أمل الشباب ومخاطر العالم
يقدم (تقرير المخاطر العالمية 2021)، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، تحليلا لتلك المخاطر والتداعيات الناجمة عن جائحة كوفيد (19) على حياة المجتمعات؛ اجتماعيا، ونفسيا، واقتصاديا. ولقد استعرض التقرير مجموعة من المخاطر المستقبلية التي تهدد العالم، فبالإضافة إلى المخاطر الاقتصادية المستمرة، هناك مخاطر انتشار الأمراض المعدية، ومخاطر البيئة، وتدهور التنوع البيولوجي، وقصور الأمن السيبراني، وتأزم المعيشة، إضافة إلى (خيبة أمل الشباب، وتدهور مستوى طموحاتهم، وتدهور الصحة العقلية).
إن التقرير في تحليله لأحدث نتائج مسوحات المخاطر المستقبلية، يجعل من (الطقس القاسي)، أهم تلك المخاطر لارتباطها بالعديد من التهديدات الوبائية؛ فمع تنامي الأضرار البيئية التي تسبب بها الإنسان عبر تطوير مجتمعه خاصة في الحقبة الأخيرة، زادت المشكلات البيئية حتى "فشل العمل المناخي العالمي" ـ بتعبير التقريرـ، ولهذا زادت الأمراض المعدية والأوبئة لتأتي في المرتبة الأولى من حيث التأثيرات المستقبلية لتلك المشكلات. ولقد استعرض التقرير المخاطر الاقتصادية المتعلقة بنسب الدين العام للدول ودعم الأسواق، وما يمثله ذلك من ضغط على العديد من الصناعات في مقدمتها (السفر والضيافة)، والسياحة بشكل عام، إضافة إلى المخاطر التكنولوجية وتداعياتها على الأمن السيبراني من ناحية، وانعكاسها على النواحي الاجتماعية خاصة المساواة بين الناس، من حيث إمكانات وصول تلك التقنية إلى دول العالم بالفاعلية ذاتها من ناحية أخرى.
ولعل اللافت في التقرير تركيزه على تلك المخاطر التي تواجه (الشباب) بشكل خاص؛ ذلك لأنه يعتقد بأن خطر (خيبة أمل الشباب)، والذي يتم إهماله حاليا "سيصبح تهديدا خطيرا للعالم خلال العامين المقبلين" ـ كما جاء فيه ـ ، ولذلك وصف هذا الخطر بـ (النقطة العمياء)، التي لا تظهر تداعياتها سوى في المستقبل القريب والبعيد. وتحت عنوان (جيل مجروح)، يقدم لنا التقرير التهديدات التي تعزز من تداعيات هذا الخطر؛ حيث يعاني الشباب في ظل الظروف الاقتصادية والصحية والاجتماعية التي بدأت قبل سنوات عدة، وأدت جائحة كوفيد19 من تفاقمها، من "ندوب أزمة مالية استمرت عقدا من الزمان، ونظام تعليمي عفا عليه الزمان، وأزمة مناخية راسخة، فضلا عن العنف في العديد من الأماكن".
إنه (الجيل القادم الضائع) كما وصفه تقرير (المخاطر العالمية 2021)، يعتبر الحلقة الأضعف في التأثيرات المستقبلية لهذا الجيل على مجتمعه اجتماعيا، واقتصاديا، ولهذا فإن تضخم المشكلات التي يعاني منها الشباب سواء أكانت صحية أو تعليمية أو اقتصادية أو سياسية، قد جعلته عرضة للعديد من التحديات التي استعرضها التقرير وفق إحصائيات لافتة تمثل أزمة الشباب في العالم؛ ذلك لأن الشباب هم عماد بناء المجتمعات ومستقبلها، فمتى ما استطاعت حمايتهم وتمكينهم وتحقيق العدالة فيما بينهم، استطاعت أن تأمن قدرتهم على البناء والتنمية المستقرة المستدامة.
والحق أن العالم في نظرته للمستقبل يجعل من الشباب أولوية تقوم عليها الاستراتيجيات والرؤى التنموية، غير أن الأزمات المتلاحقة أدت إلى تأخر العديد منها، وبالتالي تأزُّم تلك المشكلات لدى الشباب خاصة على المستوى الاقتصادي وبالتالي النفسي، لذا فإن إيجاد مجموعة من البرامج التحفيزية وتكافؤ الفرص، وبرامج الدعم، إضافة إلى تعزيز فرص التوظيف والاستثمار، للحد من خطر (خيبة أمل الشباب) يُعد من أولويات الحكومات في دول العالم.
ولقد اعتنت سلطنة عُمان عناية فائقة بالشباب، بوصفهم أساس الرؤى التنموية خاصة رؤية عُمان 2040، التي اتخذت من طموحاتهم أساسا تنمويا راسخا، ولهذا كان تمكين الشباب أحد أهم أهداف الرؤية. إن اهتمام عُمان بالشباب يتجلى في العديد من البرامج الوطنية والمبادرات التي أسهمت في دعم مهاراتهم، وصقل مواهبهم وقدراتهم الإبداعية والابتكارية في شتى المجالات والقطاعات الإنمائية في الدولة.
والحال أن الاهتمام بالشباب عليه أن يتخذ اليوم شكلا مختلفا مع تعاظم أدوارهم، وكثرة التحديات التي تواجههم بسبب التداعيات الصحية والاقتصادية وبالتالي الاجتماعية والثقافية؛ فالكثير من تلك التحديات تحوَّلت إلى عقبات عجز أمامها الكثير منهم خاصة تلك المتعلقة بالنواحي الاقتصادية. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الدولة في حل مشكلة التوظيف وفتح فرص وتسهيلات متعددة في مجال الاستثمار وغير ذلك، إلَّا أن هناك جهود أخرى لابد آن تُبذل في المجالات الاجتماعية والثقافية على وجه الخصوص؛ ذلك لأن خطر (خيبة الأمل) التي يحدثنا عنه تقرير (المخاطر العالمية 2021) لا تحله الوظائف والقطاعات الاقتصادية وحسب، بل يجب أن تشترك في ذلك العديد من القطاعات بُغية إعادة ثقة الشباب بأنفسهم وتعزيز نظرتهم الإيجابية لمجتمعهم.
ولأن عُمان قدمت العديد من برامج التمكين في مجالات متعددة تترسَّخ على الأصالة وتنطلق نحو العالمية، فإنه بناء على المتغيرات الوطنية والعالمية، والتداعيات الاقتصادية التي تمر بها عُمان والعالم، فإن الحاجة أصبحت أكثر إلحاحا إلى تقييم أوضاع الشباب من ناحية، والأندية الشبابية من ناحية أخرى؛ إذ أصبح الاستثمار في الشباب غاية وهدف تنموي مهم، ذلك لأن التحولات الهيكيلية تستدعي (مهارات عالية)؛ فهذه الأندية عليها أن تبني الشباب وتصقل مواهبهم، وتُدرِّبهم على أحدث المهارات، وتعمل على تمكين إبداعاتهم وابتكاراتهم، بما يتواءم مع تطلعات الدولة ويحقق أهدافها.
إن الأندية الشبابية في عُمان تمثل أحد أهم منجزات النهضة، وقد أسهمت خلال الأعوام الماضية في التنمية الاجتماعية والثقافية والرياضية للشباب، من خلال ما توفر لها من دعم وإمكانيات، غير أن أدوراها اليوم لم تعد كما كانت قبل خمسين عاما في ظل المتغيرات والتحديات المتزايدة التي تواجه الشباب، ولهذا فإنه من المهم إعادة صياغة مهامها وفق رؤية تنموية يكون الاستثمار في الشباب هو الغاية القصوى التي توصلهم إلى الإبداع والابتكار في المجالات المختلفة، وبالتالي تحقيق التمكين الذي يضمن الاستقرار النفسي للشباب.
لقد نصت رؤية عمان 2040 على (تمكين الشباب) اجتماعيا واقتصاديا، وهذا التمكين لا تحققه الوظائف وحسب، بل أيضا التمكين الرياضي والثقافي والاجتماعي؛ فهي مجالات إبداعية قادرة على تحقيق التمكين الاقتصادي، وزيادة فاعلية الشباب، ليكون لهم مصدر ثقة ودخل في الآن نفسه. إننا نحتاج إلى ترسيخ مبدأ الاستثمار في الشباب وطاقاتهم الإبداعية حتى نتمكَّن من فتح آفاق جديدة أمامهم، ليكونوا قادرين على إدارة أنفسهم وقدراتهم بشكل إيجابي وفاعل.
إن الشباب طاقة هائلة في المجتمع، يجب أن تُستثمر في الإبداع والابتكار في المجالات المختلفة، لتكون فاعلة إيجابيا في بناء الوطن، لذا فإن إمكانات استيعاب الأندية الشبابية والمجتمع المدني لهؤلاء الشباب، وتسهيل مشاركتهم من ناحية، والاستثمار في مواهبهم من ناحية ثانية، سيكون أحد أشكال ذلك التمكين، إضافة إلى إيجاد برامج وطنية، وحاضنات ابتكارية في المحافظات المختلفة، مما سيعزز من دافعية الشباب وقدرتهم على الإنتاج والعطاء.