هوامش... ومتون: عيدٌ بنكهة الزيتون والزعتر
في كل عيد، اعتاد بعض الذين يحلّ العيد عليهم، وهم في حالة ألم، أو في حال من أحوال الحياة المختلفة، أن يردّد بيت المتنبي الشهير:
عيد بأيّة حال عدت ياعيد
بما مضى ؟ أم لأمر فيك تجديد؟
ويغلب على هذا (البعض) الحنين إلى أعياد أيّام زمان، مستحضرًا قول المعتمد بن عباد أيام سجنه في "أغمات" بعد أن أدار له الدهر، وتغيّرت حياته من حال إلى حال:
فيما مَضى كُنتَ بالأَعيادِ مَسرورا
فَساءَكَ العيدُ في أَغماتَ مَأسورا
لكنّ هذا (البعض) لاذ بالصمت، ولم يستحضرها، علنا، ولم يخطر بباله، ربّما، مطلع قصيدة المتنبي التي قالها في هجاء كافور الأخشيدي، بعد أن خاب أمله به، وكان يستعدّ للهروب من مصر، لذا تساءلت عن ذلك، فهل طوى هذا النوع صفحة فرحة العيد، ولم يعد بحاجة إلى شاهد شعريّ؟ بخاصّة، أن الأزمات التي يعاني منها المواطن العربي هي هي، ولم يزل "كورونا"يحدّ من حركة الجميع، ويحصد أرواح الأحبّة بمنجله الباشط؟ ومما زاد من ذلك أنّ نشرات الأخبار فيها الكثير من أخبار الدم الفلسطيني، والحرائق التي طالت البشر، والحجر، والزيتون، هذا وحده كفيل بتعكير المزاج، وإفساد فرحة العيد، لكن كلّ هذا لم يحدث، والفرحة لم تنكسر، مثلما انكسرت في العيد الذي مرّ بنا في 19 نوفمبر 1977، يومها كنّا في مقتبل أعمارنا، وكان وعينا بـ(القضيّة الفلسطينيّة) عاليًا، بفضل معلّمينا، ووسائل الإعلام، وحراك الشارع العربي، ومنذ سنوات طفولتنا الأولى، كنّا نعي كلّ ما يدور حولنا، ويكفي أننا كنا ندفع من مصروف جيبنا اليومي القليل الذي يعطيه لنا آباؤنا، قبل الخروج من البيت ذهابا للمدرسة، وبدلًا من شراء"سندويج فلافل وعنبة"، نسكت بها جوعنا، نشتري طوابع دعم القضيّة، والفلسطينيين القاطنين في مخيّمات اللاجئين، ونعود للبيوت نتباهى بتلك الطوابع الصغيرة التي عليها صورة قبّة الصخرة، وبندقية، وخيمة، ووجه غاضب يتلفّع باليشماغ الفلسطيني، فنلصقها على دفاترنا، وخلال ذلك نصغي لصوت (أمّ كلثوم) وهي تردّد:
أصبح عندي الآن بندقية
إلى فلسطين خذوني معكم
إلى ربى حزينة
كوجه المجدلية
إلى القباب الخضر
والحجارة النبية
إلى بقيّة كلمات القصيدة التي، عرفنا لاحقا،أنّها للشاعر نزار قبّاني، وألحان: محمد عبدالوهّاب، وعبر صوتها الهادر المغلّف بالحماس، تأخذنا معها إلى القدس، والخليل، وبيسان وبيت لحم، والطريق الواحد الذي " يمرّ من فوهة بندقية"!
منذ ذلك اليوم، وكلّ ما يفرح فلسطين يفرحنا، وما يحزنها يحزننا، ويكفي أنّ أوّل عيد من أعياد تلك السنين مرّ حزينا كان العيد الذي وافق زيارة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات في 19 نوفمبر 1977 للأرض المحتلة، تمهيدًا لعقد اتفاقية مع "إسرائيل"، عُرفت بـ" اتفاقية كامب ديفيد"، جرت في 17 سبتمبر 1978، ووقّعها الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، ورئيس الوزراء الإسرائلي مناحيم بيغن، في منتجع كامب ديفيد شمالي واشنطن، أتذكّر يوم الزيارة جيّدًا، وكيف استيقظنا صباحًا على ذلك الخبر الحزين، وكيف وجدنا آباءنا، وأعمامنا، والشباب، يخيّم على رؤوسهم الحزن، وكلّ ذلك جرى على حساب فرحتنا بالعيد، في مرحلة كان العيد يكاد أن يكون فرحتنا الوحيدة!
لكنّ لعيد الفطر المبارك الذي مرّ على بيوتنا، وقلوبنا، قبل أيّام، نكهة تختلف عن ذلك العيد، وأعياد زمننا العربي، في هذه المرحلة من التاريخ، لكون هذا العيد تزامن مع فرحة انتفاضة الكرامة، والانتماء الحقيقي للتراب، وهي فرحة مؤطّرة بروح اليقظة الشعبيّة، والبطولات التي دوّنها شباب وضعوا أرواحهم فوق راحاتهم، كما صوّر الشاعر إبراهيم طوقان، المقاتل الفلسطيني في النص الذي حفظناه أيّام دراستنا في المرحلة الابتدائية:
هو بالباب واقف
والردى منه خائف
فاهدئي يا عواصف
خجلا من جراءته
صامت لو تكلما
لفظ النار والدما
لقد جعلت هذه اليقظة المجتمع الدولي يعيد حساباته مجدّدا، ويتذكّر الحقّ الفلسطيني السليب، ورغم الدماء التي سالت، فالمكاسب كثيرة، هذه المكاسب جعلت لعيدنا نكهة الزيتون، والزعتر.