هوامش ومتون :تكريم يتجدّد لـ «العامري»

20 سبتمبر 2023
20 سبتمبر 2023

في مقال سابق نشرته عقب وفاة الشاعر هلال العامري رحمه الله، في الخامس من فبراير 2022م، أشرت إلى مشروع كتاب تبنّته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) ضمن تكريمها له في الدورة السابعة لليوم العربي للشعر، ومؤخّرا صدر الكتاب بالتنسيق مع وزارة الثقافة والشباب والرياضة، ليلفت الأنظار مجدّدا إلى تجربته الغنيّة التي أسفرت عن عدد من الدواوين جُمعت في مجلّد حمل عنوان «الأعمال الكاملة للشاعر هلال العامري» صدر عن النادي الثقافي عام 2013م، ودار الانتشار العربي ببيروت.

وأشار أ.د. محمد ولد أعمر المدير العام للمنظّمة إلى الإضافة التي يشكّلها هذا الكتاب الذي تضمّن «البحوث القيمة والمقاربات المستحدثة والتحليلات المعمقة والرصد الدقيق لمسيرة شاعرنا الفذ هلال بن محمد العامري» كما قال مؤكّدا أنّه «يُعدّ حلقة من حلقات التعاون المستمر والبنّاء بين المنظمة وسلطنة عمان التي كان حضورها دائما متميزا وفعالا في مختلف البرامج والمشاريع بفضل شراكة متأصلة تعود جذورها إلى السنوات الأولى من تأسيس المنظمة»، وهذه البحوث كتبها كلّ من: المكرّم سعيد الصقلاوي، ود. سعيدة خاطر، ود. صبري مسلم، وكاتب السطور، وكم كانت سعادة العامري كبيرة حين علم بمشروع الكتاب! فتعاون مع المشاركين به، ووفّر ما يحتاجون إليه من دواوين ومقابلات أجريت معه، وصور نادرة ووثائق، مثلما كان سعيدا بتكريم (الإلكسو) الذي جاء بناء على توصية من الجمعية العمانية للكتاب والأدباء واللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم كما ورد في تعريف بالشاعر وردت في الصفحة السابعة من الكتاب الذي جاء بـ127 صفحة من القطع الكبير، وقد زينت صورة العامري غلافه، وهي من اختيار الشاعر الراحل.

وضمّ الكتاب البحوث التالية: الشاعر هلال العامري سيرة عطاء ومسيرة إنجاز للشاعر سعيد الصقلاوي، وحمل بحث د. صبري مسلم حمادي عنوان (تقنيات المغايرة والحوار في شعر هلال العامري)، وتناولت د. سعيدة بنت خاطر (تحولات الخطاب الشعري في تجربة العامري) فيما توقّفتُ لدى (سيميائية العنوان في شعر هلال العامري).

في بحثه تحدّث الصقلاوي عن رفيق دربه إنسانا قبل أن يكون شاعرا، فهو يقول «حين يهلّ عليك هلال يشدّ نفسك إليه قبل عينك، ويأخذك ترحيبه بك قبل أن تتمكن من المبادرة، ويهديك ابتسامة حمام سلام ورسول محبة وفاتحة وداد، وهو الذي يبصر في الحمام براءة العشق وصيرورة السلام».

ويرى د. صبري مسلم أن العامري كان «يسعى إلى بصمة خاصة لقصائده تنأى عن المألوف والسائد والمكرور، وعبر تقنيات مختلفة بدءا بعناوين قصائده التي اتسمت بأنها إما موقعة أو غرائبية رغبة منه في أن يتميز»، وحول صوره الشعرية فإنها تميّزت بالتنوع «وأحيانا بالغرائبية التي قد تفضي إلى الغموض رغبة من الشاعر في أن يفكر القارئ معه وأن يشاركه معاناته في التقاط الصور الشعرية المبتكرة والأنساق غير المكرورة وغالبا ما تتضمن قصائد الشاعر رموزا ودلالات تحمل معاني إنسانية قد تعني الوطن أو الحياة».

وترى د. سعيدة بنت خاطر أن تجربة العامري تقف «على أربع محطات فارقة مر بها خطابه الشعري، مشيرة إلى السهولة والعفوية والغنائية الرومانسية التي اتّسمت بها قصائد البدايات، ورغبة الشاعر في خوض غمار التجريب، وتلمّست الباحثة بذور الاغتراب في ديوانه (قطرة في زمن العطش)، وتعمّق الدلالة الاغترابية في ديوانه (الكتابة على جدار الصمت)، واعتبرت كتابه (استراحة في زمن القلق) قد بلور انعطافة شديدة في تجربة العامري، فبه «طرح نوعا من القطيعة مع مسيرة الشاعر السابقة معلنا عن تحوّل جديد لخطاب شعري مختلف تماما، اقترب فيه العامري من التجديد اللغوي والصوري، بمقدار ابتعاده عن اجترار ما هو عادي ومألوف من الصور والأخيلة والرؤى»، علما بأن نصوص الكتاب هي مقالات وتأمّلات مكتوبة بلغة شعريّة جُمعت في كتاب صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1989م، أمّا التحول الثالث فقد تمثّل باستخدام تيار الوعي في ديوانيه ( الألق الوافد) 1991 و(رياح المسافر بعد القصيدة) 1993م وتحرّر فيهما من اللغة الاعتيادية الكاشفة المباشرة، وتجسّد التحوّل الرابع في ديوانه الأخير (للشمس أسبابها كي تغيب) 1994 و»طال لغة القصيدة وأسلوبها وبناءها إلى القصيدة القصيرة أو قصيدة الومضة أو اللقطة «كما أشارت د. سعيدة.

إن صدور الكتاب هو تكريم من نوع آخر للشاعر العامري ميّتا، بعد أن كرّمته (الإلكسو) حيّا، فقراءة نتاج الشاعر وتحليله والوقوف عليه تكريم يتجدّد مع صدور كل كتاب له، وعنه، وتأتي أهميّته كونه الأول عن تجربته، وبذلك وفّر مصدرا تعين النقّاد والباحثين عند قراءتهم تجربته.