«يا نسيم الريح قولي للرشا»
مسلم الكثيري
بعض الأغاني العُمانية اشتهرت كثيرا داخل سلطنة عمان وخارجها، وبطبيعة الحال تلك الشهرة لها عدة أسباب في مقدمتها أسلوب الأداء، الذي هو هوية وثقافة.
ولكن من الملاحظ أن هذه الأغاني الشهيرة تبث بشكل متكرر في بعض البرامج الإذاعية الجماهيرية العُمانية بأصوات مطربين غير عُمانيين رغم اختلاف لهجاتهم وأساليب أدائهم مما قد يلغي طباعها الأصلي المحلي، من ذلك مثلا أغنية: «حلوة عُمان» التي لا أتذكر متى آخر مرة سمعتها عبر هذه القنوات الإذاعية بأداء المجموعة العُمانية التي غنتها بالأصل، وكذلك صوت ربوبة: «بعدت يا صولي» الذي شهره الفنان سالم بن علي، وغيرها من الأغاني العُمانية الجميلة.
في الواقع أساليب الأداء والمهارات الفنية تعكس ثراء الموسيقى ولهجتها وهويتها. وكما هو معلوم فإن الفنان هو صانع الحدث الموسيقي، والمتلقي يقيّمه ويستوعبه ويمنحه الحياة أو عكس ذلك. ولكن رغم أن المطرب صاحب الصوت الحسن هو محور العملية الغنائية إلا أن الحدث الفني الموسيقي لا يبلغ مداه إلا بمساعدة العازفين أصحاب المهارات العالية الذين يبلورون أساليب الأداء الفني والهوية الثقافية المحلية أو العالمية.
وفي موسيقانا العربية هناك الخاص المحلي والعام من الغناء المتقن الجامع للهوية والثقافة العربية. فكم هي تلك الأعمال الغنائية الخالدة التي ستبقى قرونا طويلة في ذاكرتنا كعرب، لن نتنازل عنها لأنها حافظة لهويتنا الثقافية ولغتنا الموسيقية وأساليب أدائها الفني الرفيع. إن مثل تلك الأعمال الموسيقية الخالدة وحدّت الذائقة العربية من البحر للبحر. فمَن لا يستمع إلى أغاني أم كلثوم أو عبدالوهاب أو فيروز وعبدالحليم حافظ وصباح فخري وغيرهم من عباقرة الموسيقى العربية ؟
يا فؤادي لا تسل أين الهوى
كان صرحا من خيال فهوى
اسقني واشرَب على أطلاله
واروِ عنّي طالما الدمعُ روى
وأنماط الغناء العربي كثيرة منها ما خرج من الباب الواسع إلى عالم العروبة شرقها غربها، ومنها ما ظل في الأرض القُطرية معبرا عن هويتها وخصوصيتها المحلية.
ومن أقدم أنماط الغناء العربي الأصيل الجامع للذائقة العامة ما يعرف بالموشحة أو الموشح، وهو نمط غنائي مشرقي ومغربي. والموشحات كثيرة ولعل من أشهرها موشح من عصر النهضة بعنوان: «ملا الكاسات» للملحن محمد عثمان، وقد أدى هذا الموشح الشهير الكثير من المطربين العرب في مقدمتهم المطرب صباح فخري، وأبياته الشعرية هي:
ملا الكاسات وسقاني
نحيلُ الخصرِ والقدِ
حياةُ الروح في لفظه
سباني لحظه الهندي
مليمي لا تسل عني
وخلني على عهدي
آمان يا مليمي
وفي الواقع عندما قررت مع أعضاء فرقة البلد الموسيقية (أول فرقة موشحات عُمانية) توطين الموشحات في الغناء العُماني المعاصر ما كنت متأكدا أن الجمهور العُماني سيتلقى موشحاتنا بالاستحسان والقبول بسبب حداثة هذا النمط الغنائي في الثقافة العُمانية. لقد كان هذا القبول مشجعا لنا كثيرا رغم ما واجهنا ونواجهه من تحديات، وأحدث موشحاتنا المنشورة بعنوان: «يا نسيم الريح»، للحسن بن منصور الحلاج:
يا نسيمَ الريح قولي للرشا
لم يَزِدني الوِردُ إلا عَطشا
وبطبيعة الحال معظم نصوص موشحاتنا من الشعر العُماني القديم والمعاصر، ونسعى باستمرار إلى اختيار المناسب منها، ومن أحدثها للشاعر دول اليعاربة محمد بن عبدالله المعولي مع بعض التصرف (المصدر ديوان المعولي):
قد طال يا ليلى علي نواك
حتى غدا قلبي قتيل هواكِ
والجسمُ مني ذائبٌ في حرِ
نارِ الشوق، هل لي مأملٌ بلقاكِ
لا تبخلي بالوصلِ إني عاشقٌ
مالي طبيبٌ في الأنامِ سواكِ
لولاكِ ما أبلى الهوى جسمي ولا
أمسيتُ صبّا في الهوى لولاكِ
فالله يرعى من يواصِلُ حبه
ورعى الذي يرعى الهوى ورعاكِ