ومن لا يحب صعود الجبال
شخصيا أنا من هواة المشي الجبلي، وعلى دراية تامة بالمتعة والجمال والراحة النفسية والاسترخاء والتجربة المثيرة والمثرية التي يتحصلها من يهوى هذه الرياضة خصوصًا عند بلوغ الهدف في الوصول إلى الوجهة المقصودة التي غالبا ما تكون مفاجأة سارة لهواة المشي والتسلق. وأيضًا أنا على دراية تامة بمدى المخاطر المحدقة بهذه الرياضة فهي ليست كما يراها البعض في فيديو عابر أو حديث قصير لشخص يسرد تجربته في المشي وسط الأودية أو صعود قمم الجبال، بل هي كَبَد ومشقة وتعب مضنٍ يتكبده الماشي حتى يصل إلى هدفه الذي يتراوح بين الخفيف إلى المتوسط فالخطير في بعض الأحيان.
هذه الرياضة قديمة، فالآباء والأجداد وإن لم يؤطروها بإطار الهواية أو الرياضة أو المغامرة لكنها كانت نمط حياتهم فسكان الجبال والأودية والسهول يعرفون تضاريس منطقتهم وأحوال الطقس ووعورة المكان وخطورته فضلًا عن معرفتهم بمسارات المشي بين الأودية والسهول والجبال. وحديثًا بدأ هذا النوع من الرياضات في الانتشار في عُمان؛ نظرًا لجمال وروعة المسارات الجبلية وما توفره من متعة لممارسِ هذا النوع من الرياضات، وبدأت الفرق الرياضية والأندية وبعض المبادرات الشخصية في ممارسة هذه الرياضة مع إغفال لكثير من تفاصيلها خصوصًا المتعلقة بالأمن والسلامة والصحة ومعرفة الطرق والمسارات المختلفة والاهتمام بتفاصيل الإنسان والمكان وهذا ما نتج عنه الكثير من المشكلات التي حولت هذه الرياضة من نعمة إلى نقمة ومن متعة إلى مأساة وفاجعة.
خبر صادم تلقاه محبو هذه الرياضة وهو وفاة أربعة أشخاص أحدهم عماني وثلاثة من الجاليات العربية بعد أن جرفتهم السيول في وادي تنوف أثناء ممارستهم رياضة المسير الجبلي في وادي قاشع ونقل أربعة آخرون إلى المستشفى بإصابات متوسطة وخفيفة ونجاة ثمانية آخرين بعد أن تمكنوا من الوصول إلى وجهتهم من دون أية إصابات. فلأول مرة يتوفى أربعة أشخاص دفعة واحدة في رحلة مسير عبر الأودية والجبال وإن كان قد سبق هذه الحادثة عدد من الحوادث المتفرقة التي تتراوح بين الإصابات الخطرة والسقوط من أعلى الجبال أو الوفاة بسبب بعض الأمراض التي لا ينصح المصاب بها بالمشي المضني والمنهك.
تناقشت مع خبير ومدرب متمرس في المشي الجبلي وصعود الجبال عن ملابسات ما حدث وإمكانية تفادي الحادث وحرفية ومهنية الفرق المسيرة لهذه المسارات وامتلاكها للأدلة البشرية العارفة لهذه المسارات وللمعدات اللازمة لممارسة هذه الرياضة، أم أن ما حدث يمكن أن يتكرر أو أن يحدث مستقبلًا إن استمر الحال كذلك من دون ضوابط أو قيود سواء من قبل الجهات المرخصة لهذه الرياضة أو من قبل الهواة أو المحترفين الممارسين لهذه الرياضة.
إجابة هذا الصديق الخبير أضاءت بعض الجوانب المظلمة أو غير المنتبه لها في موضوع رياضة المغامرات لا سيما موضوع الاهتمام بالصحة والسلامة المهنية ومعرفة أحوال الطقس والمكان والتضاريس ووجود مسعفين ومنقذين ومدربين وإعلام الجهات المختصة والفرق المعتمدة بالأماكن والمسارات التي ستتواجد فيها تلك الفرق إضافة إلى التسجيل في التطبيقات المختصة المرتبطة مع الجهات المعنية بالإسعاف وعمليات الإنقاذ.
لكل رياضة مخاطرها لا سيما هذا النوع من رياضة المغامرات فالكثير من الحوادث حول العالم يقع لمتسلقي الجبال حتى مع وجود المدربين المؤهلين واحترازات الأمن والسلامة، لكن يبقى للطبيعة والأنواء المناخية والطقس والكوارث سطوتها على المكان، فعلى سبيل المثال يورد موقع بي بي سي أن هنالك أكثر من مائتي جثة لا تزال مفقودة فوق قمم جبل إيفريست فيما قال موقع ويكيبيديا أن عدد الوفيات فوق هذه القمة وصل إلى أكثر من ثلاثمائة شخص قضوا في سبيل بلوغ القمة وتحقيق حلمهم بلحظة تاريخية رغمًا عن المبالغ الطائلة التي قام أولئك المغامرون بدفعها للجهات المختلفة في سعي لنيل الشهرة أو الخلود.
ليس هنالك أي مسوغ للموت خصوصًا عندما يسعى الإنسان برجله إلى حتفه كما يقال، ولكنه القدر والمفاجآت والطبيعة في بعض الأحيان هي من يجذب الإنسان إما إلى العيش بين الحفر أو إلى صعود الجبال وتسلقها رغم المخاطر التي تنطوي عليها.