هوامش ومتون: كواكب آفلة
عند وصول المذيع، ومقدّم البرامج الذي يعمل في قناة CBS الأمريكية ستيفن كولبرت، المطار في نيوزيلندا لإجراء مقابلة مع رئيسة وزرائها جاسيندا ارديرن، وقف خارج صالة المطار بانتظار سيّارة تقلّه إلى الفندق، ولم يطل الانتظار، فسرعان ما وصلت، ونزلت قائدتها لمساعدته في حمل الحقائب، وكانت المفاجأة أنّ قائدة السيّارة كانت رئيسة الوزراء نفسها، وبسيارتها الشخصية!!
ولعلّ الارتياح الشعبي الذي غمر الكثيرين عندما سلّمت حقيبة الإعلام للإعلامي جورج قرداحي في التشكيلة الوزارية الجديدة للحكومة اللبنانيّة، يعكس المكانة التي يحتلّها رجال الإعلام اليوم.
لكن أيّ إعلام؟ فالعمل الإعلامي يتضمّن مجالات متعدّدة، وبالتأكيد حصّة الأسد للإعلام المتعلّق بالجانب السياسي، أو الذي يلامس حياة الناس، عبر برامج المنوّعات، والرياضة، فيما يقف الإعلام الفني في آخر الصف.
ولو عدنا إلى السبعينيّات التي شهدت ذروة سنوات النشاط الفنّي العربي، السينمائي، والغنائي، والموسيقي، والمسرحي، فازدهرت الصحافة الفنّيّة، فكانت مجلّة "الكواكب" التي صدر العدد الأول منها في 28 مارس 1932 تأتي إلينا من مصر، وهي متخصّصة بنشر أخبار نجوم السينما، والتلفزيون، ومقالات عنهم، وتحرص على إجراء حوارات معهم، ومن بيروت، كانت تأتي إلينا مجلّة "الموعد" التي أسّسها محمد بديع سربيه عام 1953، ومعها "الصيّاد"، و"الشبكة"، في وقت كان التسابق في الإنتاج الفني يمشي على قدم، وساق، وأحسب أن الصحفيين العاملين فيها أينما ولّوا وجوههم وجدوا مادّة دسمة، فالنشاط الفني هو (داينمو) الصحافة الفنّيّة، وصار، يومها، الصحفيون نجوم المجتمع، الجميع يطلب ودّهم، لأنّهم يمتلكون (سلطة)، فكم من مقال نشر عن فيلم ساهم في إقبال الجمهور على دور العرض السينمائي!، وكم من (سبق صحفي) تسّرب عن حياة واحد من النجوم رفع سقف مبيعات المجلة التي نشرته!
وفي 24 /6/ 2020 ، توفّي في المغرب واحد من رموز الصحافة الفنية العربية هو الصحفي (رمزي صوفيا)، المولود عام 1928 م في بغداد، وممّا عرفته عن الراحل أنّه كان صديقا للفنّانين، فقد أجرى حوارات عديدة جمع بعضها في كتاب حمل عنوان (أيّام مع النجوم) طُبع في بيروت عام 1969، ولعلّ من المثير أن المطرب (عبدالحليم حافظ)، كتب مقدّمته، وهي المرّة الوحيدة التي كتب بها العندليب الأسمر مقدّمة كتاب، وهذا دليل على المكانة الرفيعة التي كان يحتلّها الراحل الذي تدرّج في المواقع، حتّى عمل في الثمانينات مستشارا فنّيّا لجلالة الملك الراحل الحسن الثاني، في ذلك الوقت لم تكن الصحافة الفنّيّة تقف عند الهامش، بل كانت ضمن المتون، وفي مقتبل حياتي، أواسط السبعينيّات، كنت أتردّد على جريدة "المزمار" عارضا محاولاتي الأولى في الكتابة، فاقترح عليّ الصحفي الراحل رياض السالم إجراء حوار مع الفنان المصري محمد توفيق الذي كان يعمل أستاذا في كلية الفنون الجميلة ببغداد، فتردّدت، وقلت له: وهل تظنّه سيوافق؟ ففوجئ بسؤالي، وألقى عليّ محاضرة في أهمّية الصحافة الفنية، وحرص الفنانون رغم شهرتهم على التعاطي معها، ولم يتردّد أيّ شخص مهما كانت منزلته في الكتابة بالصحافة الفنيّة، فقد نشرت مجلة "الكواكب" في عدد صادر عام 1955 حوارا أجرته الفنانة شادية مع النجم عماد حمدي عندما كان زوجها، كما كشف الناقد أحمد السماحى، وأصرّت على كتابة الموضوع بنفسها، وسلّمته في ميعاده المحدّد، وفي مقدّمة الحوار تحدّثت (شادية) عن اتفاقها مع مجلة "الكواكب" للقيام بالمهمّة لتكون إحدى مندوباتها لإجراء حوار صحفي مع أحد النجوم، وكانت قد خرجت من البيت ثمّ عادت " لتمثّل" دور صحفية، وعن تلك اللحظات تقول "عندما فتحتْ لي الخادمة الباب قلت لها: الأستاذ عماد موجود؟! فنظرت الخادمة إليَّ في دهشة وشك دون أن تنطق بشيء، فاستطردتُ أقول، وأنا أدخل: أنا عارفة أنه موجود، قولي له "أن فيه واحدة صحفية من مجلة "الكواكب" جاية تأخد منك حديثا للمجلة، وعندما وجدتُ، والكلام لشادية، الخادمة لا تزال فى وقفتها تنظر إليَّ في دهشة من الأمر، طلبت منها تنفيذ ما أمرتها به"، وحين سمع عماد حمدي بوجود صحفية في المنزل أسرع لملاقاتها، ولم تكن تلك الصحفيّة سوى زوجته، ووسط جدّيتها، ودهشته، أجرت" شادية" المقابلة المطلوبة!
لقد عاشت الصحافة الفنية عصرها الذهبي في عصر الكبار في الغناء، والموسيقى والسينما، وخلال حضوري دورة مهرجان أبو ظبي السينمائي 2013م، رأيت الناقد السينمائي طارق الشناوي محاطا بمحبة، واهتمام نجوم السينما: يسرا، لبلبة، فتحي عبد الوهاب، فكان نجما على النجوم، واليوم مع تراجع الإعلام التقليدي، وظهور الإعلام الجديد، وتوقّف الإنتاج الفنّي، صرنا نشهد أفول كواكب الصحافة الفنية.