أهم دروس الخليج من الحرب على أوكرانيا

09 مارس 2022
09 مارس 2022

كيف تراقب الدول الخليجية العربية الحرب الروسية على أوكرانيا؟ التساؤل لم يعد هل تراقب، وإنما كيف تراقب؟ والكيفية هنا هي القضية الكبرى التي ينبغي أن تثار الآن، وينبغي أن تشكل لجنة متعددة التخصصات لحصر طبيعة الدروس التي يمكن أن تستفيد منها الخليج من هذه الحرب، وسنفترض هنا وجود هذه الكيفية، فما هي أهم الدروس المجمع عليها التي يمكن أن نستخلصها حتى الآن، وذلك على اعتبار أن الحرب لم تنته، ورغم ذلك فهناك دروس ثابتة يستفاد منها، وهي التي تشكل مستقبل الحروب التي ستكون غير تقليدية، وقد لا يستخدم فيها طلقة واحدة، سأركز هنا على درسين مهمين، لأنهما سيكونان أهم سلاحين غير تقليديين في الحروب المقبلة.

وبالتالي، فإن الاهتمام الخليجي بهما ينبغي أن ينصب عليهما فورا وبصورة احترافية من قبل عقول وكوادر محلية في مختلف التخصصات، ووفق استخدام أفضل التقنيات وتطوراتها المتلاحقة، وهما البروغندا والحرب الإلكترونية، وهما ليس سلاحي حرب فقط، وإنما يستخدمان كذلك حتى وقت السلم، ونرى ظهورهما في أي توترات جيوسياسية، لكن في حرب موسكو على كييف، برزا كسلاحين يمكن أن يحققا أهداف الحرب التقليدية.

أولا: البروغندا

حاولت البحث عن تعريفها، فوجدت تعريفا مُبسطا، وهي تعني عرض أو نشر المعلومات بهدف التأثير على المتلقين المستهدفين، وهي ما يطلق عليها كذلك بحرب الإعلام، وكثيرا ما تعتمد البروغندا على إعطاء معلومات ناقصة، وتقديم معلومات مضللة حتى تقوم بالتأثير على الأشخاص عاطفيا عوضا عن الرد بعقلانية، وقد ظهر في حرب موسكو على كييف، كأهم سلاح غير تقليدي يمهد للحرب التقليدية، تجلى ذلك في نشر معلومات أثرت على سيكولوجيات الرأي العام، تمكنوا من خلالها الروس التأثير على الشأن الداخلي الأوكراني، كما لجأت إليها هذه الأخيرة للغرض نفسه، وقد وظفت وسائل التواصل الاجتماعية لخدمة هذا الهدف، حيث نشر فيها أخبار وصور ومقاطع فيديو مصطنعة، تأثر بها كذلك الرأي العام العالمي.

فالبروغندا هي التي قرعت طبول الحرب على أوكرانيا، وكذلك التهديد بالنووي والوعيد العسكري، ونشرت الآلاف من الفيديوهات للنيل من الجانب المعنوي للأوكرانيين، مثلًا، مقطع فيديو يظهر جنودا أوكرانيين يخرجون من غابة، ويرفعون علم الاستسلام الأبيض، ومواقع روجت لخيانة الغرب لأوكرانيا، وتحولها إلى دولة فاشلة، واستخدمت أوكرانيا من جهتها البروغندا للتأثير العاطفي على الروس وبالذات الجنود، مثل نشر مقطع فيديو لجندي روسي تم أسره، وتمت معاملته بإنسانية خالصة، قدموا له الطعام واتصلوا بوالدته، وبدأ عليه الانهيار من البكاء بسبب تعاطف الأوكرانيين معه بعد أسره.

ومقطع آخر لجندي روسي أسير يتوسل فيه لعائلته حتى لا تصدق دعاية موسكو، ويشير فيه إلى أن القوات الروسية تقتل الأطفال في أوكرانيا، ومقطع آخر يشبه الرئيس الأوكراني زيلنسكي بتشرشل، وذهب نائب رئيس الوزراء ووزير التحول الرقمي في أوكرانيا، ميخائيلو فيدوروف، إلى حد إنشاء قناة على تطبيق تلجرام للإعلان عن الوظائف لأي شخص، أوكراني أو أجنبي، للانضمام إلى المعركة إلى جانب أوكرانيا.

وقد ظهرت البروغندا منذ الحرب العالمية الثانية، ووصلت ذروتها في حربي أفغانستان والعراق، واستخدمت في الحرب الروسية على أوكرانيا بصورة فتاكة.

يقول بعض الخبراء: إن الدول الغربية أطلقت العديد من مراكز البروغندا ضد روسيا، وتستعين هذه المراكز بكبار المفكرين والمنظرين والأكاديميين، ويتم وصفهم بأنهم مقاتلون افتراضيون على مواقع التواصل الاجتماعي.

ثانيا: الحرب الإلكترونية

تابعت بعمق الحرب الإلكترونية بين موسكو وكييف من مصادر متعددة، وقرأت تحليلات مستقلة، وخرجت منها بأنها تعتبر حرب روسيا على أوكرانيا قد دشنت أول حرب من نوعها على الإنترنت، لم تستخدم في أي حرب من قبل، ومن خلالها يمكن الاستشراف بمستقبل الحروب في العالم وحتى الإقليمية، فمن يستعد لها، سيكسب المعركة مسبقا دون دماء، وربما يحتم طرح تساؤل من رحم متابعتي لهذا الملف، وهو، هل ستتحول أجهزة الحاسوب من وسيلة تعطيل إلى تدمير؟ فهي وسيلة اختراقات فعالة للحسابات، ووسيلة تعطيل البنية التحتية، وتعطيل الخدمات الإلكترونية عبر الإنترنت، وفي الحرب على أوكرانيا، بدأت بحرب إلكترونية، فواجهت كييف روسيا على الأرض والجو والبحر وفي الفضاء الإلكتروني.

وهذا الأخير هو الدرس الجديد الذي ينبغي أن يدرسه الخليج، لأنه سيكون سمة الحروب المقبلة، فقبل الحرب، كان الخبراء يتوقعون أن تكتفي موسكو بحرب إلكترونية على كييف، وقبل وأثناء الحرب، وخلال فترة حشد القوات العسكرية الروسية على حدودها مع أوكرانيا نفذت هجمات سيبرانية على مواقع حكومية أوكرانية، وقبل الغزو بيوم واحد، أعلنت حكومة كييف تعطل مواقع إلكترونية تابعة لها بعد هجوم سيبراني واسع النطاق، منها مواقع البرلمان ومجلس الوزراء ووزارة الخارجية، إضافة لحدوث اضطرابات في مواقع وزارتي الداخلية والدفاع وخدمة الأمن.

ويقول خبراء: إن القراصنة الروس نشروا برنامجا خبيثا يدمر البيانات، على الأرجح في محاولة لعرقلة مواقع أوكرانية، كالاتصالات السلكية واللاسلكية، ومواقع الدولة، والتنظيم الاجتماعي..وأضافوا إن الأضرار الناجمة عن هذه الحملة كانت كبيرة، لكنهم يقولون إن المساعدة التي قدمتها الولايات المتحدة ربما تكون قد قللت منها، وفي المقابل، دعت كييف القراصنة المحليين إلى المشاركة في الدفاع عن البنية التحتية الحيوية لها، والتجسس على القوات الروس، وقد استجابت لها، وأعلنت رسميا أنها في حرب إلكترونية ضد الحكومة الروسية، وتفيد مصادر نقلا عن تقارير إخبارية أن هذه الجهود قوبلت ببعض النجاح، حيث أسقطت موقع الكرملين على شبكة الإنترنت، واخترقت القنوات التلفزيونية الروسية بتشغيل الأغاني الأوكرانية، وتقول إنها اخترقت شركة تترادر البيلاروسية لصناعة الأسلحة، وسرقت 200 جيجابايت من رسائل البريد الإلكتروني، انتقاما لمساعدتها في تقديم الدعم اللوجستي للقوات الروسية.

وتزداد احتمالات تفعيل الحرب الإلكترونية بعد فرض الغرب عقوبات مشددة على موسكو، آخرها العقوبات الأمريكية على النفط والغاز الروسي، وفعلا يبدي البنك المركز الأوروبي مخاوف كبيرة من هجمات روسية ضد مؤسسات أوروبية مالية، بعد إثبات فعاليتها في التمهيد الروسي لغزو أوكرانيا، والقول للخبراء - وقد وضعت إدارة بايدن خططا لتعطيل الاتصال بالإنترنت في كل أنحاء روسيا، وإيقاف الطاقة الكهربائية، والتأثير على أدوات التحكم في خطوط السكك الحديدية.

وسواء طالت الحرب الإلكترونية الراهنة موسكو وواشنطن أم لا، فمن المؤكد أن الحرب الروسية على أوكرانيا تعزز خيار اللجوء إلى الحرب الإلكترونية مستقبلا، وتعلي من شأن البروغندا، وكل ما قرأته في هذا المجال، يذهب إلى مستقبل تفعيل قدرة الحرب الإلكترونية من التعطيل إلى التدمير، عندها لن يلجأ إلى الحرب التقليدية إلا للضرورة أو كخيار ثانٍ أو تعزيزي لنتائج الحرب الإلكترونية، وهذا سيكون الثمن الغالي لضريبة استخدام التكنولوجيا، ومن المعروف أن الدول الأوروبية تعتمد أكثر على الوسائل الإلكترونية في تشغيل البنوك والمعاملات الاقتصادية والبنية التحتية للمعلومات الحيوية، وحسب الموقع السويدي المهتم بتكنولوجيا المعلومات والأمن الإلكتروني SPECOPS، تصبح الولايات المتحدة في المرتبة الأولى عالميا من حيث التعرض للهجمات السيبرانية، وتأتي بريطانيا في المرتبة الثانية.

هل يستوعب الخليج الآن المتغيرات العالمية المعاصرة في الحروب؟ وكيف ترى هذه التحديات إقليميا؟ وينبغي أن تفكر الدول الخليجية في هذين التساؤلين سواء وقت الأزمات أو السلم، فهي مستهدفة في كلتا الحالتين من دول وجماعات، والمخاطر وقت السلم هي نفسها وقت الأزمات، فقد تطال الهجمات الإلكترونية مؤسساتها المالية والعسكرية وقطاعاتها في النفط والغاز والبتروكيماويات وشبكات الكهرباء.. وصناعة العداوة بين الدول الخليجية.

لذلك يظهر التعاون العميق بين الدول الست التي تشكل المنظومة الخليجية حتميا الآن، فكل دولة عندها ما تخشاه من مخاطر الحرب الإلكترونية والبروغندا على أمنها القومي، ولو ظلت منعزلة عن بعضها البعض، فلن تتمكن كل واحدة منها أن تواجه المخاطر المقبلة، لذلك عليها أولا التوصل لتفاهمات عاجلة لمجموعة قضايا سياسية كبرى، والإسراع بالوحدة / الاتحاد الخليجي، ثم التعاون المشترك في مجال الأقمار الصناعية، وصناعة جيل من الأطر والكوادر الفنية والتقنية المؤهلة لهذا النوع من الحرب، ففي فبراير 2020 حذر خبراء في مجال الأمن السيبراني أن منطقة الشرق الأوسط مقبلة على حرب إلكترونية تهدد أمن أنظمة المعلومات الاستراتيجية وأنظمة المؤسسات الحيوية العسكرية والمدنية، والتأثير على الشعوب الخليجية، فكيف سيكون الوضع في وقت الأزمات؟

د. عبدالله باحجاج كاتب عماني مهتم بالشأن الخليجي