Ali
Ali
أعمدة

أوراق: ذكريات التاريخ

04 مارس 2020
04 مارس 2020

علي بن خلفان الحبسي -

mudhabi@gmail.com -

رغم مرور السنين والدهور، ما زالت مآثر الآباء والأجداد باقية خالدة تسطر فصولا من أزمنة سحيقة عاشها القدماء ترعرعوا بين فيافي الحارات تحت شوامخ القلاع والحصون والأبراج والدراويز وعقود المباني بأحجارها وجصها، تكسوا سقوفها الجذوع، وما توفر في عصرهم للبناء فاعتلوا الطابق والطابقين في بناء محكم ابتكروه بأنفسهم، وحاجة الزمن وظروفه في تلك الأزمنة هي من ألهمتهم هذه الفطرة المعمارية التي يقف بينها السياح اليوم سواء من داخل السلطنة وخارجها بالإعجاب والتأمل في هذا الفن المعماري وتلك الجهود التي بذلت من أجلها، فيما نشاهد المئات من الصور التي توثق هذه المعالم في مختلف وسائل الإعلام خارجيا.

ونحن نشاهد اليوم طرقات الحارات وبيوتها وطريقة هندستها وفنون معمارها وتقسيماتها وتوزيعاتها وبواباتها وخدماتها وكل ما تملك من مقومات، ندرك أن لنا أجداد عباقرة لم يتعلموا ذلك من جامعات وكليات، ولكنهم أتقنوا فأحسنوا الإتقان وبقيت مآثرهم لنا ولمن بعدنا، وأرادت بهم الحاجة في ذلك الوقت لتأمين المسكن المناسب لهم أن يهتموا بطريقة بناء هذه المعالم التي نعتبرها كنزًا من كنوز التاريخ العماني المتنوع.

كم أتأمل ومازلت متأملًا في أحد نماذج تاريخ وطني الباقية ممثلة في هندسة فلج القرية وتقسيم سواقيه وتوزيعه بالنجوم ليلا وبالساعة الشمسية نهارًا، وتدور الدائرة ليسقي هذا الفلج مئات من المزارع المنبسطة التي هيأت أراضيها لتستوي مع سطح الماء من رأس الفلج قاطعا الكيلومترات، فيما نقلت من أجل سواقيه أطنان من الأتربة من هذه الأراضي العالية عن مستوى الفلج لكي يصل هذا الفلج إلى الأراضي الزراعية المنبسطة في القرية في علم فريد قل مثيله، لنرى منذ القدم إلى يومنا مئات من أشجار النخيل المعمرة التي نستذكر تاريخها في بعض تفاصيله كلها نهلت وغيرها من الأشجار من معين هذه الأفلاج.

أن ذلك وغيره ماهو إلا جزء من حضارة تاريخ بلادنا، نفخر بسواعد من قاموا عليها، داعين لهم بالرحمة والمغفرة، إنها أيادي كدحت فأوجدت تراثا خالدا ونابضا لا ينتهي، فلنتأمل ولنتفكر في جزئيات شواهد تاريخنا الذي لا ينسى، والذي في المقابل يجب الحفاظ عليه بكل الطرق، وتعريف الأجيال بدور الآباء في سبيل إيجاد كل هذه المقومات التي نفخر بها أمام العالم، واجبا علينا أن نصل بهذا التاريخ إلى أقاصي العالم بكل الوسائل؛ لأنه أيضا جزء مهم من مكونات تثري التاريخ، بل أنه مهم لإثراء سياحة هذا الوطن.