يوميات سورية 45
-1-
أستغرب طريقة العدالة في اختراع القانون الجزائي، ففي الأحكام يوجد المؤبد. أحياناً مع الأشغال الشاقة لزخرفة العقاب بوصفه جزءاً من حماية العامة. أحياناً ثمة أحكام مضحكة: مؤبد و300 يوم.
صاحب الرقم القياسي السجين الفلسطيني مروان البرغوثي حيث محكوميته 5 مؤبدات. ولكنه أيضاً صاحب الرقم القياسي في احتراف الأمل. فقد حصل خلال السنوات الأولى من سجنه على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية، من معهد البحوث والدراسات التابع للجامعة العربية.
قريب مروان هناك نائل البرغوثي تم اعتقاله وعمره 21 سنة. وهو الآن 63 سنة. يقول: لقد عاصرت في سجن ايشيل في إسرائيل، تغيير بابين حديديين، نتيجة الصدأ واهتراء الزمن.
-2-
سبب حبي للبيض مسلوقاً، مقلياً، مطبوخاً... هو تاريخ انحراف وظيفة البيضة في القرى النائية والفقيرة:أصبحت وحدة نقدية. بيض مقابل صابون، بيض مقابل خيطان لرفو المهترئات. بيض مقابل أردأ أنواع الحلوى.
وهكذا كنا نتفرج على هذه المقايضات التي حرمتنا من تذوق البيض في طفولتنا. الآن ثمة ما هو أسوأ:
في سوريا 14 مليون شخص لا يحصلون على بيضة واحدة سنوياً. فقانون قيصر يمنع استيراد نصف العلف، والنصف الثاني يذهب إلى السوق السوداء.والدجاج لا يبيض في زمن الانحراف عن وظيفته.
-3-
حين مات سليمان السوري في تونس... لم أكن أعلم أنه أوصى مستئذناً بدفنه في مقبرة شهداء فلسطين.
كان سليمان فلسطينياً بالانتماء، وعالمياً بمحاولته نشر ثقافة عالمية في دار نشره "ابن رشد" التي ولدت في بيروت ونفيت إلى تونس. وهناك نشر الأعمال الكاملة لدستويفسكي بترجمة الدكتور سامي الدروبي.
تذكرت اليوم الأخير في وداع دمشق... تلك الليلة، ذات الوداعات الرنانة، لم تكن سوى الحدس الخفي، قبل حوالي نصف قرن، الحدس الموجود لدى كل منا... الحدس بنكهة المصير، في لحظة بالغة القدم، في الروح البشرية.
-4-
عندما فكرت بهذه الصبيَة، التي مات أخوها الوحيد بطلقة واحدة... لكي أكتب لها جملةً معزية، لا تساهم في تجفيف دمعتها، فقط، وإنما في منعنا نحن من البكاء.
كتبت لها على صينية بيضاء مستديرة راسماً عليها العقارب :
" مصلّح الساعات، صنع ساعة كبيرة للمدينة، تدور عقاربها إلى الوراء... لكي يرجع أولادنا الذين فقدناهم في الحرب"
-5-
ذات يوم أرسلت للشاعرة اللبنانية عناية جابر، وهي مغنّية أيضاً، هذه الجمل التي علاقتها بالغناء، تعتبر وصلاً بالشعر:
- الغناء أداة الصمت.
- في فمي أغنية لا أعرف ماذا سيكون مصيري إذا غنتها امرأة أحبها.
- لم تكن فيروز ما هي عليه لولا إحساسها بالإهانة من نقص كمالها.
- الأغنية تسلية لروح الخائف... لاحقاً لتدفئته.
- صوتك يجب أن يأتي من أقاصي الإنسان، كي يذهب إلى أقاصي الكون.
- تمهّلي وأنت تقولين في أغنيتك: "أحبك حبين"... فلربما كانوا ثلاثة.
- غني لي كي أشبع حليباً من صدر السنونو.
اليوم 13/2/2022 ذكرى رحيل هذه البنت...
عناية جابر كتبت قبل موتها:
"بابي أغلقته، ورحت أتنفس من شقوق الخشب...
أنا بريئة من دم هذا العالم".
-6-
من دفتر قديم:
" أن ترى عشرة عصافير على الشجرة... أحسن من عصفور واحد في اليد ".