يوميات سورية 43
ـ 1 ـ
فيما كنت أقرأ عددًا من شهادات السجناء السوريين... لفت انتباهي شهادة موجزة قدمها الدكتور ثائر ديب، تعليقاً على التعذيب الذي يهدف إلى كسر إرادة السجين وصموده:
"مخجل هو الزمن الذي لا يزال يحتاج إلى صامدين أمام التعذيب".
"ثائر ديب" واحد من الرجال الشجعان الذين استخدموا إرادتهم وقوة روحهم لجعل السجن مكاناً للعمل وزماناً للأمل.
اعتقل ثائر خمس سنوات وكان طالباً في كلية الطب (في السنة الخامسة). وقد ترجم في السجن عددًا من الكتب، وساهم في كل نشاطات السيطرة النفسية لجعل السجن بيئة لتفاعل المستقبل مع الشروط القاسية لسجن بلا نهايات.
عندما خرج من السجن أكمل دراسة الطب وتخرج دون أن يمارس المهنة، بل تفرغ للترجمة حتى بلغ عدد الكتب التي ترجمها حوالي الستين كتابًا ضروريًا لمكتبة عامة أو خاصة، لأكاديميات المعرفة، وجامعات البحث.
عندما رشح ثائر نفسه لنيل جائزة الترجمة التي تقيمها الدوحة باسم الشيخ حمد بن جاسم... كنا نحضر قائمة المدعوين لوليمة الفوز بالجائزة كأمر مفروغ منه.
عند النتيجة تكشفت الفضيحة عن استبعاد ترشيح ثائر من الفرز الأول، لأن من بين الكتب المختارة كإنجاز للمترجم، كتاب الإيراني على الدشتي "محمد ـ 23 عاماً. دراسة في السيرة النبوية".
الفرز الأول !؟ يستبعد مترجماً بوزن وسمعة وإنجاز ثائر ديب؟ هذا عار واستهانة بمعايير وشروط الجائزة.
.......................
شارلي شابلن تقدم إلى مسابقة موضوعها: تقليد شارلي شابلن. فاز في المرتبة الثانية. أما المرتبة الأولى فكانت من نصيب ابن رئيس الجائزة.
ـ 2 ـ
المتهم بقطع الرؤوس داعش وأخواتها، ولكن، في ثنايا صفحات التاريخ، توجد رؤوس تدحرجت، لأسباب لا تخطر على البال:
المفكر البريطاني توماس مور، أحد مبشري اليوتوبيات المبكرين، قطع رأسه لأنه اعترض على إضافة الملك إلى ألقابه المتعددة، لقب
"رئيس الكنيسة". وهو الملك الذي أطلق حماقاته: بوسع الملك أن يكون "أباً" للشعب، لا "سيد العبيد".
من طرائف قطع الرؤوس أن ملك فرنسا لويس السادس عشر استدعى قبل الثورة بعدة أيام، "مدير المقصلة" وطلب منه تعديلات على الدقة ورهافة الشفرة القاطعة، وسرعة هبوطها على العنق بحيث تقطع الرأس بضربة واحدة.
وحين نشبت الثورة الفرنسية، كان رأس الملك وزوجته ماري أنطوانيت أول من تذوق شفرتها بعد تعديلها.
ـ 3 ـ
الليلة ليلة الشموع. انقطاع تام للكهرباء، ومنذ زمن لم استخدم الشموع. فلدينا بطاريات وحلول أخرى.
حين أشعلت الشمعة وتعالى فتيلها بتردد... شردت في تاريخ الشموع التي ارتبطت بجلسات الحب، وبطقوس الكاتدرائيات، وفي خواطر الشعراء. لكن شمعتي كانت ضعيفة وذات رائحة لا أحبها. وقد بذلت هذه الشمعة جهداً في أن تكون رومانسية في زمن سكين المطبخ ، وسيّاف الزهور، ومؤلف الأعمال الكاملة للصقيع.
حين ذرفت شمعتي آخر دمعة على صدر المكتب، وبللت عدة أوراق... تذكرت هذا البيت:
مالي أرى الشمع يبكي في مواقده
من حرقة النار أم من فرقة العسل؟
ثم جاء العتم وغطى لحظة النور...
انطفأت الشمعة .
ـ 4 ـ
من دفتر قديم:
"إذا أحسست أن صخرة ثقيلة تجثم فوق صدرك... فإن أحسن وسيلة للتخلص منها، هي أن تسدّ الحفرة التي حفرتها لأخيك".
* عادل محمود كاتب وشاعر سوري