يوميات سورية 28

23 أكتوبر 2021
23 أكتوبر 2021

ـ 1 ـ

أول كل شيء:

كانت شهادة السرتفيكا ـ أي الخامس ـ شهادة أولى، يحق لحاملها أن يحصل على ساعات تدريس في المدارس الابتدائية، في الخمسينات. كانت سورية بعد عشر سنوات من الاستقلال تحبو باتجاه محو الأمية، والعملية التعليمية متعثرة وفقيرة. كنت في حالة فرح المتعلم في وسط لا تعليم فيه. رأيت اسمي مطبوعاً في الجريدة كأحد الحاصلين على هذه الوثيقة الكبرى. ولكنني لم أذهب إلى عرض خبراتي الفقيرة، أردت إكمال التعليم. ولكنني، مع الأسرة الفرحة بابنها المتعلم، اكتفيت، بغرور الطفل على عتبة التعليم المتدرج، ذهاباً إلى التعليم المتوسط... بأن أحلم.

سأذهب إلى قرية أخرى فيها مدرسة متوسطة. هناك كان الفتى الصغير يتأبط، في حقيبة من قماش، كتباً، وزوادة من رغيف خبز مبلول بالزيت... يتعلم أول حروف اللغة الإنجليزية في قصة حبّ صغيرة، حاولت تقليدها طوال سنواتي اللاحقة، قصة "لورنا دون".

لقد بدأت نار الشتاء تدفىء نور اجتهاد غامض، سنة وراء سنة.

ـ 2 ـ

" ستعرف يوماً أن ديوانك "ضفتاه من حجر" بث الروح كنفحة الخلق. هكذا يكون الشعر عندما يستطيع، لفرط صدقه وحقيقته، أن يحول الحياة إلى أسطورة. شكراً لك".

هذه رسالة من شاعرة سورية صالحها هذا الكتاب مع حبيبها الذي أهدته نسخة منه... فعادا إلى الحب.

الشعر... سلام.

ـ 3 ـ

المطر يروي قصة البرق مع الرعد، والعطش والارتواء، في رقصة الغضب الذي ينطوي على فرح البذور... كانت نافذتي الزجاجية كمحارب تحاول الريح اختراقها إلى داخلي. وقفت طويلاً أرتوي بمشهد يزيح فيه القمر الأصفر غيمة إثر غيمة، ويتفرج على زئير الطبيعة، وهو يجعل النور، بساطةً للضياء، ويوزع الفتنة في تداول الظلمة والمطر العنيد. أحدهم قال: كلما سمعت الشاعر الجواهري، وهو يتلو رعود قوافيه، اقتنعت أنه، لكي تكون شاعراً، يجب أن تكون من العراق. (هكذا كنت أقرأ في كتاب: النجف أنجبت شاعرين... المتنبي والجواهري، قال الجواهري عن الأكراد:

سلّم على الجبل الأشم وعنده

من أبجديات الضحايا معجمُ

شعبٌ دعائمه الجماجم والدمُ

تتحطم الدنيا ولا يتحطمُ

فعلق أحد المتعصبين، ساخراً:

شعبٌ دعائمه الجماجم والدمُ

(تتقدم الدنيا ولا يتقدم)

في العام 1965 صدر ديوان الجواهري "بريد الغربة" وفي العام 1980 جاء الجواهري إلى دمشق، وظل فيها حتى وفاته 1997 وعمره 98 سنة... وكانت "مقبرة الغرباء"... بانتظاره.

ذات يوم سئل: لماذا تلفظ "العراق" بالضم... عُراقْ، ولا تقولها بالكسر... عِرَاق، كما يلفظها جميع الناس؟

فقال: يحزنني أن أكسر عين العراق.