يوميات سورية 72
ـ 1 ـ
أحاول تبييض قصائد مكتوبة من عشر سنوات، وفيما أنا منهمك بجعلها أكثر «دقة» تصبح أقل «رقة». وبعضها لا يسمح باللعب في مكوناته الشخصية، كأي حر، فتستعصي على التدخل. وأمامي خياران:
أتركها، كما هي، شعثاء من فرط الدروب.
أو أطلقها، كزورق من ورق، في نهر الطفولة؟
تبييض قصائد قديمة بروح هذه الأيام، عمل عسير.
فأنا لم أكتب شعرا... إنما اقترفت كلاما.
لم أبنِ قصرا بل فضحت آلام كوخ بعيد.
أنا لم أبيض جدران قصائد... بل حاولت ضوءا في العتم.
ـ 2 ـ
حيثما وجدت، أيها الشاعر، سطحا أبيض... يمكنك أن تكب عليه الصمت، يمكن تدوين رائحة الكلام، وتخليد السكون.
في أي فراغ أبيض، ممكنٌ، مثلما يشتهي العقلُ... تلوين الجنون!
ـ 3 ـ
ما أكثر الأبواب المقفلة، ما أكثر الأبواب المخلعة أقفالها، ما أكثر الغائبين عن أبوابهم.
ملموسة هذه الأيام أبواب الجحيم.
رأيت بابا بقفل سميك كأنه لمنع السجناء من الفرار.
وثمة باب مغلق، مهجور صدىء.
كأنما لم يلمسه، في يوم من الأيام، انتباه الإنسان...
نسيان انتباه الإنسان
مغبر كمهب الريح... كأنه باب مؤلف من الغبار.
ـ 4 ـ
أنا ضوء مؤلف من العتمة الأولى
أنا عتمة في السنة الأخيرة من الشمعة.
أنا شروق في عاصفة هبت في ريش العصافير.
أنا غروب من وجهة نظر زورق تائه في البحر.
أنا ماء أسكن خارج حنفيات الحروب.
أنا دواء بديل للطب النووي.
أنا عشب روحك وزهرتها اليانعة.
أنا النحلة التي لا تضل طريقها أبدا.
والآن... يا جاري في الحياة
هلا أخبرتني من أنت؟
ـ 5 ـ
كلما حاولت إصلاح ساعة متوقفة...
قضيت عليها ورميتها في السلة العبقرية:
سلة المهملات.
سجلّي في إصلاح الزمن... ليس أفضل حالا.
ولكن الزمن لم يتوقف أبدا
ربما الزمن...
وربما الساعة...
من قال هذه الجملة:
لا شيء خاطئ تماما،
حتى الساعة المتوقفة... تكون صحيحة
مرتين في اليوم.
ـ 6 ـ
لأنك تهرّب الحياة، العظيمة، من ثغرة حدودك الضيقة...
يهرب منك النوم.
لأنك لم تعد ضخما وكبيرا وعاليا ولائقا..
يهرب منك النوم.
عد إلى الوسادة القديمة الخالية من التطريز المغشوش،
الممتلئة بالأحلام البيضاء، المليئة بالأمل.
املأ دفتر ملاحظاتك بقليل من الحليب الساخن.
وعد إلى روح المكان... إلى أعمق ما في روح المكان...
ولسوف تنام!
«من رواية إلى الأبد ويوم»
-7-
لم يعد يؤسفني اكتشاف الصغائر في الحيز الأخلاقي لبشر يعيشون على نقصانهم. يأخذون ثمنا لوطنيتهم المحلية (معارضة الشماتة) من أموال إدارتهم (حارسة الفضائل). أنا من دعاة إعادة تعريف الأشياء، والمفاهيم والقيم، بما في ذلك «الوطنية».
كلمة الوطنية التي تعني، في أصغر معانيها، الانتماء إلى بلد معين. أم معنية على شكل أرض. يقول حكماء الهنود الحمر:
«لا تبصق على الأرض... فهي أمنا».
ـ 8 ـ
من دفتر قديم:
لا بد أن هناك، في هذا الكون، يدا تدفىء يدا مجاورة في ضواحي قلب الإنسان.