يوميات سورية 50
-1-
بمناسبة المجاعات:
في الأعوام الأخيرة من الحرب العالمية الأولى، كانت المجاعة قد أطبقت على دمشق، المجاعة التي حدها أي رغيف، من أي نوع، من أي حبوب، وفي أي وقت.
كان هناك بطريرك أطعم وآوى الآلاف، ولم يكن يفرق بين مسيحي ومسلم، وقد نفذ كل ما لديه من المؤن، فباع الأيقونات الفضية أولا ثم الذهبية واشترى بثمنها خبزا للجائعين، ثم باع الصليب الماسي الذي يزين القلنسوة البطريركية، وهو صليب ثمين أهداه له قيصر روسيا نيكولا الثاني عام 1913، وعندما سمع أحد أغنياء دمشق بالقصة اشتراه وأعاده له، فباعه مرة أخرى واشترى بثمنه خبزًا، ووضع على القلنسوة صليبًا من زجاج.
ذات يوم جاءه مقرئ مسلم أعمى، طالبًا العون، فقال له البطريرك: سأعطيك ما تطلب، ولكن أريد الاستماع إلى سورة مريم، وكان المقرئ رخيم الصوت، وصاحب تلاوة مدهشة، فكان المشهد التالي: "مسلم أعمى يقرأ القرآن، وبطريرك مبصر يبكي".
هذا الكائن الرحيم "أبو الخبز" كما يسمونه، عندما توفي عام 1928 مشى في جنازته 80 ألف مسلم ومسيحي، وأطلقت تحية له، مئة طلقة مدفعية، وأرسل ملك العراق فيصل الأول، مئة فارس ليشتركوا في توديعه.
هذا الكاهن هو غريغوريوس حداد.
-2-
على سبيل الفكاهة وليس الندب والشكوى: فرق الأسعار بين عامي 2009 - 2022
كيلو شاورما = براد الحافظ 24 قدما
كرتونة بيض = براد 13 قدما
فروج = غسالة أوتوماتيك
كيلو بطاطا = مكواة حديثة
كيلو كوسا = فرن هندي
أسطوانة غاز = شقة بغرفتين
توصيلة سيارة الموتى، إلى مقبرة الغرباء، وخدمات الدفن، وضريبة القبر= بناية من خمسة طوابق.
-3-
تعليقًا على الاستنفار النووي في الحرب الروسية الأوكرانية، كأنه يشهدها، يقول آينشتاين: لا أعلم بأي سلاح سيحاربون في الحرب العالمية الثالثة، لكن سلاح الرابعة سيكون العصي والحجارة.
-4-
سأرد على النووي بهذه الذاكرة عن وديع الصافي:
وديع الصافي هو الصوت الواصل إلى مستوى إنجاز الريح، عندما اكتشفت حنان القصب المكسور على ضفاف البحيرات والأنهار، ذلك لأنه ممتزج، كجبال من نور، بأجيال من بشر جاعوا، اغتربوا، عشقوا، خابوا، فرحوا، وكانت أحلامهم تتصاعد من بيوت بسيطة، ومن لفائف تبغ، ودخان مواقد، وعثرات يومية في الطريق الدائم إلى الحياة.
.....
حين أتذكر هذا الرجل أكون في حاجة إلى الاستماع المصغي إلى فطرة الطبيعة وإلى فكرتها البسيطة عن نفسها.
كنت الليلة أتهيأ لسماع أغنية: "يا بيتنا الخلف الضباب".
-5-
من دفتر قديم:
من نزاعاتنا مع الآخرين..نصنع البلاغة.
من نزاعاتنا مع أنفسنا..نصنع الشعر