يوميات سورية 74
ـ 1ـ
تربوياً حاولت الالتزام بصيغة معقولة، جواباً على سؤال الفرق بين "الغني" و "الثري".... إذ كان السائل فتاة من بيئة فقيرة، أصبحت غنية، ثم ثرية...
قلت: في بلادنا، إذ لا بد أن نحدد جغرافيا اقتصادية، كما يحددون جغرافيا سياسية، ثم ارستقراطية، وبورجوازية، وأثرياء، ولكن... بلا طبقة. فاللباس والحفلات وصرف الفلوس المستهتر والذهاب للتسوق كل أسبوع من زحلة وبيروت... مع قهقهة سعيدة منغمة. لا تجعل من أحد بورجوازياً أو أرستقراطياً. إذ سرعان ما تنكشف الأنياب القديمة لمحمد الماغوط في شعره، الذي عبّر به عن سيلان اللعاب، في ذروة الجوع، على موائد الشرفات البعيدة!
في بلادنا "أغنياء" يكتفون بزكاة أموالهم وتعليم أولادهم. وثمة أثرياء معترف بثروتهم في ليالي الأنس في كل مكان، وليس لهم وجود في مجمل تحسين الحياة!
الأثرياء... خائفون دائماً، أنواعاً متعددة من الخوف، بما في ذلك الخوف الأكيد من تآكل الثروة أو ضياعها في لحظة قدَر اقتصادي.
الأغنياء... أكثر هدوءاً في الاكتفاء والاختفاء.
أما الفقراء...فازديادهم "عدداً" لا يشكل ازديادهم... "عُدّة"!
وثمة أحد، من كل فئة، يوافق على هذه المقولة المجازية المعقدة قليلاً: "الثروة فقر لا شفاء منه"!
وطبعاً كان لا بد من شرح يطول لفتاة السؤال البسيط.
أحد الشروح أن الغنى بمعنى الاستغناء عن الحاجة الأساسية في الحياة، ضرورة وتنتمي إلى الأخلاق... والتنمية والعدالة!
ـ 2 ـ
مرة سُئلت إيزابيل الليندي عن الحنين. فأجابت السائل بكتاب كامل اسمه "بلدي المخترع" وقالت: إن هذه العبارة الصغيرة الفقيرة المثيرة تفضح قلة اكتراثنا عندما نقولها أو نسمعها. ولكن عندما يتعين أن يكون لدينا وصف لها... اشتباك معها، ونحن في المنفى الاختياري أو الإجباري... لا بد ـ حينئذ ـ من كتاب!!
ـ 3 ـ
في حيلة ما لترويض الأسف الآتي من منظر الأشياء، وهي تبدو ككتابة نصفها غير واضح، على حائط بيت، لم يجعله الهجران، بعد، كأنه أطلال زمن، وبقايا إقامات طويلة في المكان...
في حيلة ما...
سأدلّك، أيها الصديق، على طريقة أجرّبها الآن.
أن تمسك قلماً وورقة وتحصي ما تبقى، وأن تدون ما ترى، وأن تصوّر زوايا نبتت فيها مجموعة من زهور الشوك الزرقاء الجميلة التي ينبغي أن تلمسها، قليلاً ورويداً، حتى وإن سالت من أصبعك الصغير، الذي يلامس النعومات الحية في الحياة... حتى لو سالت قطرة دم.
وإذا كنت لا تريد الوقوع في أسر الأفكار المبثوثة في المكان... فما عليك سوى أن ترى هذا الوعد على الجهة اليسرى من الضوء على الشباك:
"أنا في انتظارك سأغني بحنجرتك... أيتها المغنية الصغيرة، التي ذهبت وراء صوتها، في الفيافي... لكي تسقي السراب".
ـ 4 ـ
إلى زين وياسمين(ابنتي)
من الصعب العثور على اللؤلؤ خارج الأصداف.
من الصعب العثور على الأصداف خارج البحر.
من الصعب معرفة البحر دون الغوص فيه.
عميقاً. بعيداً. دائماً... غوصي،
لا لتعثري على اللؤلؤة، وإنما على... معناها.
ـ 5 ـ
من دفتر قديم:
سر جمال العتم أنه يخفي قمراً في مكان ما!