد اعتمادًا كبيرًا على البيانات وحوكمتها، فمن خلال التحول الرقمي، تصبح المؤسسات قادرة على تقديم خدمات حديثة ومتكاملة تُلبي احتياجات المستفيدين بكفاءة عالية، مع تعزيز الابتكار في تقديم الخدمات، كما يُمكن أن يعزز التحول الرقمي في تعزيز الثقة بين المؤسسات والجمهور وتحسين الأداء المؤسسي واستدامته.
وبناءً على البيانات المُدارة بكفاءة، يُمكن للمؤسسات أنّ توجد بيئة عمل مرنة ومبتكرة وقادرة على التكيّف مع المتغيرات المتسارعة، مما يُعزز ذلك من مكانة سلطنة عُمان كدولة رائدة في الحوكمة الرشيدة والتحول الرقمي. لذلك، ينبغي على المؤسسات الاستثمار في تطوير نظم إدارة وحوكمة البيانات لضمان دقة البيانات وكفاءة استخدامها في دعم عملية اتخاذ القرارات، كما يجب التركيز على بناء قدرات تقنية وبشرية متقدمة لتعزيز التحول الرقمي وتقديم خدمات حديثة ومتكاملة، بالإضافة إلى تبني سياسات شاملة لحماية البيانات وضمان الشفافية والمساءلة، مما يعزز الثقة لدى المستفيدين، بالإضافة إلى العمل على استغلال البيانات لتطوير مؤشرات الأداء وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لتطوير حلول مبتكرة تواكب التحولات والطفرات التقنية المتسارعة لا سيما أدوات الذكاء الاصطناعي.
عارف الفزاري كاتب عماني