يوميات سورية 42
ـ 1 ـ
كنا في زرقة البحر، تحت شمس أيلول، قبيل غروب أيام الفتوة الأولى عندما تعب رفيقي وابتدأت لحظة الموت.
كنت فتيًا وسبّاحًا، ومؤمنًا بقوة روح الإنسان. قلت له: تمسّك بكتفي واترك عنقي. لكن رفيقي طوّق عنقي. وفي لحظة الموت أردت أن اتركه يغرق لكي أنجو. ولكنني قلت: كيف أعيش بعد وأنا رجل مؤلف من الخذلان؟
أنا بطل الحكاية الافتراضي. وأقف أمام البحر، أتشمّس وحدي في نفس الغروب القديم، ولا أعرف أي لجةٍ ضم رفيقي؟
هكذا يفعل النوم... يجعلنا نخلع أحذيتنا وراء باب الدنيا، وندخل في برزخ كابوس البحر.
أيها الرفيق القديم الذي أنقذته من الموت، قبل أربعين عامًا... أسرع، هزّ كتفي، وطوّقني...
أيقظني...
فأنا أغرق.
ـ 2 ـ
صديقي الفنان التشكيلي ماريو موصللي... أمه أرجنتينية وأبوه سوري من مهاجري أواخر القرن التاسع عشر. ذهب إلى بوينس آيرس، بحثًا عن عمل.
انتهت الفلوس التي حملها ولم يجد عملا وذات يوم كان في مطعم بحري مع بضعة رفاق.. يتحسرون على المغامرة ويندمون. فجأة بدأت الضجة في المطعم الصغير المشاغب. لأن المطرب لم يأتِ... ذهب ماريو بكل تثاقل وبساطة، إلى منصة الموسيقى وطلب تشغيل المايك، وأطلق وصلة قدود حلبية، فاندهش الجمهور وصفقوا له، واستحسن صاحب المطعم، واكتملت السهرة حتى أوائل الفجر، وماريو يميل رؤوس الأجانب في الصالة كما يميل رؤوس العرب من كل البلدان العربية.
ماريو.... عاد إلى دمشق، وبدأ بتنفيذ مشروعه التشكيلي. ففتح غرفة مشغل وابتدأ رحلة رسوخه الفني في محاكاة، فريدة من نوعها، للطبيعة.
انكسرت رجل ماريو بخطوة حظ سيئ في عتم سيئ. وحين اكتمل الشفاء، في لحظة إزالة الجبس عن ساقه... صعدت ريشة واحدة من أغصان آخر شجرة رسمها في هذا العالم.
"أنا ريشة حملت شعيراتها ألوانًا، تبحث عن سطح أبيض لترسمك يا صديقي".
هذه آخر رسالة وصلتني منه.
ـ 3 ـ
أنا ضوء مؤلف من العتمة الأولى.
أنا عتمة الأيام الأخيرة من الشمعة.
أنا شروق في عاصفة هبت في ريش العصافير
أنا غروب من وجهة نظر زورق تائه في البحر
أنا ماء أسكن خارج حنفيات الحروب
أنا دواء بديل للطب النووي:
عشب روحك وزهرتها اليانعة
أنا النحل التي لا تضل طريقها أبدًا
والآن، يا جاري في هذه الحياة....
قل لي: مَن أنت؟
ـ 4 ـ
من دفتر قديم:
"الحب هو ما يجعل الزوجة تغنّي وهي تمسح الأرض التي مرّ فوقها الزوج بحذائه القذر".