هوامش ومتون كولينز.. القصيدة بثياب مكويّة

01 ديسمبر 2021
01 ديسمبر 2021

يتمتّع الشاعر الأمريكي "بيلي كولينز" بشهرة واسعة لدرجة أن "تذاكر قراءاته الشعرية تباع بالكامل، ومبيعات كتبه تصل إلى حدود قلّ أن يحظى بها شاعر في أيّ مكان بالعالم"، كما يقول "ستيفن كوفج" في مقدمة كتاب "بيلي كولينز يوم الوجود الوحيد" الذي ترجمه الشاعران: سهيل نجم ومحمد تركي النصّار، وصدر عن "خطوط وظلال" الأردنية.

وحين نتصفح نصوص الكتاب نرى ميزة مهمة، وهي أننا نجد أنفسنا، في قصائده التي تعبّر عنّا، الناقدة "ماري جو سولتر" تقول: "إن واحدا من عناصر الجذب في قصيدة كولنز هي أنها تتيح لك تذكر حياتك الخاصة"، وتكمن براعته في مزج اليومي بالخيالي، فهو يلتقط التفاصيل التي تبدو عادية، وبسيطة، "قد لا تكون القصيدة ترتدي الزي الرسمي للسونيتة، لكن مع ذلك ثيابها مكويّة، وأزرارها مكتملة، أنت لا تريد أن تصل القصيدة إلى الحفلة بلباس مبالغ فيه".

وفي مختبره الشعريّ، يبحث "كولينز" عن التفاصيل التي لا تلفت النظر، وبعين ثاقبة يستلّها من أرض الواقع استلالا، ويصوغها صياغة تجعلها مثقلة بماء الشعر، من ذلك قوله في قصيدته (يوم الوجود الوحيد) التي حمل الكتاب عنوانها:

ضوء الصباح هو السطر الأول فقط

من مسرحية اليوم

أعني اليوم الوحيد في الوجود

نغمة المفتتح للأغنية الطويلة

وقد يجعل الشاعر الذي اختير لعامين متتاليين شاعر أمريكا بين الأعوام 2001-2003 وشاعر نيويورك بين الأعوام 2004-2006 من نباح كلب الجيران موضوعا شعريا لنص لا تفارقه روح السخريّة، حمل عنوانا طويلا، بل هو الأطول في الكتاب (سبب آخر يتعلق بعدم احتفاظي ببندقية في المنزل):

"كلب الجيران لا يتوقف عن النباح

أغلق جميع نوافذ البيت

وأشغل إحدى سمفونيات بيتهوفن بأعلى صوت

ومع ذلك ما زلت أسمعه يتأوه تحت الموسيقى

ينبح وينبح وينبح

والآن أراه جالسا في الأوكسترا

رأسه مرفوع إلى الأعلى بثقة

كما لو أن بيتهوفن ضمّن مقطعا لنباح كلب"

ونجد الكائنات حاضرة في شعره، وليس فقط الإنسان، ولا يتورّع من القول أن فئران منزله كانت تقاسمه العيش، حتى أنها بدأت الدخول إلى القصائد، ويشير في حوار أجراه معه جورج بلمبتون محرر مجلة "باريس" الأمريكية، وجاء على شكل ملحق ثبّته المترجمان في نهاية الكتاب، إنه تعلّم حبّ الكائنات وصحبتها، والتدقيق في تفاصيلها التي تخفى على الكثيرين من الشاعر جون كيلر "الذي كان يتجوّل في الريف، وينظر إلى أعشاش الطيور، ويحصي البيض، ويلاحظ البقع الموجودة على البيض، فلديه دائما الحسّاسيّة تجاه هذه المخلوقات الصغيرة التي تخشخش بين العشب"، فهو يرى أن القصيدة تنشأ "من شيء صغير جدا، في بعض المناسبات الخاصة، قصيدة عن فأر، على سبيل المثال، أو حتى ثلاثة فئران"

وحين يتحدث عنه لا يتطرق لربات الإلهام وشياطينه، والمشكلة مع الشعر بنظره "إنه يشجع على المزيد من كتابة الشعر"، فهو بالنسبة له:

"أن أجلس في الظلام

وأنتظر الشعلة الصغيرة

تظهر على طرف قلمي"

وإذا كان الشاعر يعتبر نفسه شاعر أشكال، وقصائده تهتمّ بالشكل، فالموضوع بالنسبة له "بوابة للمغادرة"، والقصيدة" تعمل بشكل أفضل عندما تتمكن من تجاوز موضوعها، أو على الأقل إيجاد مكان آمن للاختباء منه".

وقد بذل المترجمان جهدا في الاقتراب من روح النص، والمحافظة على بساطته في التعبير، وحين أهداني صديقي الشاعر محمد تركي النصار نسخة من الكتاب، سألته: كيف يمكننا أن نميّز بين النصوص التي ترجمها النصار والأخرى التي قام بترجمتها الصديق الشاعر سهيل نجم فأجاب: "كل شاعر عندما يتصدى لترجمة نص يضفي عليه من روحه، ولغته" وبذلك تمكنت بسهولة من فرز النصوص التي ترجمها النصار، وكانت تحتل النصف الأول من كتاب استمتعت بنصوصه التي ظهرت بثياب مكويّة.