هوامش ... ومتون: صناعة النجوم.. شطارة وتجارة

27 أبريل 2022
27 أبريل 2022

في المشهد الأخير من فيلم (صانع النجوم) لمحمد راضي، الذي يؤدّي به الراحل (محمود ياسين) دور ممثل موهوب جعلت منه شركة انتاج نجما سينمائيا، مستثمرة موهبته، ولم تكن تتوانى عن فعل أيّ شيء ليكون نجما، ولو بالترويج لموته لكي يحقّق فيلمه الجديد أعلى الأرباح في شباك التذاكر، فيحاول، في ذلك المشهد، حضور افتتاح عرض فيلمه، لكنّ الشركة تمنعه، وحين يحضر، فإنّ الجمهور يظنّ أنه ينتحل شخصية نجمهم المحبوب، فالشركة المنتجة نجحت، عبر وسائلها المختلفة في إقناع الجمهور أنّ النجم (سعيد) قد مات بعد انتهائه من الفيلم في حادث سقوط سيارته في النيل، ويفشل في ذلك، فالجمهور صار على قناعة كاملة بموته، ولن يجعل الشركة المنتجة تتردّد في قتله بحادث دهس، كما بيّنت اللقطة الأخيرة، من الفيلم الذي أنتج عام 1974 م، فموت النجم يحقّق مكاسب أعلى لها، وهذا ما نراه، عبر نماذج متعدّدة في الأنظمة الرأسمالية، ونجاح الفيلم أهم من حياة النجم بالنسبة لها، خصوصا هي من صنعته، وأطلقته نجما في سماء عالم السينما، ليصبح الدجاجة التي تبيض ذهبا للشركة، فالنجومية صناعة، وكثيرا ما تردّدت جملة على لسان السيد راضي في الفيلم هي"أنا صاد نون، صانع النجوم"، فالنجومية صناعة، تدرّ على أصحابها الأموال الطائلة، ووراء كل صناعة عقول مدبّرة، تحافظ على جودة منتجوها، وتعمل على التسويق له، والفن صناعة، وقد حدّثني ممثل عراقي اشترك في فيلم مصري ضيف شرف، خلال الثمانينيات، أنه في اليوم الأول للتصوير، وخلال وقت الاستراحة، ذهب للغداء مع فريق العمل من مصورين وفنيين وكومبارس، كما اعتاد في العمل التلفزيوني، والسينمائي بالعراق، فاستنكر أحد المسؤولين عن الإنتاج ذلك التصرّف، بشدة، وقال له: أنت بهذا تخرب بيوتنا! موضّحا له على النجم، أن يحافظ على صورته العامّة، خارج مواقع التصوير وداخلها، حتى في تعاملاته مع فريق العمل، فلا يجوز له التباسط مع العاملين، فسأله: وماذا عساي أن أفعل؟ أجابه: اجلس في غرفتك، وعندما يحين موعد تصوير مشاهدك، يأتي المكلف بذلك ويطرق عليك الباب ويقول لك: تفضّل، حان وقت التصوير"، فلصناعة النجوم أساليب وآليّات، قد تكون حتى في كتابة الاسماء وترتيبها في شارات الأعمال الفنية، أو ملصقات الأفلام الدعائية (الأفيشات)، وقد تصل تلك الخلافات إلى قطيعة بين ممثلين أصدقاء، أو الوصول للقضاء، كما فعل الفنان أحمد مظهر حين وضع منتج فيلم (أنا بريئة) اسمه بعد اسم الممثلة (ايمان) والممثل رشدي أباظة مخالفا بذلك العقد المبرم بينه والشركة المنتجة، فطالب بتعويض مالي قدره (1500) جنيه، في ذلك الوقت عن الأضرار التي لحقت به، كما أشارت مجلة الكواكب في عدد لها صدر عام 1961، وحصلت مشكلة لا تقلّ عن هذه، في فيلم (بنات اليوم) أوقعت المخرج (بركات) في حرج، فالمطرب عبدالحليم حافظ كان يصرّ على كتابة اسمه ليكون الأول في إعلانات الفيلم، وهو الشيء نفسه الذي تصرّ عليه (ماجدة) في كلّ أفلامها، وقبل وصول الأخيرة للقضاء وازن بركات بين الاسمين وكتبهما بجوار بعضهما وبنفس الحجم، كما تشير المجلة.

وهذه الحساسيّات، بالطبع، لا وجود لها بين الشعراء والكتّاب في الفعاليات الثقافية المشتركة، لا لزهدهم فيها، وترفّعهم عن الدخول في تفاصيل، ودهاليز توجع أكثر مما تريح، ولكن ليس هناك من يهتمّ بوضع اسمه على رأس القائمة، أو وسطها، أو أسفلها، وإن حدث، فإنه يجري في السرّ، على هيئة حزازة في النفس، لا تخرج إلى الملأ، ولو خرجت سيتّهم الشاعر، أو الكاتب بالنرجسية وتضخم الذات، وحضور الأنا، وهذا يدلّ على التهميش الذي يعاني منه الشاعر، والأديب في مناطقنا.

وفي جلسة حوارية مع نجم عماني أحسست أن وضع الفنّان العماني يحتاج إلى مراجعة، بسبب ضعف التسويق له، وإن حصل، فاسمه يوضع بشكل لا يتناسب مع تاريخه الفني، ومساحة الدور، فكيف يصبح نجما يُشار له بالبنان، إذا كان صنّاع الدراما يغفلون هذا الجانب؟ ولو فعلوا لعاد الأمر بمردود كبير على الدراما المحلية، فالترويج للفنان يصبُّ في خدمة التسويق للدراما، فصناعة النجوم فن، وشطارة، وتجارة.

* عبدالرزاق الربيعي كاتب وشاعر عماني ونائب رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي