يوميات سورية 71
ـ 1 ـ
بيت روح الإنسان هو الجسد. ولكنهما يعيشان معا في بيت أرحب هو البلاد، الأرض الأم، بيئة النشوء، والتكوّن، والنمو، والفوران. موطن الأقدام الأولى، وكل شيء أوّل.
في لغة الشعارات هو "الوطن" لكنه الكلمة التي أنقصتها الشعارات حيث لا يعرف "طفل الخطابة" كيف يحسّ به من خلالها، فينتقل الوطن من منبر الخطابة والتربية الوطنية إلى الحيز الملموس، اليومي، الحياة اليومية، الكرامة، الكفاية، العدل، المساواة، السعادة، الحب، المرح الثقة بالأيام، الألفة مع الغرباء، المشاركة في ظلال الجغرافيا، الاحترام الواضح في الجماعة البشرية.
ـ 2 ـ
نفهم من السخرية المرة صمت الجائع وخياراته: "كل ما يطير يؤكل ما عدا الطائرة. وكل ما على أربع يؤكل ما عدا أرجل الطاولة".
وعندما، في نهاية البحث عن الملجأ، والتفتيش عن الرغيف... يأتي الموت، يأتي كحل، وفي اليوم التالي بعد أن تكون قد جفت معظم الدمعات، يقول فيلسوف الصمت:
"أيها الموتى... لا تعودوا بعد أن نجوتم".
كان ينبغي، دوما، وقبل كل حرب، طرح هذا السؤال البسيط:
"ما هذه الحرب التي لا تحقق شيئا سوى تدمير الأشياء المحققة؟". ثم يتبين، وقد أصبحت المدن حطاما، أن هناك في تعقيدات المصالح عقد موازين القوى حيث لا أحد يستمع إلى غاندي - مثلا:
"أنا لا أحب الانتقام لأني لا أستطيع قضاء عمري في الجري وراء كلب، لأعضّه كما عضّني".
ـ 3 ـ
"ما هو جوهري لا يُرى بالعين". وهذا ينطبق على ما وصلنا إليه في هذه "المحنة الحالية" (ويمكن تسميتها امتحان الجدارة الحالي).
أزمة المعيشة ليست جديدة على التجمعات البشرية. في أوائل تعرّفها على صناعة الغذاء من مفردات الطبيعة.
وليست جديدة على الدول. لقد أكل النيويوركيون، في أواسط القرن الماضي، الكلاب الشاردة.
لكنها تصبح أزمة وقحة وقليلة أدب عندما يكون سببها الطمع بأسوأ أشكاله، وفوضى الرقابة، وانعدام العدالة في خط سير السلعة من المنبع إلى المصب... وخاصة عندما يكون ذلك بإشراف العمى الاصطناعي لعمق الإدارة الاجتماعية: الدولة.
وسورية تستطيع أن تكون غير ذلك: بلا أزمة معيشة.
ـ 4 ـ
إننا نغش كل الحيوانات، من أجل السكين وسيخ الشواء... وليس هذا الأفدح بل أن يؤدي نقص النزاهة إلى كارثة مصير البشر: فقدان الأمان، الأمر الذي يصبح فيه البشر قطعانا... قيد السكين!
ـ 5 ـ
من دفتر قديم:
ما هو جوهري (الكرامة) لا يُرى بالعين. إنها ثقافة الأذى!