يوميات سورية 30
ـ 1 ـ
انطفأ قنديل المساء، وصمت الطائر الحلبي الأندلسي السوري
صباح فخري: هذا يعني أن المعلمين الكبار يتناقصون، ويصبح ورق الخريف علامة ذبول لا راد لها. وأن الموشحات تعلن يتمها. وبقليل من التذكر.. نعرف أن مكانها الأصلي: غرناطة، واشبيلية، وقرطبة، وذلك الساحل القاري في القسم الأوروبي من لحظة عبور طارق بن زياد إلى الآن... ولكن مآلها النهائي في مكانين: "قرية التستور" في تونس، حيث استوطن الأندلسيون الفارون من المرأة الفولاذية "إيزابيلا الاسبانية" في العام 1492 وهو عام اكتشاف القارة الأمريكية.
أما المكان الثاني فهو حنجرة وصوت صباح فخري، وفي بيئة الطرب في حلب، كانت الموشحات الأندلسية تجعل للحب نكهة، وللشوق قصة، ولعصر ازدهار التطعيم العربي الأوروبي.. تاريخ.
والآن: أضحى التنائي بديلاً عن تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا
ـ 2 ـ
لا يبحث السوري، اليوم، وهو يمشي منحنياً مطرقاً في الأرض، عن الكرامة المهدورة.. بل عن العمر الضائع.
ـ 3 ـ
جاء الشتاء.. الشتاء البطل القاسي
وأنا لا أريد أن أجعل من قصة هذا البلد،
قصة المهاجرين في وطنهم، والنازحين عن وطنهم،
واللاجئين إلى أسماك قرش البحار السبعة.
لا أريد أن أجعل من خراب البيوت ، وصعود أرواح القتلى إلى السماء.. هماً في باريس، وغماً في العروبة،وذكريات في الأندلس القديم، ودموعاً في عوامات النيل.
كل ما في الأمر أنني أحاول أن أخبر الكون كله ، الواقعي والافتراضي..أن الشتاء قد جاء، قاسٍ كبطلٍ في مجزرة،
فادح كهذه الحرب، صارمٌ بارد وغريب، مثل كل قاتل وقتيل. الشتاء على الأبواب..
وسورية بلا معطف.
ـ 4 ـ
أول بيت..
استأجرته ، عندما أتيت للدراسة في دمشق، كان غرفة في حي شعبي اسمه "الفحامة، وكانت صاحبة البيت سيدة متدينة، الحاجة أم محمود، وحاولت أن أكون جاراً طيباً، ولكنها كانت تعترض على ممارستي الرياضة في الصالة المشتركة المفتوحة على الفضاء.
في هذا البيت عشت في البيئة الشعبية الأكثر تمثيلاً لدمشق. البيئة المغلقة باكتفائها الذاتي بيئة تلك النكهات الغريبة، المنبعثة من الأسواق التي بنيت منذ العصر الأموي.
كان لدي بضعة كتب، وقلم واحد ودفتر محاضرات. ولكن في نهاية العام الدراسي الأول... أصبح عندي رف من الكتب، التي كنا نشتريها عن سور "البرامكة" أو من مكتبات تبيعنا بالتقسيط. واليوم انظر إلى الجدران في بيتي وقد أكلتها الرفوف... وأتذكر غبار كتب تلك الأيام.
ـ 5 ـ
من دفتر قديم: لكي ترسم الغابة، أو تكتب عنها... تقطع أشجارها .