يوميات سورية 51
ـ 1 ـ
في يوم الشعر:
ـ أ ـ
كانوا يكتبون على حائط في شارع: "اخفض صوتك. هنا يسكن شاعر، يكتب الآن".
ـ ب ـ
قد يمر شاعر من المستنقعات...ويبقى نظيفاً.
قد يسكن قصراً ويصبح قذراً. يقول الشاعر الروسي باسترناك: "إن شخصاً رديئاً لا يمكن أن يكون شاعراً".
ـ ج ـ
قبور الشعراء لا تتحول إلى أحواض زهور بعد الجنازة، إلا إذا كانوا قد زرعوا، أثناء حياتهم، زهرة في كل قلب.
بعض القبور تغدو حديقة بأمر، أو تتحول إلى "تكية سلطانية" بغمزة عين.
ـ د ـ
لا بد من شاعر لا تذبل على ضريحه رسائل من أحبوه. يأتون في الشتاء ليسألوا الشاعر عن اتجاه البرد هذا العام. وفي الربيع عن أفضل وسيلة لنمو زهرة الحب، وفي الصيف يسألونه عن أفضل الأغاني لتقليم الحزن الآتي من فراق.
وفي كل المناسبات يأتون إليه بدفاتر مذكراتهم ليعطيهم رأيه فيما يكتبون.
ـ 2 ـ
اسمه "سعيد السعادات. انتبهت لهذا الاسم، وقصته بسيطة... فلسطيني في مخيم اليرموك في دمشق حفيد هجرتين، وها هي الثالثة على وشك الحدوث. انقصف البيت، فلجأ هذا السعيد، المبالغ باسمه إلى أقرباء، انقصفوا هم بدورهم...
وآخر الفيلم يتذكر أنه اشترى في أزمنة رخص أسعار القبور، قبراً واسعاً، فذهب إلى ما تبقى من المقبرة، الحارس نفسه الذي اشتراه له. باع القبر، وصار، بثمن الموت المؤجل قادرا على الوصول إلى هولندا حيث أبناؤه قد سبقوه إلى هناك.
إلى "هناك"... اسم مكان مجهول مليء بالاحتمالات، ولم يعثر سعيد على أحد من الأولاد حتى هذه اللحظة.
أحياناً يجلس في مقهى رصيف... يتمتم ويدمدم ويهز رأسه.
فهمت من عباراته هذه الجملة: "عجيب الإنسان ... في بحثه عن وطن يحصل على منفى".
سعيد سعادات... آخر أخباره طلب من دائرة الهجرة تغيير الاسم فيصبح: "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبو النحس المتشائل".
وهذا عنوان رواية للكاتب الفلسطيني إميل حبيبي كان قد أحبها ذات يوم.
ـ 3 ـ
كلما رأيت مسؤولاً سابقاً، وأصبح معارضاً لاحقاً، يخطر لي أنه لن يعترف بآثامه وأخطائه وخطاياه، إلا بالطريقة نفسها التي كان يستعملها هؤلاء المسؤولين سابقاً، في انتزاع الاعترافات من الضحايا... التعذيب !
ـ 4 ـ
هذا الربيع السوري خرج من فكرة الوردة الآذارية إلى وقائع البرد الزمهريرية. ولم نجد تفسيراً لهذا التنكيل بنا: ربيع أشبه بشتاء القرون الوسطى. لا كهرباء، ولا محروقات، ولا ثياب ولا بطانيات... التفسير الوحيد غير المقنع والخالي من خفة الدم:
"مجموعة من عصابة الأغنياء اشتروا الربيع، وتركوا لنا حرية اختيار أحد أنواع الصقيع.
ـ 5 ـ
من دفتر قديم:
" لا فرق بين الاستعمار والاستحمار.
الأول يأتي من الخارج، والثاني يأتي من الداخل".
عادل محمود روائي وكاتب سوري